السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مبادرة كسر الجمود.... اقتصاد يدعم السياسة أم ماذا؟

2014-04-14 00:00:00
مبادرة كسر الجمود.... اقتصاد يدعم السياسة أم ماذا؟
صورة ارشيفية

الحدث

رام الله- الناصرة: محمد القطب ومحمد وتد

قبل أسابيع قليلة بدأنا نرى على صفحات الصحف المحلية، وعبر لافتات إعلانية كبيرة، مبادرة كسر الجمود تتحرك باتجاه الجمهور الفلسطيني في محاولة التأثير «إيجاباً» على الرأي العام الفلسطيني لدعم عملية السلام الفلسطينية التي لم تحرز أية نتائج طوال الأشهر الثمانية الماضية. وفي شباط الماضي أيضاً بدأت لوحات إعلانية مشابهة، وإعلانات صحف إسرائيلية تحمل صوراً لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وتحمل شعارات مثل «فقط مع اتفاق يمكننا ضمان دولة يهودية وديموقراطية» أو «بدون سلام لن نكون قادرين على خفض تكاليف المعيشة» و «بيبي يمكنك أن تفعل ذلك». بينما كان شعار الحملة في الجانب الفلسطيني «أبو مازن... نحن معك». هذه الإعلانات في كلا الجانبين، هي نتيجة الجهد المشترك لـ «مبادرة كسر الجمود» التي تم تأسيسها في المنتدى الاقتصادي في اسطنبول عام 2012، وتم الإعلان عنها في المنتدى الاقتصادي في البحر الميت عام 2013، والتي ضمت حتى الآن 400 رجل أعمال فلسطيني وإسرائيلي. المبادرة التي لم تنجح على ما يبدو في تحقيق أهدافها حتى الآن في الضغط على القادة السياسيين في كلا الجانبين لتوقيع اتفاق سلام، تلاقي نظرة تشكيك في أوساط المراقبين والمواطنين. فبعض المحللين السياسيين لم يعرّف بماذا يعرف المبادرة هل هي حركة سياسية أم حزب أم مبادرة أم شيء آخر، في حين رأى خبراء اقتصاديون أن المبادرة لا تمثل سوى مجموعة من القطاع الخاص الفلسطيني من ذوي الرؤى «التطبيعية»، في حين يرى بعض أساتذة الإعلام أنها تعبر عن مصالح رجال الأعمال المشاركين فيها. 

هاني المصري: رجال الأعمال يبحثون عن غطاء لا أكثر

يرى المحلل السياسي هاني المصري أن خروج رجال أعمال فلسطينيين وإسرائيليين من أجل إطلاق حملة كسر الجمود أمر غريب، متسائلاً أهي حزب أم مبادرة ليطلقوا حملة سياسية، هم برأيي يبحثون عن غطاء لا أكثر، نحن نعطي الإسرائيليين من خلال هذه الحملة افتراضات حسن النية.

وقال المصري: «نحن نعيش تحت الاحتلال وهذه المسألة يجب أن يدركها الجميع، الاحتلال يمنع تطور الاقتصاد الفلسطيني، والمبادرة التي أطلقت إعلانات مكلفة جدا كان عليها بدلا من القيام بذلك بتلك الطريقة أن تقوم برصد هذه المبالغ لدعم صمود المواطنين على الأرض.»

ويُضيف المصري إن: «القائمين على المبادرة يتناسون أننا لسنا على قدم المساواة مع الإسرائيليين، هناك ضحية وجلاد، ومن خلال هذه الحملة نظهر وكأن الضحية متساوية مع الجلاد، كل هذه المبادرات خاطئة، المفاوضات لوحدها من دون مرجعية تضر الواقعين تحت الاحتلال وهم الشعب الفلسطيني.»

أما فيما يتعلق بفائدة الجانب الإسرائيلي من الحملة فقال المصري: «إن الجهات المركزية في المبادرة من الإسرائيليين يعرفون أن المفاوضات تجنبهم المقاطعة الغربية، وخوض الإسرائيليين لعملية المفاوضات عملية زائفة لتغطية موضوع المقاطعة، ورسالتي لرجال الأعمال الفلسطينيين في المبادرة أن لا يتدخلوا في هذه الأمور».

