السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

عمر البرغوثي لـ "الحدث": أهم التحديات التي تواجهنا محليا يتمثل في التطبيع الاقتصادي والرسمي واتفاقية أوسلو وبروتوكول باريس الاقتصادي

2014-04-14 00:00:00
عمر البرغوثي لـ
صورة ارشيفية

مبادرة كسر الجمود اختراق تطبيعي مهم لإسرائيل

الجامعات الفلسطينية ملتزمة بمقاطعة إسرائيل باستثناء جامعة القدس المتورطة في عدد كبير من مشاريع التطبيع


الحدث- رام الله

عمر البرغوثي ناشط حقوق إنسان وعضو مؤسس في حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها والتي تعرف اختصاراً بـ (BDS)، كان لنا اللقاء التالي معه ليتحدث عن أبرز المشاكل والعراقيل التي تواجهه، وأبرز التحديات وأهم الإنجازات التي حققتها الحركة.

حدثنا عن بداية إطلاق الحملة، والأسباب الرئيسية من إطلاق حملة كهذه في فلسطين والعالم بشكل متزامن؟ وهل هي لمقاطعة منتجات المستوطنات، أم لمقاطعة إسرائيل بشكل عام وكامل؟

تهدف حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS) إلى ممارسة الشعب الفلسطيني لحقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير. إن المقاطعة كشكل من أشكال المقاومة الشعبية والمدنية متجذرة في عقود من الكفاح الفلسطيني ضد الاستعمار الاستيطاني والتطهير العرقي والاحتلال. 

امتداداً لهذا التاريخ الحافل والعديد من تجارب المقاطعة، سيما في الانتفاضة الأولى، وتأثرا بتجارب النضال في جنوب أفريقيا وحركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة بقيادة مارتن لوثر كنغ، إنطلقت حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS) في 2005 بنداء أطلقته الغالبية الساحقة من المجتمع الفلسطيني في الوطن والشتات. دعا نداء المقاطعة العالم، وبالذات المجتمع المدني الدولي والحركات الاجتماعية، لعزل إسرائيل بشكل شامل وفي جميع المجالات (الأكاديمية والثقافية والرياضية والعسكرية والاقتصادية)، كونها دولة احتلال وأبارتهايد، كما قاطع العالم جنوب أفريقيا خلال حقبة نظام الفصل العنصري. 

حدد النداء ثلاثة شروط تشكل الحد الأدنى المطلوب لكي يمارس الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير: إنهاء احتلال جميع الأراضي العربية التي احتلت في 1967، بما في ذلك إزالة المستعمرات والجدار؛ إنهاء نظام التمييز العنصري (الأبارتهايد) القائم في أراضي عام 1948 ضد الجزء من شعبنا الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية؛ وعودة اللاجئين إلى ديارهم الأصلية التي شردوا منها. أي أن حركة المقاطعة تبدد الانطباع الذي ساد بين الكثيرين بعد توقيع اتفاقية أوسلو الكارثية بأن الشعب الفلسطيني يمكن اختزاله بالفلسطينيين المقيمين في الأراضي المحتلة عام 1967، دون فلسطينيي 48 ودون اللاجئين.

رغم سعينا لفرض مقاطعة شاملة على إسرائيل، فإن المقاطعة تتبع مبدأ «الحساسية للسياق»، أي أن نشطاء المقاطعة في كل موقع هم الأكثر قدرة على تحديد الشركات أو المؤسسات التي يستهدفونها بحملاتهم وكيفية النضال للوصول إلى هذه الأهداف المحلية. إن أغلبية حلفائنا في الغرب يستهدفون الشركات المتورطة في انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي في الأراضي المحتلة عام 1967، ولكن بعضهم بدأ في تجاوز ذلك فتبنى المقاطعة الشاملة لإسرائيل ومؤسساتها المتواطئة. 

