المخيم يحتاج إلى 137 مليون دولار لاستكمال بقية رزم إعادة الإعمار
لبنان- مصطفى أبو حرب
ست سنوات مرت على تدمير مخيم نهر البارد وتهجير أهله منه جراء حرب الجيش اللبناني لاستئصال إرهاب عصابة العبسي، ولغاية اليوم لم توفِ الحكومة اللبنانية بوعودها التي قطعتها على نفسها لأهالي المخيم يوم قالت إن “الخروج مؤقت، العودة أكيدة، الإعمار حتمي”.
أيضاً لم تلتزم الدول المانحة بتعهداتها التي أبرمتها في مؤتمر فيينا بتمويل إعادة الإعمار الذي قدرت تكلفته بـ 350 مليون دولار.
فعاد أهالي مخيم البارد ليسكنوا في حاويات من الحديد سموها بيوتا للإيواء المؤقت، فكانت عبارة عن ثلاجات في الشتاء وأفران في الصيف. وقد تحمل الأهالي هذا الوضع ظناً منهم بأن الإعمار يسير قدماً، ولكن كان هناك العديد من العقبات التي أبطأت العمل. والمخيم الذي يقسم إلى ثمانية أقسام، ولم ينجز منه سوى ثلاثة، أي ما هو دون النصف طيلة 6 سنوات، بمعنى أن الأجزاء الباقية وإن توفر لها التمويل فإنها تحتاج إلى أكثر من تسع أو عشر سنوات للانتهاء من إعمارها، كل هذه العقبات لم تؤثر في صمود الأهالي ولا على إصرارهم إتمام إعمار المخيم كونه يشكل سفينة العودة إلى فلسطين.
ولكن اليوم وبعد ست سنوات من المعاناة جاءت آن ديسمور، المديرة الجديدة للأونروا في لبنان لتعلن ومنذ 2013-9-1 عن توقف برنامج الطوارئ لأهالي مخيم نهر البارد المنكوبين، هذا البرنامج الذي يشمل تقديم بدلات الإيجار لمن ما زال خارج بيته ولا يملك بيتاً آخر ووقف الإغاثة (مواد غذائية) والتغطية الطبية بشكل كامل وشطب التغطية العلاجية لأهالي مخيم نهر البارد.
وهذا سيجعل آن ديسمور اسماً يحفظه أبناء مخيم نهر البارد بالرغم من أنه لا يمت إليهم بصلة أبداً وليس من تراث فلسطين أو آثارها، ولكنه بدأ يُشكِّل عنواناً للتخلي عن معاناتهم. فكل أبناء المخيم كبيرهم وصغيرهم باتوا يعرفونها جيداً ويسمّونها بالمرأة صاحبة القلب القاسي والبعيدة عن الإنسانية، بعد إعلانها قرار الأونروا القاضي بوقف كل المساعدات ابتداءً من 2013/9/1.
الموقف الرسمي والشعبي من القرارات
لا يُخفي السيد عاطف عبد العال عضو الهيئة العليا لمتابعة إعمار مخيم نهر البارد عضو لجنة إقليم لبنان، أن قرار الأونروا بوقف خدمات الطوارئ لأهالي مخيم نهر البارد الذي أعلنته مديرة الأونروا آن ديسمور في لبنان في 2013/7/17 جاء مفاجئاً كالصاعقة، ويوضح: “في عام 2007 صدر قرار يعتبر نهر البارد في حالة طوارئ من قِبَل الحكومة اللبنانية والأونروا، وبناءً عليه أعلنت الأونروا الالتزام بإعمار المخيم وبخدمات الطوارئ إلى حين الانتهاء من الإعمار وعودة آخر مهجَّر لمنزله، لذا فهذه الخطوة تتناقض مع سياسة الأونروا القائمة على خدمة الشعب الفلسطيني. ولكن الأغرب هو ما قالته ديسمور عن كونها ناقشت هذا القرار مع الفصائل مسبقاً، وهنا أؤكِّد أن هذا الكلام عارٍ عن الصحة تماماً ولا يمكنني أن أصف ما قامت به إلا بمحاولة لإثارة البلبلة والخلاف، والتنصُّل من المسؤوليات”.