د. عبد الكريم: القائمون على المبادرة يفترضون افتراضات خاطئة

من جانبه يقول، الخبير الاقتصادي نصر عبد الكريم: «قد يكون القائمون على هذه المبادرة رجال أعمال، لكن قد لا يمثلون كافة القطاع الخاص، لأن القطاع الخاص الفلسطيني قد لا يتفق مع هذه الوجهة المطروحة، والتي قد تبدو تطبيعية مع الجانب الإسرائيلي».

ويوضح د. عبد الكريم بالقول إن: «القائمين على المبادرة قد يفترضون افتراضاً خاطئا مفاده أن الاقتصاد أو العلاقات الاقتصادية أو إشعار الإسرائيليين أن لهم مصلحة في السلام قد يشكل الحل الأنسب للوصول إلى تسوية عادلة، وكأن هذه المبادرة تقوم بإنهاء الصراع».

ويُضيف عبد الكريم: «أعتقد أن هذا يتساوق بشكل قد لا يدري به أصحاب المبادرة مع أطروحات السلام الاقتصادي، التي تنحدر عمليا عن خطة كيري واللجنة الرباعية. كما أختلف مع هذه المبادرة، لأن الصراع مع الاحتلال ليس صراعاً على موارد فقط أو صراعاً اقتصادياً فالاحتلال هو المعيق الأول والأخير لنمو الاقتصاد الفلسطيني، بل هو صراع بين شعب يقع تحت احتلال وسلطة احتلال تحتل أراضيه وتعيق نمو فيه، والمدخل للصراع يجب أن يكون سياسيا».

ويقول عبد الكريم: «إن الإسرائيليين يوظفون مبادرات لخدمة أهداف يسعون لها، وهذه المبادرات قد ترسل رسائل خاطئة للعالم، من بينها أن هناك تعايشاً طبيعياً يجد قبولاً بين طرفي الصراع، مما يضعف الموقف الفلسطيني المفاوض، وهو ما لا يريده الجانب الفلسطيني».

ويضيف عبد الكريم: «إن المبادرة تخدم أغراض تحسين وتجميل صورة إسرائيل في الخارج، فعقب المقاطعة العالمية لإسرائيل ومنتجات المستوطنات، يجد الإسرائيليون في المبادرة منفذاً لكسر هذه المقاطعة وطوق نجاة للجانب الإسرائيلي من مدخل اقتصادي بغض النظر عن الدوافع التي لا أشكك فيها من قبل رجال الأعمال الفلسطينيين، والذي قد يضر بالمصلحة الوطنية من دون أن يدري أصحاب هذه المبادرة، فإسرائيل غير مستعدة لتقديم أي تنازل لصالح الفلسطينيين، تتحدث إسرائيل الآن عن أمن مقابل أمن، ويديرون ظهورهم للاتفاقيات السابقة.»

ويعتقد عبد الكريم: «أنه لم يكن يوماً في حسبان أي إسرائيلي، أن الاعتبار الاقتصادي من يحرك الجانب السياسي تجاه الفلسطينيين، الإسرائيليون غير حريصين على السلام مع الفلسطينيين، وهم يملكون مفاتيح التوسع الاقتصادي الفلسطيني ويضغطون من هذه الزاوية، وإسرائيل غير مهتمة بشريك فلسطيني، والدليل على ذلك التخلي عن العمال الفلسطينيين عقب الانتفاضة الثانية واستبدالهم بكل سهولة، ما يؤكد أن الهاجس الأمني والتوسعي هو الأهم لديهم، الاقتصاد لدى الإسرائيليين أداة من أدوات كثيرة لديهم، فأرى أنه الأولى من رجال الأعمال الإسرائيليين إذا كانت نيتهم حقيقية في المبادرة، فعليهم دعوة نتنياهو لإعطاء الحقوق للشعب الفلسطيني والاعتراف بفلسطين على حدود 67». 

ويقول عبد الكريم: «ما أريد أن أشير إليه أنه لا أحتاج إلى مبادرة من رجال الأعمال لأقف مع الرئيس الفلسطيني بل هناك أمور أخرى يمكن أن نعملها للضغط على الإسرائيليين والمجتمع الدولي.»