هل تعتقد أن الحملة قد أخذت حقها في فلسطين، وهل كان لها الصدى الذي كنتم تنشدونه محلياً؟ وما هي العراقيل التي واجهت عملكم في فلسطين؟

حركة المقاطعة BDS هي نقلة نوعية في مسيرة طويلة في الكفاح الشعبي والمدني في فلسطين، منذ عهد الانتداب البريطاني، مروراً بالانتفاضة الأولى. ولذلك، فإن نداء المقاطعة حصل على تأييد الغالبية الساحقة من أطر وأحزاب وهيئات ونقابات وائتلافات الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات. إن اللجنة الوطنية للمقاطعة، وهي أوسع تحالف في المجتمع الفلسطيني والمرجعية الفلسطينية لحركة المقاطعة في العالم، تضم أهم الأطر السياسية والاجتماعية والنقابية الممثلة للشعب الفلسطيني في كل مكان.

نجحت المقاطعة محلياً على صعيد المقاطعة الأكاديمية والثقافية. فباستثناء جامعة القدس (أبو ديس)، المتورطة في عدد كبير من مشاريع التطبيع، فإن كل الجامعات الفلسطينية ملتزمة بمعايير المقاطعة الأكاديمية ومتماشية مع قرار مجلس التعليم العالي الداعي للمقاطعة الأكاديمية لإسرائيل منذ 1994. وكذلك الحال على الصعيد الثقافي. كما تراجع التطبيع النسوي والعمالي والشبابي والثقافي لدرجة كبيرة. 

أما التحديات الأهم أمام حركة المقاطعة محلياً فتتلخص في التطبيع الاقتصادي والرسمي واتفاقية أوسلو وبروتوكول باريس الاقتصادي اللذان يكرسان تبعية الاقتصاد الفلسطيني لاقتصاد دولة الاحتلال، مما يعرقل الجهود لمقاطعة البضائع الإسرائيلية التي تتوفر بدائل لها.

كذلك لا يمكننا إنكار أن إسرائيل قد نجحت نسبياً خلال عقود من الاحتلال والتطهير العرقي الممنهج لشعبنا من احتلال عقول البعض منا، حيث باتت شريحة من مجتمعنا تنظر لكل بضاعة إسرائيلية كأنها متفوقة بالضرورة عن نظيرتها الفلسطينية أو العربية. احتلال العقول هذا قد ترسخ خلال عقدين من مسيرة أوسلو الكارثية على شعبنا، والتي أسهمت في تكريس الدونية لدى بعض قطاعات شعبنا وفي الانبهار بالعدو.

كيف استطعتم في الحملة الوصول إلى الدول الأوروبية والغربية بشكل عام، وما هي أكثر الدول التي تجاوب شعبها معكم، والدول التي لاحظتم أن قاعدة تجاوبها ضعيفة، والسبب وراء ذلك؟

إن حركة المقاطعة اليوم هي حركة كونية، ممتدة من طوكيو إلى نيويورك ومن جوهانسبورغ إلى ستوكهولم ومن بيونس أيرس إلى الكويت. إن التوافق الفلسطيني حول نداء المقاطعة BDS واستناد الحركة للقانون الدولي وحقوق الإنسان ورفضها لكل أشكال العنصرية والتمييز العنصري هي أهم العوامل التي أدت لنجاحها في إحداث إختراقات نوعية في الغرب وفي الجنوب ضد إسرائيل والشركات والمؤسسات المتورطة في نظامها الاستعماري والعنصري.

بناء على العديد من المعطيات، فإن حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS)، حققت قفزة نوعية خلال العامين الماضيين في المجال الأكاديمي والثقافي والاقتصادي. 

في حزيران 2013، قررت الحكومة الإسرائيلية بشكل رسمي أن حركة المقاطعة BDS باتت تشكل «تهديداً استراتيجياً» لنظام الاضطهاد الإسرائيلي لشعبنا، والذي يجمع بين الاحتلال والاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري (الأبارتهايد). في ضوء ذلك، قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي نقل مسؤولية محاربة حركة المقاطعة إلى وزارة الشؤون الاستراتيجية، بعد أن فشلت وزارة الخارجية، التي تولت هذه المهمة منذ 2005، في منع أو حتى إبطاء النمو المثير لحركة المقاطعة حول العالم. 