وحول ردة الفعل الرسمية تجاه هذه الخطوة، لفت عبد العال إلى أن اجتماعاً جرى ما بين الفصائل الفلسطينية وهيئة متابعة ملف مخيم البارد وآن ديسمور، حيثُ علَّلت الأخيرة سبب هذه الإجراءات بالعجز المالي في الموازنة الذي بلغ 8 مليون دولار بحسب وصفها إضافةً إلى أزمة النازحين الفلسطينيين من سوريا. ويضيف عبد العال، إن موضوع نهر البارد أزمة استثنائية معزولة عن موضوع النزوح، وعلى الأونروا إيجاد حلول واعتبار جميع الجهات شريكة في البحث عن حل ولكن ليس على حساب شقاء باقي الفلسطينيين. ويقول عبد العال لقد أبلغناها عن نيتنا بتصعيد تحرُّكاتنا من خلال اعتصامات سلمية حضارية في الشمال خصوصاً، وفي كافة المناطق اللبنانية عموماً أمام مكاتب الأونروا إلى أن يتم إلغاء القرار. ونحن نعتبر أن هذه الإجراءات جرت عن سابق إصرار وترصُّد، وتشكِّل قراراً سياسياً بامتياز، يستهدف المصالح الأساسية والحيوية والخدماتية لشعبنا. ويوضح عبد العال أنه لا بدَّ من الإشارة إلى أن هذا العجز ليس مصدره فقط نقص التمويل، ولكن العامل الأبرز هو التباطؤ في إعمار المخيم. كذلك فالأموال التي رُصدت في مؤتمر فيينا لا تكفي لإعمار 8 رزم حيثُ أنه ما زال ينقصنا 137 مليون دولار أمريكي لاستكمال الرزم الأربعة الباقية.
من جهته، يرى مسؤول فصائل “م.ت.ف” وحركة “فتح” في الشمال أبو جهاد فياض أن “قرارات مديرة الأونروا في لبنان آن ديسمور “جائرة وتعسُّفية تخلو من الإنسانية، وتنم عن تجاهل وجهل بالأوضاع المأساوية التي يعيشها أبناء شعبنا الفلسطيني.”
وحول الحل المقترح للخروج من الأزمة يقول فياض: “على ديسمور أن تقوم بزيارات إلى الدول الداعمة للأونروا، وأن ترفع تقاريرها حول حالة وحاجة أبناء البارد لاستمرار الدعم المطلوب. كما عليها السعي لتأمين الأموال اللازمة لتغطية الحاجات الـمُلحة للفلسطينيين في عموم لبنان، وخصوصاً مخيم نهر البارد، من خلال تحمُّل الحكومة اللبنانية لمسؤولياتها بالشراكة مع الأونروا و “م.ت.ف” وبالدعوة لمؤتمر دولي للمانحين على غرار مؤتمر فيينا. وبالطبع فنحن نعلم أن هناك أزمات دولية في سوريا، ولكن يبقى مخيم البارد أول المتضرِّرين من الإرهاب”.
أمَّا عن موقف الفصائل الفلسطينية واللجان الشعبية فأكد فياض رفضها لهذه القرارات الجائرة جملة وتفصيلاً لأنها تهدف إلى إذلال شعبنا، منوِّهاً إلى أن الفصائل الفلسطينية واللجان الشعبية تداعت وقامت بعدة اعتصامات وإضرابات وقدَّمت رسائل الاستنكار والرفض لقرارات آن ديسمور لرفعها للأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون.