الأقطش: رجال الأعمال يعبرون عن مصالح رجال الأعمال

د. نشأت الأقطش، المحاضر في كلية الإعلام في جامعة بيرزيت، يرى أن المبادرة: «لن يكون لها تأثير لأن القضية بالنسبة للإسرائيليين أيديولوجية، وليست شخصية، بالتالي فلن تؤثر على قرار إسرائيل، إسرائيل لن تستمع لأحد، هي تسير في خط محدد، والمفاوضات بالنسبة لها حملة علاقات عامة لتحسين علاقتها مع الغرب، وصورتها عند الجمهور الغربي ليس أكثر، لا يوجد أي نوع من التفاوض الحقيقي حتى اللحظة، هذا ليس جمودا بل سياسة، إسرائيل تريد من المفاوضات حملة علاقات عامة لتحسين علاقتها مع الغرب، ونحن نريد من المفاوضات الوصول إلى نتائج.»

ويضيف د. الأقطش بأن رجال الأعمال يعبرون عن مصالح رجال الأعمال، وتأثيرهم في السياسة ضعيف، يريدون دفع عملية سياسية،  فإذا تحركت العملية السياسية وتوصلت إلى نتائج فإن رجال الأعمال سينتفعون من هذا الشيء ولهم مصلحة لدفع عملية السلام إلى الأمام، لكن تأثير رجال الأعمال الفلسطينيين والإسرائيليين على السياسة تأثير محدود جدا وليس جذرياً، ما يجري في المفاوضات لا علاقة له بالجمود إطلاقا له علاقة بالأيديولوجية، إسرائيل غير جادة في الوصول إلى حل سياسي هم بحاجة لكسب الوقت لتنفيذ مخططاتهم، والحملة لن يكن لها أي أثر».

أما فيما يتعلق بالجمهور، فقال الأقطش: «بالنسبة للجمهور قد تستطيع الحملة جذب جمهور، وقد تكون حملة علاقات عامة لرجال أعمال في حال قرروا الدخول في اللعبة السياسة إذا أرادوا الترشح للبرلمان أو الرئاسة تخدمهم، من زاوية أن لهم اهتمامات أخرى غير التجارة والربح فلهم اهتمامات سياسية، ممكن أن تقرأ الحملة من هذا الإطار.»

منيب المصري، الرئيس شجع أية مبادرة تعيد تسليط الأضواء على قضيتنا

وحول فكرة المبادرة وكيف ولدت، يقول منيب المصري، رئيس المجموعة الفلسطينية في حملة كسر الجمود: “أتت فكرة مبادرة أثناء وجودنا في اسطنبول خلال المشاركة في مؤتمر المنتدى الاقتصادي العالمي الذي كان نظم في حزيران 2012، كنا ما يقارب ستة من رجال الأعمال ضمن الوفد الفلسطيني برئاسة الرئيس محمود عباس، ورأينا أن القضية الفلسطينية تراجعت كثيرا ولم يتم ذكرها من قبل أي من المتحدثين الرسميين، حيث سيطرت أجواء ما سمي بالربيع العربي على المؤتمر مما بات واضحا أن القضية الفلسطينية فقدت بريقها، فذهبت إلى رئيس المنتدى السيد شواب، وطلبت أن نعمل على مبادرة تعيد للقضية الفلسطينية مركزيتها وتوجهت بعدها إلى الرئيس عباس وأطلعته على الموضوع وشجع سيادته أي مبادرة تعيد تسليط الأضواء على عدالة القضية، فقال شواب لي فكرة عظيمة ولكنه طلب مني أن يفكر فيها قليلا وفي اليوم الثاني أخبرني أنه مستعد لنعمل عليها فنتج عن ذلك مبادرة كسر الجمود.»