وفي 9 شباط، في اجتماع سري خصصته الحكومة وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية لوضع استراتيجية لمحاربة حركة المقاطعة BDS بسبب نمو تأثيرها في الآونة الأخيرة، سربت وسائل الإعلام بعض المقترحات التي قدمها الوزراء، أهمها:

- رصد 100 مليون شيكل لشن حملات دعائية ضد حركة المقاطعة وناشطيها.

- تصعيد العمل الاستخباري الذي تقوم به الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في الداخل والخارج ضد حركة المقاطعة.

- العمل لسن قوانين تجرّم المقاطعة في البلدان «الصديقة» لإسرائيل كالولايات المتحدة وكندا وأستراليا.

خلال الأشهر الماضية فقط، بدأت المقاطعة الاقتصادية تصل إلى بداية التحول النوعي. فقد خسرت شركة «ميكوروت» الإسرائيلية للمياه عقداً كبيراً في الأرجنتين، بعد نضال طويل لناشطي المقاطعة هناك، بينما أنهت شركة «فيتنز» الهولندية للمياه عقدها مع «ميكوروت» لتورطها في الاحتلال. وأعلنت الحكومة الألمانية أنها ستستثني من اتفاقيات التعاون العلمي والتقني مع إسرائيل جميع الشركات والمؤسسات الإسرائيلية المتواجدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، «بما فيها القدس الشرقية». كما أعلن ثاني أكبر صندوق تقاعد هولندي، وتقدر استثماراته العالمية بـ 200 مليار دولار، سحب جميع استثماراته من البنوك الإسرائيلية التي تعمل في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، مما شكل ضربة معنوية ونفسية هائلة لأحد أهم أعمدة الاقتصاد الإسرائيلي. أما أكبر بنك في الدنمارك فقد قرر مقاطعة بنك «هبوعاليم» الإسرائيلي لتورطه في الاحتلال. وصندوق التقاعد النرويجي، وهو الأكبر في العالم، وضع شركات إسرائيلية متورطة في الاستيطان على قائمته السوداء. 

وكشفت الصحافة الإسرائيلية قبل أيام أن عدة شركات بناء عملاقة قد تراجعت عن المشاركة في عطاء تشييد ميناءين يديرهما القطاع الخاص في أسدود وحيفا خوفاً من تنامي المقاطعة العالمية لإسرائيل. وصندوق التقاعد اللوكسمبورغي أيضاً سحب استثماراته من بنوك وشركات إسرائيلية كبيرة. وتأتي هذه الخطوات انسجاماً مع إقرار الاتحاد الأوروبي في أواسط 2013 معايير تمنع تمويل أي مشروع إسرائيلي في الأراضي المحتلة، وقد عكس هذا التحول الضغط الشعبي المتزايد لأنصار الشعب الفلسطيني بالإضافة للعمل الدؤوب لمؤسسات حقوقية فلسطينية وأوروبية عملت بهدوء وراء الكواليس.

وقد تبنى مؤخراً اتحاد الطلبة في جامعة إيرلندية وأخرى كندية نداء المقاطعة BDS، بينما تبنت اتحادات الطلبة في عدد من الجامعات الأمريكية والكندية في 2013 سحب الاستثمارات من شركات متورطة في الاحتلال.

وخلال 2013 كذلك، قررت أربع جمعيات أكاديمية في الولايات المتحدة دعم المقاطعة الأكاديمية الشاملة لإسرائيل، وكذلك فعل اتحاد المعلمين في إيرلندة واتحاد الطلبة الناطقين بالفرنسية في بلجيكا، ويضم 100 ألف عضواً. كما قاطع ستيفن هوكنغ، وهو أعظم عالم معاصر، مؤتمراً إسرائيلياً رئاسياً. وقفز عدد الفنانين والفرق الموسيقية العالمية الذي بات يحجم عن إقامة عروض في دولة الاحتلال والأبارتهايد.

