بت على قناعة بمقولة أن الفشل دائماً يبدو جديداً حتى حين يتكرر.
ولعلَّه الأمر الذي يفسر المتابعة والملاحقة المستمرة والمتواصلة لنا نحن معشر الإعلاميين للخبر الصحفي، فنحنُ لا نكل ولا نمل من متابعةِ إخفاقات عمل مختلف الوزارات، ونتفاجأ دائماً حين نسمعُ عن فشل في السياسات الحكومية، أو عن فشل في إدارة ملف مهم في إحدى الوزرات، وكأننا نسمع الخبر لأول مرة، وكأننا لم نكن نتوقعه، مع العلم أننا الأكثر قدرة على توقع الفشل، وعلى توقع النجاح، لأننا الأكثر دراية بتفاصيل الأمور لأننا من يستمعُ لوجهتي النظر الناقدة والمساندة، فنستطيعُ بسهولة تشخيص الخطأ ورصده وتقديم النصح، وتوجيه اللوم، لذلك، لم يكن عبثاً تسمية الصحافة بالسلطة الرابعة.
من مجمل الوزارات، تظل وزارةُ التربية والتعليم العالي ووزارة الصحة الأهم لي، أتابعُ أخبارهما وأنشطتهما بالتفصيل، لأن إيماني عميق بأن الدول تبنى بالتعليم والصحة، أي على أكتاف قطاعين مهمين يبنيان في المحصلة الانسان.
إلى الآن، لا يُحسبُ لوزارة التربية والتعليم إنجازٌ استراتيجي يُذكر، وذلك على خلاف ما تُشير إليه كثرة البيانات الصحفية التي سيكون مصيرها أرشيف الوزارة، ولا كثرة الصور التي لو كنا نستخدم تقنية تحميض الأفلام القديمة لتكدس لنا منها الأكوام فوق بعضها البعض.
وما أثير من شكاوى منذ ما قبل إعلان نتائج شهادة الثانوية العامة إلى اليوم، لم يكن مفاجئاً بقدر ما هو مفاجئ عدم تمكن الوزارة من تقديم نتائج صحيحة لطلابها، في مهمة تعتبر من أهم مهام الوزارة وفي صلب طبيعة عملها.
هنالك أربعة ملفات حساسة تثير سخط المواطن على وزارة التربية والتعليم:
الملف الأول سوء تقدير الأولويات: فبينما طرحت الوزارة منتصف العام المنصرم خطتها لرقمنة التعليم وتقديم الألواح الرقمية بدلاً عن الحقيبة المدرسية بذريعة التخفيف عن الطالب ومواكبة التطور التكنولوجي، تجاهلت الوزارة احتياجات الصفوف المدرسية، والتي تسببت في إثارة موجةٍ من الانتقادات خلال موجة البرد القارس بداية العام الحالي، حين تجاهلت مطالب طلبتها بتدفئة الصفوف المدرسية، وصرحت بأن الطلاب يدفئون أنفسهم وفق نظام التدفئة الجسدية الذاتية التي تتولد عنها طاقة تدفئ الصف بأكمله، فأثار الأمر برمته موجة من التهكمات والكوميديا السوداء.
الملف الثاني إضراب المعلمين: لم يكن لدى الوزارة رؤية واضحة للتعاطي والتعامل مع معلميها ومع مطالبهم العادلة والمشروعة حين أعلنوا عن إضراب شامل إلى حين تحقيق مطالبهم، حتى وصلنا إلى مرحلة كاد يتم فيها تهديد السلم الأهلي، فقد ابتعدت طريقة تعاطي الوزارة عن لغة الحوار وهي مسائل تربوية من الدرجة الأولى، وحاولت تشويه مطالبهم، وتعاملت معهم عبر نصب الحواجز واستخدام مكبرات المساجد، فارتدت إدارتها السلبية للازمة على علاقتها مع المعلمين ومع الطلاب، وما زالت الآثار السلبية لهذا الملف الكبير ممتدة إلى يومنا.
الملف الثالث نظام التوجيهي الجديد: والذي يضع العربة أمام الحصان، ولم يفهمه بعد سوى القلة القليلة، بسبب التصريحات المتضاربة بشأنه وعدم مقدرة الوزارة على تبسيطه للطلبة وذويهم، فهو بحسب تصريحات وزير التربية لا يعتمد نظام الفصلين وإنما نظام الجلستين، وهو يخفف العبئ التحريري للامتحان لكن على الطالب أن يتقدم لثلاث جلسات تحريرية، وهو نظام يعتمد على المدرسة لتقييم ملف إنجاز الطالب، فالمدرسة التي لم تعتمد الوزارة تقارير امتحان التكنولوجيا ونسيت بعض الطلاب، و"خربشت" بطلاب آخرين، فرسب البعض ونجح البعض بالخطأ، فكان الراسبُ ناجحاً والناجحُ راسباً ستكون هي المخولة بالفصل بملف إنجاز طالب التوجيهي في العام المقبل.
الملف الرابع سوء إدارة امتحان التوجيهي لعام 2016: وتمثل الإخفاق في عدة مراحل:
1. بعض المعلمين الذين اعتذروا عن استكمال عمليات التصحيح فقام بعضهم بتصحيح مواد غير مواد اختصاصهم، من قبيل أن قام أستاذ الجغرافيا بتصحيح مادة التاريخ، وأستاذ التربية الإسلامية بتصحيح اللغة العربية.
2. موعد إعلان النتائج، والذي يلتبس فيه الأمر على الطالب وولي الأمر ككل عام دون موعد واضح يخفف عن الأهل عبء التوتر والضغط النفسي، والذي تكرر هذا العام أيضا، ففي كل مرة كانت الشائعات تفتك بأعصاب الأهل وقبلهم كانت تفتك بأبنائهم.
3. إعلان النتائج وتسليمها للصحافة ولشركات الهواتف النقالة لإعلانها قبل تسليمها للمدارس، ما خلق حالة إرباكٍ وتوتر لمدراء المدارس أيضاً، ولمديريات التربية والتعليم.
4. إخفاق وزارة التربية والتعليم في نشر نتائج صحيحة، حين تقدم لوزارة التربية والتعليم شكاوى بسوء احتساب المعدلات وعدم جمع مادة التكنولوجيا، ما تسبب في رسوب البعض فيما هم من الناجحين، وتسبب في تدني معدلاتهم.
لعل الوقت قد حان ليردد القائمون على الوزارة مقولة سيوران: "أخطأتم حين راهنتم علي".