أنا عمري ما ضربت حجر، ولا شاركت في مظاهرة، بعد ما تخرجت من الجامعه أواخر التسعينيات رفضت اتغرّب، ورفضت عروض كثيرة للعمل في جدّه ودبي والدوحه، بكره الإحتلال أكثر ما بكره العمى.
عمري ما ضربت مولوتوف على جيب عسكري، ولا احتجيت على وجود الإحتلال، مش لإني جبان أو مش وطني، بالعكس أنا بعشق بلدي وبفديها بروحي، كان أبوي شديد في البيت، ملوش في الأحزاب والتنظيمات، كان همّه يربي أولاده ويعلّمهم أحسن تعليم علشان يطلعوا أحسن منه.
لمّا صارت اوسلو وقبلها لّما قامت الإنتفاضة الأولى؛ كنت ما زلت بدرس في جامعة بيرزيت؛ رغم أنه طلاب صفي اللّي طلعوا بره ودرسوا في جامعات اوروبا ومصر والأردن وحتى العراق تخرجوا وحصلوا على وظائف، كنت وقتها غارق لراسي بالحب والديون، وكانت الجامعات الفلسطينيه مغلقة بأوامر احتلالية، واستمر الحال لحد ما صارت اوسلو.
طول عمرنا بنعرف اوسلو عاصمة النروج، بس بعد سنة 1993 أصبحت اوسلو بالنسبه للكثير من الفلسطينين والعرب، عاصمة إنهاء الصراع بين العرب والإسرائيلين، عاصمة انتهاء الإنتفاضه وانتهاء الإحتلال الإسرائيلي للضفة الغربيه وقطاع غزه، عاصمة الإتفاق التاريخي بين فتح ابو عمّار وبين إسرائيل رابين.
لكن فيما بعد صارت اوسلو عاصمة الضحك على عقول وذقون الفلسطينين والعرب. لأنه ببساطه، وزي ما كان يحكي جوز أختى ميسره؛ إسرائيل ضحكت علينا، حصلت على السلام والتطبيع والإعتراف وما أعطتنا غير شويه أوهام.
بس أنا وأبوي والعيله كلها، كنا نكره السياسة والحكي فيها، وماشين الحيط الحيط، كل واحد بشغله وبعالمه الخاص.
لمّا صارت أحداث النفق واشتبكت الشرطه الفسطينيّه مع جنود الإحتلال تبيّن للجميع أنّه سلام اوسلو سلام على الورق، سلام وهمي، سلام باربي، سلام مسلسلات كونان، ومش سلام سياسي ولا أمني، وطبعا الأحداث اللّي تلت ما سمّي حينها أحداث النفق غيّر رأي وظن كثير من النّاس حول أوسلو وسلام أوسلو، ومنهم أنا.
طبعاً اتفاق اوسلو قسّم المدن والقرى والمخيمات والأراضي الفلسطينيه لأحرف لغة بلاد العرب أوطاني الأولى (أ؛ب؛ج) أو الأحرف الأولى للغة الإمبراطوريه التي لا تغيب عنها الشمس بريطانيا العظمى (الإنجليزيه)، A,B,C)) على اعتبار أنّه مناطق ألف هي مناطق خاضعة للسيطره الكامله لحكم الفلسطينين، ومناطق ب، خاضعه للسيطره الجزئيه لسلطة أبو عمّار، أما مناطق جيم فخاضعه أمنياً وإداريا لحكم دولة الإحتلال، وهذه المناطق مش مثل ما ممكن يعتقد بعض الناس في الهند والبرائيل أو اوكلاهوما أو صحراء جوبي، إنها مناطق جغرافيه شاسعة على مدّ البصر، أحيانا عشرات الأمتار ممكن تفصل بين منطقتين إحداها خاضعة للسلطه الفلسطينيه، والثانية خاضعه للإحتلال الغاشم.
المهم، من الناس اللّي تغيروا جذرياً أنا العبد الفقير إلى الله، أول شيء نسيت أنّه أوسلو عاصمة النرويج، وصارت بالنسبة إلى عاصمة الظلم السياسي والأمني، ولمّا صارت دوريات الإحتلال تدخل على قلب المدينه صارت أوسلو عاصمة الذل والبهدله، عاصمة الضحك على الذقون، عاصمة الفشل السياسي والأمني، وأول مره وأنا كنت زلمه متزوّج وعندي عيله، ولمّا الجيب العسكري دخل على البلد في عزّ النهار، ولمّا شفت الشباب بضربو حجار عليه، استتفهتهم، وتذكرت أيام الصبى والشباب كيف كان أبوي رافض أنّه نشارك في الإحتجاجات والمظاهرات ضد جنود جيش الدفاع، مسكت ولد عمره نص عمري، وسالته:
_ يعني شو رح يعمل الحجر تاعك، رح يرجع فلسطينن، عرفات والعرب كلهم ما عرفوا يرجعوا فلسطين.
بالحرف قال لي:
_ بعرف إنّه الحجر مش رح يرجِّع فلسطين، بس كمان الكلاب هذول مش لازم يدخولوا ويطلعوا وكأنهم فايتين على على حاره من حارات تل أبيب أو نتانيا، لازم يتوجعو، ويحسبوا ألف حساب لمّا يفوتوا على نابلس وجنين وطولكرم ورام الله وغيرها، لازم ما يعتبروها نزهة كأنهم فايتين يوكلو كنافه أو يشترو بزر.
أنا ولأول مره نسيت حكي أبوي، وانسيت فكره امشي الحيط الحيط، لأنه كلام الولد اللّي عمره نص عمري أقنعني أكثر.