إن حملتنا لمقاطعة شركة «فيوليا»، والتي أطلقت في نوفمبر 2008، تثبت جدوى المقاطعة الاقتصادية أكثر من غيرها. «فيوليا» هي شركة فرنسيه متورطة في مشاريع إسرائيلية في الأرض المحتلة. خسرت «فيوليا» عقودا، أو اضطرت تحت ضغط حملة المقاطعة أن تنسحب من مناقصات، بقيمة تقارب 20 مليار دولار في العالم، في بريطانيا والسويد وإيرلندة ومدينتي سانت لويس وبوسطن الأمريكيتين، وغيرها. 

كل هذه العوامل أدت إلى تراجع مكانة إسرائيل العالمية بشكل حاد. فاستطلاعات الرأي العام العالمي التي تجريها (BBC  GlobeScan) أظهرت في السنوات القليلة الماضية أن إسرائيل باتت تنافس كوريا الشمالية على موقع ثالث أسوأ دولة في العالم من حيث الشعبية! هذا سينعكس بلا أدنى شك على التجارة الإسرائيلية مع العالم.

إن تتالي نجاحات حركة المقاطعة منذ انطلاقها قبل ثمان سنوات تؤشر لمرحلة جديدة، قد تواجه إسرائيل فيها عزلة دولية غير مسبوقة تُذكّر بعزلة نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا في نهايات القرن الفائت. لذلك، لا بد أن تشكل حركة المقاطعة عنصراً رئيسياً من عناصر استراتيجية النضال الفلسطيني من أجل حقوقنا الشاملة.

قبل عدة أشهر تم إطلاق مبادرة تحت اسم «كسر الجمود» في فلسطين وإسرائيل بالتزامن، بهدف دفع العملية التفاوضية إلى الأمام حسب ما أعلن منظمو الحملة سابقا، ما رأيكم فيها وهل باعتقادكم أن مبادرات من هذه النوع قد تحقق أهدافها الموضوعة، وأن تحقيق أي تقدم سياسي يجب أن يكون بضغط من رجال الأعمال؟

أصدرت اللجنة الوطنية للمقاطعة بياناً حين أطلقت هذه المبادرة التطبيعية، جاء فيه:

«في خضم تصاعد حملات مقاطعة إسرائيل وعزلها عالمياً على المستوى الشعبي، تسجل الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة اختراقاً تطبيعياً هاماً من خلال مبادرة «كسر الجمود» الصادرة عن رأسماليين فلسطينيين وإسرائيليين كبار، وبمباركة رسمية فلسطينية وإسرائيلية وأمريكية، والتي تدعو للاستثمار في الأراضي الفلسطينية المحتلة لتشجيع «الطرفين» للوصول إلى اتفاق سياسي تدّعي أنه يكرّس «حل الدولتين، دولة فلسطين ودولة إسرائيل، اللتين تعيشان جنباً إلى جنب بسلام وكرامة وأمن واحترام متبادل». وبالطبع، لا مرجعية لحق شعبنا في تقرير المصير ولا لحق العودة ولا للقانون الدولي أو مبادئ حقوق الإنسان أو التخلص من نظام الأبارتهايد—فقط وعود من الإدارة الأمريكية، الراعي الرسمي للجرائم الإسرائيلية ضد شعبنا وأمتنا.  

تدين اللجنة الوطنية الفلسطينية للمقاطعة، وهي أوسع تحالف شعبي في المجتمع الفلسطيني، هذه المبادرة التطبيعية الجديدة وتدين كل من يشارك فيها ويدعمها. كما تدعو شعبنا للتصدي لهذه المحاولة الجديدة للتفريط بحقوقنا غير القابلة للتصرف، وعلى رأسها العودة وتقرير المصير، مقابل مليارات موعودة من الدولارات، سيكون المستفيد الأكبر منها دولة الاحتلال، التي تسيطر على اقتصادنا وتجارتنا وفي المقام الثاني تستفيد منها حفنة صغيرة من الرأسماليين الفلسطينيين الذين يضعون أرباحهم فوق كل اعتبار وطني وأخلاقي ويقبلون بالتبعية للاقتصاد الإسرائيلي.»