ويضيف المصري: «في اسطنبول كان يوجد حينها خمسة من رجال الأعمال الإسرائيليين وبدأنا نعقد لقاءات معهم حيث كان الهدف تعريف الشارع الإسرائيلي على القضية الفلسطينية، نحن نريد من الإسرائيليين القبول بحل الدولتين على أساس حدود الرابع من حزيران 1967 القدس الشرقية عاصمتها، كما رأى أبو عمار رحمه الله، دولة في الضفة الغربية والقطاع والقدس الشرقية عاصمتها، والقبول بالمبادرة العربية للسلام والتي تنص على حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين حسب قرار 194، أي لا يوجد أي تنازل عن الثوابت الوطنية، كما أنه لا مكان لأي علاقات تطبيع بيننا ولا يوجد مجال كذلك لأي أعمال أو شراكات تجارية نهائيا، وقلنا لهم بوضوح إذا أردتم علاقات متبادلة معنا ضمن مبادرة سياسية فعليكم العمل معنا لنصل إلى الدولة الفلسطينية أولا، فموضوعنا سياسي بامتياز، وباقي الأمور تأتي بعد إنهاء الاحتلال.»

وعن عدد المشاركين في المبادرة يقول المصري: «اليوم تضم المبادرة  قرابة 400 شخصية مناصفة 200 من فلسطين و200 من إسرائيل.» وحول العلاقات بين الجانبين وضح المصري: «لا توجد أية علاقات أو شراكات اقتصادية بيننا وبينهم نهائيا، أو أي شيء من أوجه التطبيع، ولن نقدم أي تنازلات ولن نستطيع أن نعطي أكثر مما أعطاه الرئيس الراحل أبو عمار سابقا، وكنا على تواصل دائم مع القيادة الفلسطينية، وكانت معظم الاجتماعات التي تتم يكون فيها أحد الرسميين، وعملنا وما زلنا ضمن مبدأ أن يضغط رجال الأعمال من الجانب الإسرائيلي على الشارع وعلى الحكومة الإسرائيلية، ليتفهموا مواقفنا على أساس حل الدولتين؛ تعيشان جنبا إلى جنب. حيث أن المجتمع الإسرائيلي كان يعيش في عزلة شبة تامة لما يجري في فلسطين، ورجال الأعمال في إسرائيل غير اّبهين بالوضع الفلسطيني وغير مكترثين لتحديات الوضع الراهن نظرا لما تتمتع به إسرائيل من رخاء اقتصادي, لذا لا بد من إيقاظ المارد الاقتصادي، ودق ناقوس الخطر بأن الوضع الراهن لن يأتي نفعا لكلا الطرفين. وكان التفاهم الأساسي بيننا هو حظر لأي تعامل تجاري، فهو ممنوع على الجميع طالما نحن تحت الاحتلال. 

ويضيف المصري قائلا: «في الرابع من كانون الأول عام 2012، شكل الرئيس أبو مازن لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي والتي تعمل بشكل متواصل مع جميع الشرائح داخل إسرائيل للتسليم بأهمية وجود دولة فلسطينية. هنالك تفاوت في الجانب الإسرائيلي من حيث الآراء، فبعضهم يؤيد مطالبنا والبعض الاّخر لا يفهمها وهذا شأنهم ونحن عندنا ثوابتنا، وهذا ما دفع الكثير منهم للقول لا بد من وجود دولة فلسطينية لكن أكدنا لهم على ضرورة أن تكون على حدود 1967، والقدس الشرقية عاصمتها وعودة اللاجئين حسب قرار 194. نحن نؤمن بإستراتيجية الرئيس محمود عباس، وهو ماض على خطى الشهيد أبو عمار في الحفاظ على الثوابت الوطنية. إن ما نقوم به في مبادرة كسر الجمود هو عمل دوؤب نسعى من خلاله إلى المساهمة في قيام  دولة فلسطين على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ونريد تحرير كافة الأسرى والأسيرات من سجون الاحتلال.»

وعن الانتقادات التي تتعرض لها المبادرة قال المصري: «لقد تعرضنا في بداية إطلاق المبادرة إلى هجوم وتشكيك بوطنيتنا ولكن أقول لقد برهنت ردات الفعل التي رافقت انطلاق المبادرة على مدى أزمة الثقة بالنفس التي نعاني منها، بل إن فقداننا لثقتنا بأنفسنا بلغ درجة مسيئة تساوي بين من يجالس الاحتلال من أجل قضاء مصالحه، وبين من يحاججهم لإحقاق الحق في السياق الصحيح وتحت النور دون الانزلاق إلى التطبيع أو الانهزام والاستسلام، أو التنازل أو المقايضة على الثوابت الوطنية. 

