الثلاثاء  26 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ما هكذا تورد يا سعد الإبل /بقلم: غسان عنبتاوي

2016-07-05 10:38:51 AM
ما هكذا تورد يا سعد الإبل /بقلم: غسان عنبتاوي
غسان عنبتاوي

 

هذا المثل، لمن لا يعرفه، يضرب لمن قصّر في الأمر أو لمن تكلف أمراً لا يحسنه واصله أن سعداً هذا كان له أخ يدعى مالك فزوجه أخوه سعد بأبنة مالك بن نويرة وفي صبيحة اليوم التالي أنتظره أخوه سعد ليخرج مع الإبل إلى المراعي ولكن طال الانتظار فأخذها وخرج بها إلى المراعي فهاجت وماجت وتفرقت عليه فعاد إلى أخيه مالك غاضباً وأخذ يناديه يا مال يامال أي يا مالك ( وهذه اللغة) تسمى الترخيم وهي حذف الحرف الأخير من الإسم ولكن مالك لم يجبه فقال أخوه سعد متمثلاً ابيات من الشعر، موجها الكلام لمالك: يظل يوم وردها مزعفرا **** وهي خناطيل تدوس الأخضرا فقالت: زوجه مالك: اجبه. فقال لها: بما أجيب؟ فقالت له: قل: أوردها سعد وسعد مشتمل **** ما هكذا يا سعد تورد الإبل".

 

تذكرني قصة هذا المثل بما حل مؤخرا بمدينة نابلس، بلد العراقة والحصافة التجارية، وذلك من انتشار وشرعنه للفوضى والفلتان التجاري حتى ولو لفترة مؤقتة والذي طال نابلس ومركزها التجاري بسبب قرار من بلدية نابلس وربما، بدعم وإسناد من المحافظة والغرفة التجارية حيث قامت بتحديد أمكنه لتواجد البسطات في منتصف الدوار وعلى امتداد سوقه التجاري مما أدى الى انتشار عشرات بل مئات البسطات التي تقف في منتصف الطريق وعلى أبواب المحال التجارية وعلى الأرصفة وحواف حرم الشوارع معيقة حرية الحركة للسيارت والمشاة والمتبضعين خالقة فوضى عارمة طالت مركز المدينة وأفسدت المظهر الحضاري الذي طالما تباهت به المدينة.

 

لا أعتقد أن هناك من لا يتعاطف مع باعه البسطات باعتبارهم من معتري الشعب، وبالتالي لا بد من توفير مساحة لهم لطلب الرزق، وهذا موضوع لا يختلف عليه اثنان، ولكن يبقى سؤال وجيه ومهم: هل كل من له بسطة هو من المعترين؟ هل تم عمل بحث اجتماعي لمراعاة وضعهم ومنع المتسلقين من اغتنام هذه الفرصة لتحقيق مكاسب لا شرعيه على حساب سوء أوضاع الكثيرين من هذا الشعب.

 

تعود الكثير من البسطات لأصحاب محال تجارية، ليس فقط من مدينة نابلس، بل من مدن أخرى يأتون في هذه المواسم للبيع، وبغض النظر عن التفاصيل يبقى السؤال الأهم: هل من الضروري أن يكون مكان هذه البسطات وسط البلد ومركزها التجاري كموقع لهم؟ أم كان بالإمكان للبلدية ولجنتها ان تستقرئ الواقع وأن تخطط مسبقا لتخصيص مكان للبسطات قبل أن تتسلق الشجرة ولا تملك سبيلات للنزول عنها بشكل منطقي؟.

 

هذا إضافة إلى تأثير تواجد هذه البسطات أمام المحال التجارية، والأذى التي تتسبب فيه، فأصحاب هذه المحال استثمروا "البدري والوخري" ودفعوا في مقابل الحصول على هذه المحلات التي يعتاشون منها خلوات باهظة، كما ويدفعون الإيجارات والضرائب والالتزامات الأخرى للبلدية مثل ضريبة المعارف والنفايات، ورسوم الماء والكهرباء، وربما ايضا بدل مصاف للسيارات وضرائب لافتات، ويقعون تحت سيف براءات الذمة من البلدية والمالية وغيرها، ويعيشون في ظل جو استثماري متذبذب، وهذه الفئة من التجار تعتاش على عدد محدود من المواسم مثل الأعياد، والمدارس، وقطف الزيتون، وغيرها من المواسم المحدودة جدا في السنه، كيف يعقل ان تكافأ هذه الشريحة بأن يتم وضع البسطات أمام محالها.

 

كيف يعقل أن يتساوى من يدفع الالتزامات بمن لا يدفع وأن يستغل الموسم لضرب التجار بدل ان يتم تعزيز أوضاعهم. لقد كان من الأجدى بالزملاء والأخوة الأفاضل في لجنة بلدية نابلس ان يقوموا بتوفير مجمع تجاري للبسطات بعيدا عن وسط البلد تتوفر فيه الخدمات وربما المواصلات اللازمة لنقل المتسوقين وبالتالي حل مشكلتهم وتوفير موقع لهم للاسترزاق دون الإضرار لا بالشكل الحضاري للتسوق التجاري للبلد ولا بمصالح التجار.

 

وفي هذا السياق ليس واضحا لي وللكثيرين مثلي، كيف تحول موقف لجنة البلدية من البسطات، والذي كان موقفا رافضا وبشدة لتواجدهم (حتى في شكله المحدود) وقراراهم السابق بإزالة البسطات، والذي أدى الى حملة من الاحتجاجات رافقها إطلاق نار والقاء حجارة وفوضى وأضرار.

 

كيف تحول الموقف الآن إلى القبول، وبهذا الكم والحجم الهائل والفوضوي؟

 

فمثلا، ألم تتوقع البلدية هذا النوع من ردة الفعل؟

 

لقد تبادر إلى سمعي أن قرار البلدية بالسماح للبسطات كان هدفه حقن الدماء وإعادة الهدوء للبلد في موسم العيد، وانا أثني على ذلك كنتيجة، ولكن تبقى هنا بعض الأسئلة الأكثر أهمية، وهي:

هل نتعامل بردات الفعل وبأسلوب التجربة والخطأ أم بأسلوب التخطيط والبرمجة والعمل المنظم؟

هل نكافئ الفوضى بالشرعنه؟

 

هذا الأسئلة ستظل برسم الإجابة للبلدية والآخرين ممن كان لهم المساهمة في مثل هذا القرار. لقد اجتهدت لجنة البلدية ولها على ذلك اجر ولكنها لو اجتهدت وأصابت لكان لها أجران ، واناعلى قناعة تامة أنها تعاملت مع الأزمة بحسن النوايا، ولكن النتائج أتت بما لا تشتهي السفن. وكما جاء في المثل: ما هكذا يا "سعد" تورد الإبل!