يعد التطبيع من أهم معيقات حركة المقاطعة. بغض النظر عن النوايا، فإن محاولة البعض «لاختراق» المجتمع الإسرائيلي من خلال اللقاءات والمشاريع التطبيعية أدت إلى اختراق مجتمعنا وتقويض القيم الوطنية والأخلاقية فيه وتوفير ورقة التوت للتغطية على الاستعمار الإسرائيلي الشرس لأرضنا والتطهير العرقي المستمر لشعبنا. إن هذه الاسطوانة باتت مشروخة ومملة ومتهافتة لدرجة أنها مرفوضة بالكامل جماهيرياً. إن اللجنة الوطنية تسترشد بتعريف التطبيع الذي أقر بالإجماع في المؤتمر الوطني الأول لحركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها الذي عقد في تشرين ثاني/نوفمبر 2007، وشارك فيه ممثلو جميع القوى السياسية (بما فيها حركة «فتح») وجميع الأطر النقابية والاتحادات الشعبية وممثلي شبكات المنظمات الأهلية وغيرهم.

بعد 20 عاماً من فشل فلسفة «أوسلو» وما صاحبها من موجات التطبيع النسوي والعمالي والأكاديمي والشبابي والسياسي والرياضي والبيئي، المدعومة من الحكومات الأوروبية والولايات المتحدة، باتت الغالبية الساحقة من شعبنا غير مقتنعة بإمكانية التأثير في المجتمع الإسرائيلي لصالح حقوقنا الوطنية من خلال «الحوار» وما يسمى بـ «التعايش» و «التغلب على الحواجز النفسية». لنا الحق، إذن، في التساؤل: مَن اخترق مَن، بالضبط، خلال حقبة أوسلو؟

هل هنالك تواجد للحملة في الدول العربية، علما أن عددا من الدول العربية تروج للبضائع الإسرائيلية بشكل مباشر وغير مباشر؟

نحن نعمل مع حلفائنا في المجتمع المدني والحركات الاجتماعية في الوطن العربي لتصعيد تبني المقاطعة BDS في البلدان العربية، لتسهم في المقاطعة العالمية لإسرائيل. أريد هنا أن أركّز على نقطة جوهرية في عملنا. لا يمكن للمقاومة الفلسطينية، بما فيها حركة المقاطعة، أن تنجح دون ربط نضالنا بشكل عضوي بنضالات الشعوب العربية من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والدولة المدنية التي يحكمها القانون. 

إن نضالنا كحركة مقاطعة في الوطن العربي يختلف عنه في الغرب كما يختلف عنه في دول الجنوب الأخرى. فقضية فلسطين كانت ولا تزال، رغم كل المحاولات لتقويض ذلك، قضية الأمة العربية الأولى، وليست قضية الفلسطينيين وحدهم. والعرب بشكل عام ليسوا بحاجه لإقناع بضرورة وصحة مقاطعة إسرائيل ومقاطعة المؤسسات والشركات المتواطئة في استعمارها وجرائمها. فالمصري واللبناني والسوري والأردني والتونسي وغيرهم يعرفون بشكل مباشر أن إسرائيل دولة استعمارية عنصرية توسعية وعدوانية. ولكن هناك تحديان رئيسيان يواجهان حركة المقاطعة عربياً: الأول يتمثل في تواطؤ بعض الأنظمة العربية مع إسرائيل في إدامة استعمارها واضطهادها لشعبنا، وقيام  المستوى الرسمي في معظم الدول العربية بتوظيف قضية فلسطين كـ “شمّاعة” يعلق عليها فشله في تحقيق التنمية والعدالة الاقتصادية والاجتماعية وحماية الحريات والحقوق المدنية والديمقراطية الفردية والجماعية والتقدم التقني والعلمي.