في إسرائيل «كسر الجمود» تروج للتسوية مع الفلسطينيين لتفادي المقاطعة والحفاظ على يهودية الدولة

في الجانب الإسرائيلي من مبادرة «كسر الجمود»، دعا القائمون عليها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لقبول المبادرة الأمريكية والتجاوب مع طرح اتفاق الإطار الذي يسعى إليه الوزير جون كيري، إذ باتت الخشية من المقاطعة والعقوبات التي قد تفرض على إسرائيل تحظى باهتمام واسع في المحافل السياسية والإعلامية الإسرائيلية، وتبرز في تصريحات السياسيين وتعليقات الصحف.

وكان لقطاع الأعمال ورجال الأعمال بإسرائيل دور هام في التحول السياسي الذي حصل بداية التسعينيات في إسرائيل، وقد كان موقف قسم كبير من القطاع الخاص وكبريات الشركات بمثابة عمل جماعي للتأثير على السياسات الخارجية والسياسات الأمنية. وكانت اتفاقيات أوسلو في تسعينيات القرن الماضي ولادة التأثير السياسي الجماعي لقطاع الأعمال الإسرائيلي. 

كسر الجمود: التسوية السياسية هي مصلحة قومية لإسرائيل

وسوغ القائمون على حملة «كسر الجمود» التي تعتبر الأولى من نوعها منذ أن تولى رئاسة الحكومة في إسرائيل بنيامين نتنياهو، مبادرتهم الموجهة أيضا إلى الرأي العام الإسرائيلي بأن إنهاء الصراع عبر تسوية سياسية مع الفلسطينيين سيضمن الحفاظ على يهودية إسرائيل وهو الكفيل لوقف ومنع المقاطعة الاقتصادية الأوروبية وتجاوز العزلة الدولية التي تهدد تل أبيب.

وتنطلق المجموعة من حرصها على الوضع الاقتصادي والحفاظ على يهودية إسرائيل، وقالت العريضة المقدمة من القائمين على الحملة: «نحن مجموعة من مديري الاقتصاد الإسرائيلي، اجتمعنا معا يمينا ويسارا من أجل دعوة الجمهور والقيادة الإسرائيلية لإستغلال نافذة الفرص المفتوحة أمامنا لتوقيع تسوية سياسية تضع حدا للصراع». 

وقال كاتبو العريضة إن: «التسوية السياسية هي مصلحة قومية لإسرائيل، ونظراً لكونها دولة قوية ومبادرة، علينا أن نسعى من أجل التسوية. لم نصل إلى طريق مسدود، الحل بأيدينا، الحل بيد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، فبدون اتفاق لا يمكننا ضمان بقاء إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية، ودون اتفاق لن نتحمل أعباء المعيشة».

يوآف شطيرن: «مجرد طرح هذه المبادرة ودون الخوض في تفاصيل ومحاور الاتفاق والتسوية التي قد يتم التوصل إليها في نهاية المطاف، بمثابة انطلاقة جديدة وقفزة نوعية في المجتمع الإسرائيلي رغم وجود العديد من النقاط الخلافية»

ويولي الصحفي الإسرائيلي يوآف شطيرن الخبير في الشؤون العربية والفلسطينية أهمية قصوى لمبادرة كسر الجمود ودورها في التأثير على المجتمع الإسرائيلي بالدفع نحو تقدم مسيرة المفاوضات والتوصل الى اتفاق من شأنه أن يؤدي إلى إنهاء الصراع مع الفلسطينيين، لافتاً إلى أن مجرد هذا الحراك الذي يقف على رأسه كبار رجال الأعمال في إسرائيل قد يسهم بكسر الجمود في المفاوضات، والتأثير على حكومة بنيامين نتنياهو، خاصة وأن مبادرة من هذا القبيل تحمل في طياتها مخاطر على مصالح رجال الاقتصاد، وبالتالي هم يأخذون على عاتقهم مسؤولية كبرى ويضعون نصب أعينهم التهديدات لمصالحهم التجارية لمجرد دخولهم في مسار العملية التفاوضية التي ما زالت مثاراً للجدل داخل الخريطة السياسية بإسرائيل.

