في لحظة ما، وعلى هول ما كانت تنقله الفضائيات العربية خاصة الخليجية، كان الرأي العام العربي يتمنى تدخلا –ولو من الشيطان- لمنع ارتكاب مزيد من المجازر على أيدي القوات الموالية للعقيد الليبي معمر القذافي، عندما كانت تزحف إلى "معقل الثورة" بنغازي. وبعد 3 سنوات أصيب المواطن العربي بالذهول من فظاعة ما يرتكبه تنظيم الدولة "داعش" في سوريا والعراق، وعاد ليتمنى لجم هذا التنظيم، أيا كان الفاعل.
ولا يمكن لعاقل أن يدافع عن نظام القذافي، أو أن يكون معجبا به، ولا بأسلوب تعامله مع الهبة الشعبية في بدايات ما كان يعرف بالربيع العربي. كما ان "داعش" ارتكب من الفظائع ما لا يحتمل.
ولكن في حرب "الناتو" على القذافي وحرب التحالف بقيادة الولايات المتحدة على "داعش" أكثر من صدفة تدعو لأخذ العبر أو عدم تكرار ذات الاخطاء على الأقل، فالقذافي كان صديقا لمن سارعوا لتشكيل التحالف ضده من قادة أوروبا خاصة فرنسا وايطاليا، هؤلاء اكتشفوا فجأة أن الرجل ديكتاتور يذبح شعبه. وكذلك "داعش" كان يحصل على تمويل أو غض الطرف على الأقل من دول تشكل الآن نواة التحالف لمحاربته. والفارق الزمني بين الصداقة والحرب لا يتعدى بضعة أشهر في الحالتين.
في حالة القذافي امتنع "الناتو" عن ارسال قوات برية إلى ليبيا واكتفى بالضربات من الجو على أن يقوم "الثور" بمهمة البر. وفي حال "داعش" تؤكد الولايات المتحدة وحلفاؤها مرارا على ان الحرب لن تتضمن إرسال قوات برية على أن تقوم المعارضة السورية "المعتدلة" بهذه المهمة.
حالة الرضى الشعبي العربي وان لم تكن بالاجماع على ضرب "الناتو" لقوات العقيد القذافي، أخذت بالتبدد بعد أن غرقت ليبيا في أتون حرب أهلية لا يبدو أن نهاياتها ستكون قريبة، وأخذت العصابات المسلحة تسيطر على مقدرات البلاد، وظهرت النزعات الانفصالية. وفي حالة "داعش" لا يبدو أن السيناريو سيكون مختلفا، فحالة الرضا عن ضربات التحالف قد تتبدل إلى سخط إذا ما تبين أن "داعش" لا يعدوا كونه شماعة لفرض أجندة التقسيم على المنطقة خاصة سوريا.
وقود هذه الأجندات هو الدم والشباب العربي الغارق في بحر من التيه، أما الغرب فهو يجري آخر ما وصلت إليه التكنولوجيا العسكرية لديه دون أن تسيل قطرة دم واحدة من احد جنوده.