أما التحدي الثاني فيكمن في كيفية تحويل الدعم والتضامن العربي الشعبي غير المحدودين لقضية فلسطين ولحقوق شعبها إلى حملات مناصرة وتأثير فعالة ومستدامة قادرة على تحقيق انتصارات ضد الشركات والمؤسسات المتورطة في انتهاكات إسرائيل لحقوقنا وبالتالي على المساهمة في إمالة ميزان القوى لصالحنا نسبياً. فمثلاً نرى تظاهرة مليونية في المغرب الشقيق وقت المجزرة الإسرائيلية في قطاع غزة المحاصر في 2009-2008، حيث كانت ربما المظاهرة الأضخم في التاريخ لدعم القضية الفلسطينية، ولكن لم يُترجَم هذا الدعم الهائل إلى حملات مناصرة مؤثرة تمنع شركات عالمية متورطة في الاحتلال من الحصول على صفقات كبيرة في المغرب. 

المطلوب شعبياً هو الضغط على الحكومات لقطع علاقاتها العلنية والسرية لا مع دولة إسرائيل وحسب، بل كذلك مع تلك الشركات التي تسهم مباشرة في الاحتلال والتشريد وتهويد القدس وبناء المستعمرات وقتل الأطفال والنساء وحملات الاعتقالات واقتلاع الأشجار وهدم المنازل، إلخ. وبناءً عليه، تخاطب حركة المقاطعة الشعوب العربية قائلة: من يريد دعم القضيه الفلسطينية اليوم غير مطلوب منه التوجه إلى فلسطين، فهذا غير واقعي وغير قابل للتنفيذ، بل من الممكن ان تقدموا دعمك من بلدانكم، من خلال الضغط  لإقصاء الشركات المتورطة في دعم اسرائيل من العقود العامة ومناقصات القطاع الخاص كذلك، لان اسرائيل تستمد قوتها الاقتصادية ومناعتها من خلال دعم تلك الشركات لها ولمشاريعها الاستعمارية والتوسعية. وإذا شعرت هذه الشركات بالضغط في البلدان العربية، ستفكر ألف مرة قبل الانغماس في المشاريع الإسرائيلية المخالفة للقانون الدولي، وبعدها ستوقف دعمها لاسرائيل، مما سيسهم مباشرة وبشكل فعّال في وقف القتل والتشريد والعدوان والاستيطان ويقوي نضالنا من أجل حقوقنا غير القابلة للتصرف.

فمثلا شركة “ألستوم” التي ساهمت في انتهاك حقوقنا وساهمت في بناء القطار الذي يربط المدينة المقدسة بالمستعمرات، كسبت عقد المرحلة الأولى لبناء مشروع “قطار الحرمين” لربط مكة المكرمة بالمدينة المنورة. وبمجرد علمنا توجهنا الى المملكة العربية السعودية وطالبناها بإقصاء الشركة من المشروع، قائلين: ليس من المعقول أن تربط الحرمين شركة تسهم مباشرة في تهويد ثالث الحرمين. وبعد حملة عالمية، أقصت الحكومة السعودية “ألستوم” من المرحلة الثانية للمشروع، مما أدى لخسارة الشركة ما يقارب 9.4 مليار دولار. وبعد خسارة  العقد أصدرت الشركة بيانا ذكرت فيه أن خسارتها ناجمة عن أسباب اقتصادية ولا علاقة لذلك بالقدس وبمشروعها هناك، إلا أن السفارة السعودية في القاهرة أصدرت بياناً لا يدع مجالاً للتأويل مؤكداً أن المملكة استبعدت شركة “الستوم” من المشروع بسبب قضية فلسطين وتورط الشركة في تهويد القدس. وهذا كان هدفا نظيفاً، بلغة كرة القدم، في مرمى “الستوم”، ساعدنا بقوة في حملتنا العالمية لإقناعها بإنهاء تورطها في انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي وحقوق الإنسان.