وقال شطيرن إن: «مجرد طرح هذه المبادرة ودون الخوض في تفاصيل ومحاور الاتفاق والتسوية التي قد يتم التوصل إليها في نهاية المطاف، يعد بمثابة انطلاقة جديدة وقفزة نوعية في المجتمع الإسرائيلي، رغم وجود العديد من النقاط الخلافية، لكن مثل هذه المبادرات سيكون لها تأثير نحو الخروج من دائرة الجمود وتحريك مسيرة السلام مع العالم العربي والتقدم بعجلة المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، صحيح أن رجال الأعمال ليسوا على طاولة المفاوضات والقرار سياسي بنهاية المطاف لكن دون شك لهم تأثير غير مباشر على صناع القرار بالحكومة».

وبالإشارة إلى الأسباب والدوافع من وراء إطلاق هذه المبادرة تحدث شطيرن بالقول: «في السنوات الأخيرة هناك تدهور وتراجع للموقف الإسرائيلي على الساحة الدولية بسبب تعثر المسيرة التفاوضية، حيث تواجه تل أبيب بهذه المرحلة التهديدات بالمقاطعة التي تسببت بتراجع في الاقتصاد وبطء في النمو الاقتصادي وقد تكون لها تداعيات سلبية تحول دون التطور والازدهار في المستقبل، وبالتالي فإن سبل الخروج من الأزمة وتفادي المخاطر الاقتصادية يعني الدخول مجدداً في مسار تفاوضي يؤدي للسلام وإنهاء الصراع، وإلا فإن البديل هو عزلة دولية وضربات اقتصادية تكبد إسرائيل خسائر فادحة».

مفيد: «أي مبادرة تطرح تأتي لتثبيت نقاط ومكاسب إضافية للإسرائيليين على حساب خسارة نقاط وهي عبارة عن مزيد من الابتزاز للطرف الفلسطيني»

بدوره، يرى عضو المكتب السياسي للحركة الإسلامية عبد الحكيم مفيد أن اتفاقيات أوسلو كانت نتاج لحالة اقتصادية، خاصة وأنه في إسرائيل لا يمكن فصل الاقتصاد عن السياسة، إذ أن رجال الأعمال والمجتمع الاقتصادي لا يعمل بمعزل عن الحالة السياسية وصناع القرار في الحكومة، كما أن هناك أكثر من دائرة وجهة، سواء أكانت أكاديمية ثقافية طبية وشعبية، تعمل وتنشط بغية التوصل لتسوية واتفاقية مع السلطة الفلسطينية، حيث يسعى رجال الأعمال لفصل الاقتصاد عن الحالة السياسية والادعاء وكأن هناك اقتصاداً لا يجب أن يتدخل بالسياسة.

وقال مفيد: «بداية يجب التوضيح بأنه لا يوجد هناك مفاوضات لكي يتم منح الحيز لما يسمى مبادرة كسر الجمود، فرجال الأعمال يطرحون الأفكار بتقديري انطلاقا من المصلحة القومية الإسرائيلية حتى وإن بدت مبادرتهم للوهلة الأولى تطالب نتنياهو بالدفع نحو مسيرة المفاوضات، فالحالة السياسية الفلسطينية لا تحتاج إلى مبادرات اقتصادية بل هي بحاجة إلى الاعتراف بالحقوق التاريخية، وهنا رجال الأعمال ينظرون إلى القضية بموجب معادلة المصالح والأرباح ليكون جل اهتمام الناس بالوضع الاقتصادي بعيدا عن الحقوق السياسية».

ويعتقد مفيد بأن القضية الفلسطينية ليست قبالة حالة كسر جمود بل تعثر ومؤامرة لتصفيتها والنيل منها، مؤكدا بأن مسيرة المفاوضات الممتدة منذ أوسلو نالت من الشعب الفلسطيني وقضتيه وثبتت المصالح الإسرائيلية، وبالتالي أي مبادرة تطرح تأتي لتثبيت نقاط ومكاسب إضافية للإسرائيليين على حساب خسارة نقاط، وهي مزيد من الابتزاز للطرف الفلسطيني خاصة وأن إسرائيل تحقق الإنجازات على الأرض والواقع الفلسطيني يواصل الخسارة، وبالتالي يجب عدم الانشغال بمثل هذه المبادرات التي تحمل بطياتها صورة أخرى للابتزاز وتقديم التنازلات. 

