أعجبني تحليله رغم اني ما وافقته...
أنا كنت لأول مرّه بشوفه، كنا جالسين في قهوة الهموز بعد صلاة عصر يوم الجمعه، وهاي العاده ورثتها أب عن جِدّ. أبوي كان من رواد قهوة الهموز، وجدي من قبله.
والقهوه في هيك أوقات بتكون مثل خلية النحل، الكل بلعب نرد أو ورق، بشرب شاي أو قهوه، ليمون أو بارد، والجميع وبدون استثناء حاطط بريش الأرجيله بثمّه؛ بسحب وبيحكي بطرف ثمّه، ومن فتره والثانيه بطلّع سحابة دخان من أنفه. ما كان في شِلّه بالمعنى الحرفي، إنتَ بتدخل على القهوه الجميع تقريباً بعرف الجميع، طبعا مع وجود مجموعات تعوّدت تقعد مع بعض، بس عادي وعادي جداً إذا دخلت على القهوة ووجدت مجموعه بتناديك تنظم إلها علشان يكمل عدد للطرنيب، أو البناكل.
ما كان حدا يتحرّج من هذا الموضوع، بل بالعكس كان الواحد يعمل معارف جديده، وكمان يفتح بزنس جديد مع ناس ما بعرفهم، وطبعا البزنس مش شرط يكون استيراد وتصدير، ممكن طراشة دار، تفصيل طقم نوم، ورشه ألمنيوم، ورشة قصاره أو بلاط، ومن واحد لواحد نعمل شغل للأسبوع الجاي، وبهذه الطريقه كانت قهوة الهموز مش بس مقهى، كانت بورصة أعمال وحكي بالتجاره، ومرات كانت تشهد القهوه مولد زواج جديد لمّا واحد يسأل الحاضرين عن وحده بنت عالم وناس لأبنه أو لابن عمه.
اليوم كان في زلمه مع مجموعتي بيكون صهر أبو اسامه شريكي في المحل، من سكان جنين كاين في زياره لصهره، بعد العصر أجا مع أبو اسامه على القهوه. تعرفنا على الزلمه، وصرنا نحكي ونلعب ونأرجل، هو رفض الأرجيله، وقال: أنا ارجيلتي دخان عربي من يعبد، ما بقدر اتخلى عنه.
طبعا في القهوه بصير حكي بين الزلام ربنا وحده اللي بيعلم فيه.
عن الجن والسحر والموت والغيب واليهود، عن فتح وحماس، عن أبو عمار وأحمد ياسين عن أبو مازن وخالد مشعل، عن الملك سلمان والملك عبد اللـه عن الصين واوروبا ودبي، عن وسوريا واليمن وداعش والقاعده، وطبعا وأكيد عن النسوان، وأكثر شيء بستهوي مرتادي المقاهي هو الحكي عن النسوان وقصصهم معهم، وبتوصل المواضيع أحياناً لأشياء حساسه، وخاصه جداً.
صهر أبو أسامه شريكي، كان طول الوقت ساكت، بس عيونه تلعب في كل الإتجاهات، وعيونه ما إلها شبه غير عيون الثعالب، ملونه وبتطفح خبث ومكر ودهاء، وأنا هذا النوع من الناس ما بحب التعامل معها، دون معرفة الأسباب.
هو كان جالس وشايف اللي بلعبوا كلهم، وشايف ورقي وورق أبو اسامه، وعيونه تتراقص بين الورق ويقرأ في عيون اللي مش شايف ورقهم انفعالاتهم، وشكله من النوع اللي بفهم بهاي اللغه.
واحنا بنلعب صار الحكي عن يوم القيامه وأنه القيامه مطوله، وكمان في علامات للساعة ما ظهرت بعدها، وأنه القيامه علمها عند رب الكون اللي ما أعطى علمه لحدا، وطبعا إذا حضرت القيامه حضر الأعور الدجال، الزلمه صهر أبو اسامه شريكي في المحل فتح ثمه لأول مره وقال فجأه:
_ القيامه مش مطوله، وأصلا الأعور الدجال موجود بينا..
الجميع اطّلعوا ببعض ولا واحد حكى كلمه، يمكن الجميع حاولوا يتأكدوا من بعض أنه ولا واحد فيهم الأعور الدجال، لأنهم اطلعوا على صباحات بعض وتأكدوا أنه مش مكتوب عليها كافر، وكمان أنه موجود زوج عيون في وجه كل واحد مش عين وحده.
لما ما وجودوا إشي، ما حدا حكى كلمه، واعتبروا حكي الزلمه زلة لسان، وما حبّوا يحرجوا أبو أسامه مع ضيفه. ورجعوا يلعبوا.
قال: العبوا واسمعوني..
إذا بدّوروا على الأعور الدّجال بعين وحده، فهذا مش رح يجي، لا اليوم ولا يوم القيامه.
أبو أسامه صار بدّه يدافع عن إشي مش عارف وين وكيف وليش بيصير هيك، بس صهره قله:
_طوّل بالك.. طوّلوا بالكم عليّ شوي.
_ شو الإشي الوحيد اللّي بميّز الناس العايشين في عصرنا الحالي وكاسر خاطرهم؟.
