الحدث- روان سمارة
لكل زمان أدواته ووسائله الخاصة في التواصل، تبعا لذلك فقد كان من الضروري بعد ما شهده العالم من ثورة تكنولوجية، أن تحدث ثورة موازية كما ونوعا على عالم الاتصالات ووسائله، وحتى طرق استخدامه. فأصبح من الطبيعي أن نرى عبارات المعايدة والتهاني على صفحات السوشيال ميديا، بدلا من فتح الباب للمهنئين، أو استقبال هواتفهم. هذا الأمر الذي شدني اليوم وأنا أراقب منذ الصباح "بورصة" التهاني على صفحات الفيس بوك، فقد أصبح الأصدقاء الوهميون فجأة ينشرون تهانيهم جنبا لجنب مع أصدقاء واقعيين، وكلاهما يستخدم عبارات متشابهة، فكيف ترانا نميز الحقيقي من المزيف؟ وهل هناك حاجة للتمييز أصلا؟
الإعلامي محمود حريبات، والناشط في مجال الإعلام المجتعي، يقول: "وسائل الإعلام بالعموم هي ليست سوى أدوات، يمكن استخدامها بشكل جيد، أو سيء، المهم هو لماذا نستخدمها، ونحن كفلسطينيين استطعنا تسخير هذه الأدوات في كسر الحصار، ولم شمل الأسرة الفلسطينية الممتدة بين الشتات والوطن، فكانت على استحياء قادرة على بعث الحياة في العلاقات الاجتماعية، من خلال سهولة البحث أولا، والتواصل والتفاعل ثانيا، لذلك فمن الطبيعي أن نجد التهاني منتشرة على صفحات السوشيال ميديا، وهذا لا يعني بالضرورة انعدام الروابط الاجتماعية والأسرية، بل على العكس فإستخدام هذه الوسائل يساهم في نشر الخبر الخاص أو العام بطريقة أسرع، وأقل تكلفة."
الأثر النفسي للتهاني الافتراضية لا يقل تأثيرا عن التهاني الحقيقة، تقول الأخصائية أمل غانم: "الأثر النفسي لكلا التهنئتين واحد، الأمر يختلف فقط في طريقة التواصل ومكانه، لكن هذا الأمر لا يعني اقتصار العلاقات الإنسانية على هذه الوسائل، بل يجب أن يكون هناك تواصل حقيقي حسي بين الفترة والأخرى، فهذه الوسائل يمكن أن تكون بديلا عن الهاتف مثلا لكنها لا تغني عن التواصل الحسي، وتفاصيل لغة الجسد."
أحمد زكارنة، أحد أولياء الأمور، يرى في التهاني الافتراضية وسيلة لإشهار الفرح، يقول: "هي وسائل لنشر أخبارنا المفرحة، وهي أيضا وسيلة لمشاركة الآخرين، والتهاني هي جزء من المشاركة، لكن البعض يبالغ في استخدامها فنرى فيها شيئا من التفاخر، والكثير من تجاهل الآخرين."
من جهته يؤكد أستاذ الإعلام في جامعة بير زيت زيد أبو شمسة، على أن استخدامنا كفلسطينيين لمواقع التواصل الاجتماعي يكاد ينحصر في الفيس بوك، يقول: "التهاني والتبريكات التي نراها على الفيس بوك، هي في معظمها لا تعدو كونها مجاملات، ونفاقا اجتماعيا، فمعظم الموجودين في هذا الفضاء هم أصدقاء افتراضيون ليس إلا، ما يعني أن تهانيهم لا تعدو كلمات مجردة من الشعور الصادق بالفرح والمحبة، كما أن هذه المواقع والتطبيقات جعلت المجتمع يتجه دون وعي ليصبح مجتمعا استهلاكيا صوريا، لا يتقن ساكنوه سوى الظهور من خلال الصور."
وسائل التواصل الاجتماعي هي سلاح ذو حدين، علينا أن نتقن التعامل معه، ونثقف أنفسنا حتى لانقع في مصيدة عزلة اجتماعية افتراضية، تجردنا من مشاعرنا أولا وإنسانيتنا ثانيا.