وتوجه فياض الى قيادة الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير الفلسطينية بضرورة تحمل مسؤولياتها تجاه أبناء شعبنا في لبنان وخصوصاً لمواجهة هذه القرارات الجائرة واللاإنسانية بحق أبناء مخيم نهر البارد المنكوب، وأضاف: “على القيادة ممثلة بالرئيس محمود عباس إعطاء هذا الملف اهتمامها وأن يتم طرحه في كافة المحافل العربية والدولية لوضع الجميع أمام مسؤولياتهم تجاه شعبنا الفلسطيني شاكرين جهد الدكتور زكريا الآغا الذي بحث هذا الملف مع مديرة الأونروا في لبنان آملين إنهاءه بأسرع ما يمكن”.
كما دعا فياض كافة أبناء المخيمات وأبناء مخيم البارد إلى أوسع تحرُّك لمساندة أهالي البارد في مواجهة هذه القرارات الجائرة بحقهم واللاإنسانية وذلك من خلال المشاركة في فعاليات ستنظمها خلية الأزمة التي تشكَّلت من الفصائل الفلسطينية في لبنان لمواجهة قرارات آن ديسمور الجائرة بحق أبناء البارد.
أمَّا أمين سر اللجنة الشعبية الدوري فرحان عبدو، فلفت إلى أن برنامج الطوارئ الخاص بأهالي نهر البارد لا يمكن إلغاؤه تحت أي ظرف كان لحين عودة جميع الأهالي إلى بيوتهم وانتهاء الإعمار كاملاً.
ويشير عبدو إلى أن العائلات المستفيدة من بدل الإيجار يبلغ عددها حوالي 3008 عائلة تتقاضى 150 دولار كبدل الإيجار، ويضيف: “هذا مع العلم أن معدل بدل الإيجار سابقاً كان 250 دولار وأيضاً هناك أكثر من 450 عائلة يسكنون في البركسات التابعة للأونروا”. وحول برنامج الاستشفاء يوضح عبدو: “على صعيد التغطية الصحية في المستشفيات يشمل برنامج الاستشفاء صرف الأدوية المسجلة لدى الأونروا في برنامجها. أمَّا بالنسبة للتحويل إلى المستشفيات فهو يقدَّر بـ 12 شخصاً كمعدل وسطي يومياً، في حين أن المستفيدين من صرف الدواء هم حوالي 450 شخصاً تبلغ كلفة طبابتهم 6500 دولار شهرياً عبر التعاقد مع صيدلية الجليل”.
أمَّا عن واقع الإعمار فيقول: “للأسف ما زال الإعمار بطيئاً جداً، إذ إنه بعد أكثر من 6 سنوات لم يُستكمل إلا %30 من الإعمار ولم يعد من سكان المخيم إلا 565 عائلة أي أقل من ربع السكان، رغم أن التمويل المرصود يكفي لإعمار %52 من المخيم القديم، وأسباب التأخير كثيرة ومتعددة أهمها أسباب تعود الى الآثار التي ليس لها وجود أصلاً”.
ويأسف عبدو لوجود تمييز بين فلسطيني ولبناني ، لافتاً إلى أن اللبنانيين المقيمين داخل المخيم القديم والجديد قد تم تعويضهم، في حين تُرِك الفلسطيني لبعض المؤسسات الإنسانية كي ترمي له الفتات.
ويضيف: “هناك أيضاً أكثر من 105 بيوت مهدَّمة كلياً ولا أحد يستطيع الإجابة عن مصيرها” ويختم قائلاً: “إذا أوقفت الأونروا كل هذه التقديمات ماذا سيحل بأبناء المخيم، وإلى من سيلجؤون من أجل الإبقاء على كرامتهم لحين عودتهم إلى بيوتهم التي هدمت جراء حرب إرهابية ليس لهم أي علاقة بها.”