“مكانة النخب الاقتصادية في المشهد السياسي الإسرائيلي”

وقد سلط الخبير في الاقتصاد السياسي امطانس شحادة الباحث في مركز «مدى الكرمل-المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية» من خلال دراسة بعنوان «مكانة النخب الاقتصادية في المشهد السياسي الإسرائيلي»، الضوء على تأثير النخب الاقتصادية الحالية، رجال الأعمال والقطاع الخاص، على السياسة العامة واتخاذ القرارات في إسرائيل، خاصة الاقتصادية منها، وتناول أثر التحولات السياسية والاقتصادية في العقدين الأخيرين. كما وسلط الضوء على نوعية المطالب التي يرفعها قطاع الأعمال إلى متخذي القرار، وأوجه الشبه والاختلاف في هوية النخب الاقتصادية الحالية ومطالبهم نسبةً للعقود السابقة.

وقال الخبير في الاقتصاد السياسي امطانس شحادة: «لقد وجدنا من خلال متابعة علاقات النخب الاقتصادية والنخب السياسية، أن طبيعة العلاقات بين صناع القرار والقطاع الخاص هي علاقات مصلحة تشاركية-توافقية، تقوم على توازن قوي بين الدولة والقطاع الخاص تعمل لتحقيق المصالح المشتركة. الدولة توفر بيئة عمل مناسبة وودية للقطاع الخاص وقطاع الأعمال، وهو يقوم، بدوره، بخلق تنمية وتطوير اقتصاديين وخلق أماكن عمل. في هذه الحالة، هناك تداخل في مصالح وأهداف القطاع الخاص والدولة. هذه العلاقة تتسم بالتعاون والمصالح المشتركة لا المنافسة أو العداء. وفي حالة القطاع الخاص الحالي في إسرائيل، نجد أن غالبية الشركات الكبرى والمسيطرة نمت من رحم القطاع العام، ملكية الدولة أو نقابة العمال العامة-الهستدروت-، ولذلك، يوجد علاقات تاريخية وتداخل بين إدارة ومالكي هذه الشركات وبين صناع القرار في إسرائيل». 

شحادة: «محاولة تغيير سياسي ليبرالي في إسرائيل، انعكس في محاولة لإعادة ترتيب الاحتلال الإسرائيلي للمناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967، لكنه لم يدم طويلا، على عكس التحول الاقتصادي»

وأضاف شحادة : «رافق التحول في السياسة الاقتصادية والاقتصاد الإسرائيلي في مراحله الأولى، بداية التسعينيات، محاولة تغيير سياسي ليبرالي في إسرائيل، انعكس في محاولة لإعادة ترتيب الاحتلال الإسرائيلي للمناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967، لكنه لم يدم طويلا، على عكس التحول الاقتصادي. وقد ربط عدد من الباحثين التحولات الاقتصادية والسياسية في بداية التسعينيات، خاصة بين عملية المفاوضات التي دارت بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وبين رغبة القطاع الخاص وكبريات الشركات بالاندماج في الاقتصاد العالمي والعولمة. وفقا لهؤلاء، البدء في المفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية وعدد من الدول العربية، أثر إيجابا على دخول إسرائيل النادي الاقتصادي العالمي وإنهاء المقاطعة الاقتصادية العربية. بل إن هذا التغيير في تعريف الصراع العربي-الإسرائيلي حصل، من ضمن أمور أخرى، بفضل حاجة قطاع الأعمال الإسرائيلي الاندماج في الاقتصاد العالمي، وتجنيد استثمارات، وتسويق إنتاجه في الأسواق العالمية». 

ولفت شحادة إلى أن نجاح تجربة التسعينيات وعمل الشركات الكبيرة في دعم بدء عملية التفاوض والسلام لإنقاذ الاقتصاد، لم تتحول إلى حالة ثابتة في المشهد السياسي الإسرائيلي. بل اقتصرت على محاولة دفع الحكومة للدخول في مفاوضات ودعم العملية التفاوضية. لكن هذه الأهداف تغيرت، استنادا إلى تصرف وتصريحات رجال الأعمال والمؤتمرات الاقتصادية، منذ بداية الألفية الحالية.

