عادة لا أكتب في السياسة، فلست ممن يتقنوها لا هي ولا مفرداتها، ولكني وجدت نفسي أكتب فيها بعدما قرأت ما خطه كل من الكاتبين، والمحللين السياسيين المخضرمين، الأستاذ هاني المصري في مقالة بعنوان "استعدوا فالقادم أعظم"، والأستاذ سامر عنبتاوي في مقالة بعنوان "ما زلنا في مرحلة تحرر وطني فلا تبحثوا عن الحل"، واسترعاني ما كتباه والذي اتفق مع معظمه بشدة.
تحديدا حول أن هذا الوقت وبعد مرور كل هذه الأعوام، وهذه التضحيات، وفقدان مساحات شاسعه من الأرض لصالح المستوطنات، وتهجير لمزيد من اللاجئين، وتدمير للمخيمات سواء في لبنان او سوريا، ووجود سلطة فلسطينية على الأرض لها أركانها وأدوات سلطتها، ووزرائها وهيكلها كدولة، إلا اننا لم نبارح وعلى راي الكاتبين القديرين مرحلة التحرر الوطني غير الناجز بل لا زلنا نتوه في الوجهة وفي أسلوب تحقيق التحرر الوطني والأدوات المستخدمة، وفقدنا وحدتنا السياسية والقاسم المشترك الأعظم لها، وخسرنا وحدتنا الجغرافية بفصل غزة عن الضفة، وتراجعت بل وبهتت الفوارق في برامج اليمين واليسار في "حركاتنا التحررية"، وتراجع الاهتمام بالهم الوطني العام لصالح هم قوت العيش، وانشغل عموم الناس بتسيير أمور حياتهم اليومية كل في موقعه الجغرافي ولم نحقق سوى إنجازات قاصرة عن أن تكون ندا لما حققته إسرائيل سواء من قضم للأراضي، وزيادة أعداد المستوطنين في مناطقنا، وإستيلاء على موارد المياه، واختراق دولي تلو الآخر كان آخرها ما حققته من اختراق توج بإنشاء وتسيير خط طيران ما بين السعودية وإسرائيل، وأصبح البعض يرى فيها حليفا استراتيجيا مهما في مواجهة "العدو" الشيعي، ولم تبرح إسرائيل تُعاظم من تحالفاتها ومعسكرات التأييد العالمي لها سواء في إفريقيا، أو الهند، أو المعسكر الاشتراكي سابقا، أو الدول الأوروبية وغيرها، فيما نحن أصحاب الحق وأصحاب القضية نتراجع وتتراجع قناعات العالم بأننا جديرون بدولة، وبقدراتنا على القيادة بحكم رشيد، وغدت طموحاتنا في اضمحلال وانكماش دائمين، ويبقى السؤال الأهم لماذا يحصل هذا كله، وما العمل؟
برأيي أن السبب الرئيس لما نحن فيه هو أننا ابتعدنا عن برنامج موحد جامع ولو بالحد الأدنى، يعبر عن طموحات الشعب في كافة أماكن تواجده وترك كل تجمع يعنى بشؤونه دون وعي شمولي، وأصبح الثقل الأساسي للسلطة الفلسطينية بدلا من منظمة التحرير، واختلط الحابل بالنابل، وغدونا نعيش حالة ازدواجيه وانفصاما، ففيما بقيت مفرداتنا وأدواتنا السياسية وهياكلنا الحزبية وكأننا نعيش في حقبة نضال وتحرر، فيما الواقع على الأرض كان ولا يزال يبنى على شكل دولة ناجزة، أو قاب قوسين لها أن تنجز.
لسنا نعيش في ظل دولة ولا يمكن القول أننا نحيا في حقبة تحرر وطني، فمرحلة التحرر الوطني لها متطلباتها وحواضنها الاقتصادية والثقافية والتربوية والسياسية والنضالية، ولها أسسها ومدارسها الفكرية وأدواتها النضالية المتنوعة والمتعددة، وهذا غير موجود على الأرض بل غُيّب تماما و قراراتنا وسياساتنا وإجراءاتنا على الأرض لا تساعد على خوض معركة تحرر بل تساهم في إقصاء الجمهور عن الانخراط بالسياسة والعمل النضالي بحجة أن هناك من يمسك زمام القيادة وهو أخبر فيما يجب عمله، وبالتالي عمت حالة الترهل وعدم المبالاة وأصبنا كشعب وقيادة بالشيزوفرانيا، إلا من رحم ربي من قلة قليلة.
أما ما العمل؟ فبرأيي المتواضع وبعد هذه السنوات من التيه، ومن شُح الإنجاز ومن التراجع، يجب أن يخرج من رحم هذه الهزائم من يقرع جدران الخزان؛ ليبدأ من جديد ومن الصفر بإعادة تعريف "مشروعنا الوطني"، قبل أن نقول أننا في مرحلة تحرر وطني، وأن يتم تحديد الأهداف بجلاء ووضوح، وتحديد الأدوات والسبل؛ لتحقيق تلك الأهداف على قاعدة الشراكة الجمعية في العمل القادر على خلق البديل، والقادر على استنباط مهمات المرحلة والتراكمات المطلوبة، وعندها فقط سيكون لتحررنا وجهة وهدف، ويصبح لمرحلته معنى.