الثلاثاء  26 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

انهض يا عبدالله / بقلم : د.غسان عبدالله

2016-07-10 12:50:27 PM
انهض يا عبدالله / بقلم : د.غسان عبدالله
صورة تعبيرية

 

تتوالى الضربات على الرأس الفلسطيني  من كل حدب وصوب، وتتفاوت مصادرها ودرجات شدتها وقوتها  وكذلك توقيتها، الا أن الهدف الاساس يبقى متمثلا في هدم النسيج الاجتماعي والقضاء على المشروع الوطني الفلسطيني برمته. 

 

بكل أسف شديد، شهدت الاسابيع الماضية موجة من العنف والاقتتال الداخلي الفلسطيني، وعلى امتداد الوطن  المحتل،  أودت بحياة عدد من المواطنين المدنيين، وعمقت الشرخ، دون ترك هامشا لأمنيات تعزيز السلم ألأهلي المنشود، لست هنا بصدد طرح حلولا سحرية لوأد حالات الفتنة والاقتتال الداخلي، بقدر ما أبغي الوقوف عند البيئة التي سمحت بنمو وترعرع الميل الى ممارسة  مثل هذا العنف البغيض.

 

قبل الولوج في ذلك أرى لزاما التأكيد على أن مواصلة تحميل ولوم الأجهزة ألأمنية المسؤولية و اجترار الشعارات البراقة، ما هو إلا شكل من أشكال الهروب  من مواجهة الأزمة الخانقة التي باتت كل قطاعات شعبنا تعيشها وتتأذى منها.  لنستذكر دوما أن أبناء ألأجهزة ألأمنية هؤلاء هم قبل كل شيء أخوتنا وأبناؤنا وأن السواد الاعظم منهم كان قد قضى بعض، ان لم  لم يكن كل، زهرات أعمارهم  في سجون ومعتقلات الاحتلال، هم ليسوا بغرباء أو دخيلين على الوطن وقضيته العادلة. عرفناهم في المعتقلات وساحات النضال الوطني بكل أشكاله، هم ليسوا مرتزقة هبطوا علينا في برشوتات .  هناك من رددّ وقال ان بعض من أثار أعمال الشغب هذه، كان محسوبا في يوم من ألأيام على هذه ألأجهزة والحركة الوطنية، هذا لا يعيب ألأجهزة ولا الحركة الوطنية كون الثورة لمن صدق وليس لمن سبق، وقطار البناء يسير دون توقف وينزل منه من كلّ أو ملّ أو من باتت لديه أجندات أخرى .

 

لست من أصحاب نظرية المؤامرة لأقول أن من يقف وراء مثل هذه الجرائم بحق الوطن والشعب هم من خارج الشعب، ولكن ليس من السهل الادعاء بأن  الاحتلال الاسرائيلي لم ولن يوظّف ذلك من أجل تحقيق مأربه والتي بعض منها كان ولا يزال – وفق ما قاله نتياهو في خطابه في جامعة بار ايلان – " ضرورة سحق وإلحاق الهزيمة بالحركة الوطنية الفلسطينية بكل السبل الممكنة - . اذن ستستخدم اسرائيل هذه الممارسات لإقناع البعض في الساحة العربية أولا والساحة العالمية ثانيا ، بأن الفلسطينيون لا يستحقون دولة وهم عشاق للعنف و الاقتتال.

سيجد بعض من تلك الدول صيدا كبيرا لتبرير ما يقومون به من تطبيع مع دولة الاحتلال.  بالمناسبة ، ليست هذه البرهان الوحيد الذي تتمسك به اسرائيل، اذ وظّفت ولا تزال توظّف الانقسام المشئوم، وبكل السبل الممكنة لإثبات بأننا لسنا أهلا لنيل الدولة، وفي خضم انشغالاتنا ببعضنا البعض يتوسع الاستيطان ويتم نهب المزيد من الارض وتهويد اكثر للقدس وتزداد حملات واقتحامات الاقصى المبارك وغير ذلك من الانتهاكات ضد مجمل ابناء شعبنا .

 

في نفس الوقت لست مع القول ان انتشار السلاح وحده السبب في تأجيج حالة الاقتتال الداخلي، الاسرائيليون لديهم سلاح أكثر منا  ولم نسمع عن توظيف هذا السلاح ضد أبناء جلدتهم بالشكل الذي يقوم به البعض من المارقين والخارجين عن البرنامج الوطني الفلسطيني، هؤلاء الذين جعلوا البغاث في أرضنا يستنسر.   نحن كحركة تحرر وطني، اعتاد أبناء شعبنا على حمل السلاح ذودا عن ذواتهم وعن وطنهم . حتى يتم صون السلاح وضمان توجيه صحة توجيه البوصلة، لا بد من الشروع بنشر ثقافة وطنية واسعة حول ذلك. انني أرى في التربية والتعليم طريق العبور الى تعزيز السلم الاهلي والابتعاد عن الاقتتال الداخلي. نعم، المؤسسة التربوية التعليمية الرسمية وغير الرسمية، مطالبة بتعزيز لغة الحوار وثقافة تقبل الاخر وان اختلف معي فكريا وسياسيا. نحن مطالبون بإعادة تفعيل  وتعزيز منظومة القيم والأخلاق الحميدة مثل التسامح والاحترام والتعددية، هذه المنظومة التي تشهد حالة من الجزر والتراجع ملحوظين.