ولكن هذا العام فازت شركة (G4S)، وهي شركة أمنية بريطانية دنماركية متورطة في تقديم الخدمات الأمنية للسجون والمعتقلات الإسرائيلية حيث يعذب شبابنا ونساؤنا وأطفالنا، بأحد عقود حماية نقل الحجيج في المملكة العربية السعودية في موسم الحج لهذا العام. G4S هي الشركة الأمنيه الأكبر في العالم، وهي بالإضافة لحماية بعض سجون الاحتلال تقدم خدمات ومعدات أمنية للحواجز العسكرية التي يقيمها جيش الاحتلال في أرضنا وكذلك تحمي مستعمرات يهودية مقامة في الضفة الغربية، بما فيها القدس، أي انها متورطه الى أخمص قدميها في جرائم إسرائيل ضد شعبنا. هل يعقل أن تربح هذه الشركة عقد تأمين الحج في الوقت الذي تخسر فيه عقوداً أمنية مجزية في البرلمان الأوروبي وفي جامعتين نرويجيتين؟

وهنا أود أن أتوجه بكلمة الى الشعوب العربية: لم تعد الخطابات، على نبلها وحماستها، كافية لدعم الشعب الفلسطيني وتعديل موازين القوى لصالح نضاله ونضالنا جميعاً. نحن لا نواجه خطراً بسيطا. نحن نواجه خطر وجود، ففيما تهويد القدس قائم على قدم وساق، النظام الرسمي العربي يتفرج ويندد احياناً، وحتى التنديد أصبح “موضة قديمة”، وذلك في الوقت الذي نستطيع بتكاتفنا وتفانينا وذكائنا وتخطيطنا واستغلال مواردنا بشكل حكيم أن نواجه الخطر في بلادنا. لماذا تربح شركات مثل «G4S» و «الستوم» و «كاتربلر» و «هيونداي» عقودا عامة في بلادنا؟

إن حملتنا لمقاطعة شركة «فيوليا» تعطينا الكثير من الأمل في نجاح استراتيجيتنا وتكتيكاتنا. فهي شركة فرنسيه متورطة، كشركة «الستوم»، في مشروع قطار القدس آنف الذكر. وهي هدف لحملة مقاطعة عالمية أطلقناها ضدها في نوفمبر 2008 في أوروبا. بعد خمسة أعوام من هذه الحملة الفعالة، خسرت «فيوليا» عقودا، أو اضطرت تحت ضغط حملة المقاطعة أن تنسحب من مناقصات، بقيمة تقارب 20 مليار دولار في العالم، في بريطانيا والسويد وإيرلندة ومدينتي سانت لويس وبوسطن الأمريكيتين وغيرها. للأسف لم تخسر «فيوليا» حتى اليوم عقدا واحدا في الدول العربية، بل ان هناك بعض الحكومات العربية، كالحكومة القطرية، التي تتباهى بتعاملاتها مع شركات مثل «فيوليا» وغيرها من الشركات المساهمة في إدامة الاحتلال والاضطهاد باشكاله ضد شعبنا.

ولا بد من مواجهة التطبيع العربي مع دولة الاحتلال والذي يقوض نضالنا من أجل حقوقنا. فقد زاد مؤخراً التعاون الأمني والرياضي والزراعي والبيئي والأكاديمي مع إسرائيل، حتى أصبح الرياضيون الإسرائيليون يشاركون دون خجل أو مواربة في البطولات العالمية التي تعقد في قطر والإمارات العربية المتحدة، والوفود السياحية وخبراء الزراعة والمياه يغزون المغرب، ودول عربية عدة تشتري أسلحة إسرائيلية تفخر دولة الاحتلال باختبارها “في الميدان” على مدنيينا ومنشآتنا المدنية في فلسطين ولبنان. ونرى أكبر شركة إسرائيلية لتسويق الماس (LLD) تفتح فرعاً في دبي، إلخ. في ظل هذا الوضع المتردي عربياً، تمثل الكويت ولبنان حالتين استثنائيتين، لانهما ما زالتا صامدتين في تطبيق قوانين مقاطعة إسرائيل ورفض التطبيع معها.