معاناة أهالي البارد
الحاج أمين شحادة الشاعر من مواليد 1947، يسكن حالياً في كراج بعد أزمة البارد. لا يملك مصدر دخل سوى بسطة أقامها في مدخل الكراج الذي يسكنه لتقيه الحاجة إلى الغير، ولكنها لا تكفي لسد حاجته إذا ما اضطر لدفع الإيجار وتأمين بدل الاستشفاء ولقمة العيش إذا قطعت عنه الإغاثة، وهو اليوم يعيش ببقية كرامة، ولكنه يتساءل كيف يعيش إذا ما أوقفت الأونروا بدل الإيجار والإغاثة وتغطية الطبابة بنسبة 0، فهل سيجد من يرحمه أو من يستضيفه لديه إذا رمى به صاحب المخزن في الشارع؟ ومن أين يأتي بالمال لتأمين الطبابة؟ ولكن الشاعر لم يفقد الأمل بعد، وما زال يردد ويقول: “أعيدونا إلى بيوتنا، فنحن لنا حق لن نتنازل عنه أبداً وهو إعادة إعمار مخيمنا القديم”.
أمَّا الشاب وائل ناصر سميح ياسين، فهو تلميذ بكالوريا ثانية يعيش مع أسرته في كراج في منطقة جار القمر بعد نكبة مخيم نهر البارد. والده يعمل صياداً ويأتي برزق يسوقه الله إليه، ولكن اعتماد العائلة يبقى على بدل الإيجار الذي تدفعه الأونروا وعلى الإغاثة التي ما زالت تلتزم بها، وعلى تغطية الطبابة بنسبة 0. غير أن وائل بات يتساءل الآن عن مصيره هو وإخوته الخمسة، وهم جميعاً طلاب وتلاميذ، عندما توقف الأونروا كل هذه التقديمات، في ظل عجز والديه عن تأمين السقف الذي يأويهم. حتى أنه يخشى حتى أن يحلم بشهادة البكالوريا التي يعد نفسه للتفوق بها من أجل أخذ منحة دراسية يتابع بها دراسته، في حال فقد المأوى ولقمة العيش والأمان الصحي من خلال الطوارئ التي تعتمدها الأونروا، مما قد يحرمه من تحقيق ما يصبو إليه، ليصبح مستقبله ومستقبل عائلته في مهب الريح.
بدورها لا تخلو معاناة هدى أحمد عطية من الصعوبة، حيثُ أنها تعيش مع أخيها وعائلته الذي يعمل بالفاعل في كراج، وهي تعاني من حساسية وربو. ورغم أن الكراج غير صحي وسليم ولا يتناسب مع مرضها، فإن العائلة تتحمَّل دفع زيادة على بدل الإيجار الذي يتقاضونه من الأونروا، علماً أن دخل رب الأسرة لا يكفي لسداد حاجيات أسرته الأساسية، فكيف به إذا بات مضطراً لدفع بدل الإيجار وبدلات الطبابة لأسرته وشقيقته وشراء الأدوية. هكذا تصف هدى معاناتها قبل أن تردف: “حسبنا الله ونعم الوكيل بهذه القرارات الجائرة التي اتخذتها مديرة الأونروا”.
بدورها تسكن الحاجة عائشة إبراهيم إبراهيم في كراج في مخيم البداوي وهي أرملة ليس لها معيل تعتمد بشكل كامل على بدل الإيجار وعلى الإغاثة لتأمين الحد الأدنى من العيش بكرامة وبما يتناسب مع عمرها السبعيني. ولكنها اليوم أصبحت تسأل بمرارة حول سبب عدم التعويض عليها رغم أنها كانت تسكن في ملكها الخاص في نزلة التعاونية، وتتساءل: “ماذا سيحل بي إذا نُفِّذت هذه القرارات ومن سيرأف بحالي وينظر لوضعي وأنا التي أسكن في كراج على خطوط التماس مقابل جبل محسن وعلى مقربة من المنكوبين؟ ومع ذلك فأنا راضيةً بالخطر ولكنني لن أرضى بأن ألقى على قارعة الطريق جراء قرارات ظالمة وغير إنسانية للسيدة آن ديسمور”