«قطاع الأعمال والنخب الاقتصادية لا تريد أن تغرد خارج سرب الإجماع القائم في المجتمع الإسرائيلي»

ويرى أن الأهداف الجماعية لرجال الصناعة والأعمال من التأثير على السياسة بات يصب، بالأساس، في الحفاظ على السياسات الاقتصادية الليبرالية وتعميقها، وفي تحقيق مصالح اقتصادية عينية لشريحة الأعمال وأباطرة المال الإسرائيليين. وأيضا في هذه الحالة، يؤكد شحادة: «نجد أن أسلوب العمل كان عادة أسلوب عمل جماعي عن طريق منظمات ومؤسسات تمثل القطاع الخاص. وهذا لا يلغي، طبعا، إصدار مواقف تدعم وتشجع العودة إلى العملية التفاوضية، لكن هذا الجانب لم يعد الأهم أو الأبرز في محاولة التأثير السياسي لقطاع الأعمال والمال».

ويجزم بوجود حالة تراجع، إلى حد ما، في تدخل أو محاولات تأثير القطاع الخاص في عملية اتخاذ القرار في مجال السياسات الخارجية والأمنية، خاصة في مجال عملية السلام أو التفاوض مع الجانب الفلسطيني، على عكس ما كان في تسعينيات القرن المنصرم، وذلك لأن عدم التقدم في عملية السلام لم يعد عائقا أمام اندماج الاقتصاد الإسرائيلي في الاقتصاد العالمي، وجذب الاستثمارات، ولأن القطاع الخاص فك الارتباط بالعمالة الفلسطينية الرخيصة، وبات يكتفي باحتكار سوق المنتجات والسلع في الأسواق الفلسطينية، ووجد بديلا رخيصا للعمالة الفلسطينية عن طريق استيراد عمالة أجنبية، ولأن قطاع الأعمال والنخب الاقتصادية لا تريد أن تغرد خارج سرب الإجماع القائم في المجتمع الإسرائيلي.

سمير حليلة: بدأنا حملة تثقيفية منذ عامين وهي اليوم مكثفة

من جانبه يعلق السيد سمير حليلة، الرئيس التنفيذي لشركة باديكو القابضة وأحد أعضاء المبادرة، بالقول: “هناك عملية تثقيفية واسعة بدأنا بها منذ عامين وهي اليوم مكثفة تستعرض جوانب الحل الفلسطيني الرسمي فيما يتعلق بالحدود واللاجئين وقضية يهودية الدولة، نتكلم فيها مع أعضاء المبادرة من الجانب الإسرائيلي ونشرح لهم الموقف الرسمي، وعادة وحدة الدعم في دائرة المفاوضات من يقوم بتزويدنا في الموقف الرسمي التفصيلي، ويكون هنالك نقاشات بيننا، ما نقوم به هو شرح وليس تفاوضا، إذ يوجد جهل كبير في العملية التفاوضية من الجانب الإسرائيلي. المشكلة عند الجانب الإسرائيلي ليست في الحقوق الفلسطينية إنما في نتائجها وتبعاتها.”

ويضيف حليلة: “لكن في أغلب الجلسات لاحظنا تغيراً في موقف عدد كبير من الجانب الإسرائيلي في الحملة في القضايا المطروحة، وتفهما أوسع وقبولاً أكثر. أتوقع أن قريبا سيكون هنالك مجالٌ للخروج بمبادرات مشتركة يوافقون عليها في القضايا التي لم يتخيلوا أنهم سيوافقون عليها سابقا، مثل حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967. 

ويوضح حليلة أن رجال الأعمال الإسرائيليين في المبادرة يرفضون عادة الحديث أو النقاش أو التفاوض في أمور سياسية فحكومتهم تفاوض عليها، لكن عقب الأزمة الأخيرة “أعتقد أنهم جاهزون للمخاطرة بشكل أكثر من قبل، لتثبيت وجهة نظرهم.”