  

وعودة الى المسببات الذاتية لحالة الشعور بعدم الامن والسماح للذات بضرورة أخذ حقه بيده .  قالو لأحد الخلفاء ان الشعب فسد وتجاوز الحدود ، ولا بد من اعمال حد السيف ، فأجاب الحاكم : لا ، نحن بحاجة الى بسط العدل أولا ومن ثم يستوي  الناس . هناك تذمر شديد من الوضع المأساوي الذي وصلنا اليه من أكثر من عقد من الزمن . لا يتمثل ذلك فقط في انسداد الافق السياسي ، بل وأيضا الانقسام البغيض  وما ترك من أثار نفسية واجتماعية مدمّرة . يواكب ذلك الازدياد المضطرد لنسبة البطالة في المجتمع ، والارتفاع الجنوني للأسعار اذ بات متر الارض وكأس الماء أغلى من اليابان وكندا ، مما جعل الشعب يقع فريسة سهلة للبنوك من خلال القروض الكبيرة وما يترتب عليها من فوائد ، ليس فقط لن تسمح هذه القروض بإحداث تنمية فعلية مستدامة ، بل وتخلق حالة من التوتر الدائم جراء عدم القدرة للانعتاق من كابوس القرض البنكي هذا . أدعوا هنا المختصين وصانعي القرار الى وقفة جادة وضرورة عمل اللازم حيال ذلك .  

 

منذ بدايات الألفية الثانية ، أخذنا نلحظ ميل الناس الى تشكيل الدواوين والجماعات العشائرية لحماية مصالحها ، وأخذنا نرى ازدياد نشر انباء العطوات وعقد اتفاقيات الصلح العشائري ( مع كل تقديري واحترامي الكبير للشرفاء من رجالات الاصلاح العشائري الذين رهنوا أنفسهم لخدمة الشعب دون ترزق والابتعاد عن المصالح الشخصية ) . لو واصلنا ما  تم الاقتناع به منذ سنوات خلت بأن الثورة هي بمثابة بستان تنبت فيه أنواع مختلفة من الأشجار والزهور ، وابتعدنا عن الفئوية الضيقة ، وإقصاء الاخر من المؤسسات واللجان الوطنية ، حتما سيكون لذلك دور في التخفيف من حده الاقتتال والمناوشات الداخلية .

 

ومن مسببات الشعور بخيبة ألأمل هذه، وهبوط في مستوى تقدير الذات، ما نراه من سلسلة متواصلة من التعيينات لمن هم من لون واحد، بدا من أعضاء في اللجنة التنفيذية ومرورا بالوزراء والمدراء العامين. مع تغييب كامل للكفاءة والقدرة وترجيح الواسطة ودور العلاقات الشخصية   ليست هناك محاسبة فعلية لمن أخطأ بدليل ان العديد من المسئولين الكبار كانوا قد أعلنوا عن فشل المفاوضات السياسية، ولكن ما زال هؤلاء من قادوا سفينة الفشل يتربعون على ادارتها.

 

تكاد تخلو الذاكرة الفلسطينية من حالات الاعتزال السياسي، باستثناء ما سطّره الحكيم جورج حبش قبل وفاته بسنوات عديدة . نظرة سريعة وثاقبة على أعضاء اللجنة التنفيذي وغيرها من الأمناء العامين للفصائل والأحزاب السياسية، نرى انه ورغم ان الرأس قد اشتعل شيبا وخارت القوى، إلا أنهم متمسكون بمبدأ التأبيد لمنصبه حتى الوفاة ( بعد عمر طويل )، مسجلا هنا كل الاحترام للدور والجهود التي بذلوها. لم يحدث هذا في أي حركة تحرر وطني، حركة تبغي الاستقلال والانعتاق نحو الحرية. لا نجد مبادرات  كثيرة لإتاحة المجال لدم جديد بقيادة المعركة !!!

 

وزادت خيبة ألأمل هذه حين شعر المواطن بأن السلطة لم تحقق المبتغى لا في معركة توحيد سعر الخبز ولا سعر اللحمة والدجاج على صعيد الوطن بأكمله ، ناهيك عن تعدد المرجعيات الساسية والنقابية  حتى لأبناء الفصيل الواحد ، وإلا ماذا نفسر ما يجري في القدس من جزر للعمل الوطني الفلسطيني وكذلك وجود ثلاث اتحادات نقابات عمال يشرف عليها نفس الفصيل !!!!

 

صحيح ان فن السياسة يقتضي السير وسط الالغام، ولكن من الضروري الحذر وعدم الخوض في أمور قد تسبب المزيد من الفرقة والصراع ( لعل المشاركة في عزاء احدهم وفي مؤتمر هرتسيليا  كان بالامكان  ابقاء مستوى المشاركة على صعيد شخصي وليس رسمي )

 

نعم، الشعب يريد الصراحة والصدق والتوقف الفوري لمسلسل بيع الوهم للناس، الكل مطلب برفض تحويل النضال الوطني الفلسطيني من مجرد ظواهر صوتية لا تسمن ولا تغني عن جوع، والعودة  للعمل سوية من أجل بناء الدولة العتيدة.

 

رغم كل الضبابية وعدم معرفة الى أين نحن سائرون، يكون من الاجحاف عدم الاقرار  بانجازات العديدة التي تمكنا من انجازها كشعب وكقيادة، سواء على الصعيد الدولي أو المحلي، ولكن بدون ضمان السلم الاهلي وتعزيزه لن تكون هناك تنمية مستدامة أو حرية تامة .