كان تركيزنا في اللعب بلّش يتراجع، وكمان احنا عقولنا ومستوى تركيزنا وثقافتنا على قدرنا، أنا وأبو اسامه شراكه في مشغل خياطه في راس العين، أبو نائل عنده ورشة ألمنيوم في الخلّه، وأبو فؤاد بلّيط، يعني معلوماتنا متواضعه، وكلهم أكمّن معلموه بنسمعهم يوم الجمعه من خطيب المسجد أو من إذاعة القران الكريم، أو من أخبار الجزيره أو صوت اسرائيل أو راديو أجيال وتقريبا عايشين فيهم، وأنه الأعور الدجّال عايش بينا، ويسألنا شو الإشي اللي بميّز الناس اليوم فهو من نوع الحزازير اللي بتتحدى عقولنا وما بنحبها.
ابو فؤاد قال:
الناس اليوم أكثر شيء بعملوه انهم بقلدوا بعض، أخت المره جابت كنبايات صارت بدها كنبايات مثلهم، جارتها عزمت صاحباتها، بتصير بدها تعزم صاحباتها، الولد صحابه بدهم يروحوا يسهروا في رام الله صار بدّه يسهر معهم، وعلى هذا المنوال الناس اليوم عايشين، كل حياتهم تقليد وغيرة.
وافقنا جميعنا، لكن صهر أبو أسامه قال:
كلامك صحيح بس في إشي ثاني، وما حكى عنه علشان نفهمه.
أبو أسامه ويمكن على سبيل المجامله، قال:
الناس اليوم دينها سكر خفيف، يعني اللي كان زمان ممنوع وحرام، الناس طَلّعوا فيه فتاوي وصار حلال، وأكبر دليل البنوك، الكل اليوم ماخذ قرض وبقولك ما في طريقه غير هيك، وطبعا طَلعوله أسماء ثانيه غير الربا.
بعد ما استنفذنا فكرنا وتركيزنا نطق الزلمه أبو عيون شبيهة عيون الثعالب وقال:
الأعور الدجال بعين وحده، والناس بتعتقد أنه المقصود عين وحده في نص وجهه، وهذا مش صحيح، لأنه صعب العين تظهر في نص الوجه، وكمان مستحيل يكون مكتوب كافر على جبينه.
أبو أسامه صار محرج من كلام صهره التفت نحوه وقال:
_أبو شامح قول كلام غير هذا الكلام، أنت شو عرّفك، لا إنت شيخ ولا داعيه، ولا فقيه ولا مفتي، طول عمرنا بنعرف أنه الأعور الدجال رح يطلع في آخر الزمان ويكون بعين وحده، وعلى جبينه مكتوب كافر، ووحده المؤمن هو اللي بقدر يشوف ويقرأ الكلمه على جبين الأعور الدجال.
وبهدوء العارف، ضم أصابع إيده وأشار بها وقال:
_حلمك عليّ.. أنا ما قلت غير هيك، بس المقصود بعين وحده مش العين الماديه اللي في وجوهنا، واشار إلى عيونه.
_المقصود بالعين الوحده هو اعتداد المرأ برأيه، إنّه كل واحد شايف من زاويته هو ومتأكد أنه اللّي شايفه هو الصح، وغيره باطل، هو اختلاف الناس في الرأي، وعدم اجتماعهم حتى على ابسط الأمور.
لاحظ هذا الأمر في بيتك، أيامنا كان أبوي ولا أبوك يحكي الكلمه والجميع يقول حاضر، اليوم أصغر ولد ولاّ بنت بقولك أنا عندي رأي ثاني، وثالث ورابع وعاشر.
إذا كنا على مستوى الأسره والبيت الواحد عنا عشر وجهات نظر فما بالك في العيله الكبيره، والحموله، والحي، والقريه والمدينه والوطن، والعالم العربي والإسلامي.
كنا جميعا صرنا مخدرين بهذ الحكي، وبطلنا نلعب ونسمع لهذا الساحر اللي بحكي كلام اقنعنا، هذا اللي كنا نسأل حالنا ليش ابو اسامه جابه، وكنا مش راضين عن قعدته ونظراته.
واصل حكيه واحنا نسمعه.
علشان هيك ما حدا راضي لا عن حاله ولا عن غيره، اسأل الأب راضي عن أولاده، بقولك لأ، اسأل الأولاد راضين عن أبوكم، بقولولك لأ، اسأل المره راضيه عن جوزك، بتعمل حالها مش سامعه وبتروح تطبخ، اسأل الزلمه راضي عن مرتك ببرم بوزه شبرين وبسرح في خياله.
اسأل الشعب راضي عن حكومتك، رئيسك، نصيبك، وظيفتك، مركزك، راتبك، سيارتك، بيتك، عن أمك اللي جابتك، صدقوني ما حدا راضي، يا سيدي اسال أكبر مستثمر في البلد/ من اصحاب الملايين وبديش أقولكم من اصحاب المليارات، راضي عن حياتك، عن استثماراتك، عن الدنيا اللي اعطتك وحرمت غيرك، رح ييجيه تلفون من بورصة طوكيو ولا نيويورك وما يجاوبك لأنها الأسهم طالعه نازله. وأقل طلعة بيعمل مصاري بتعادل ميزانيه بعض الحكومات. وإذا نزلت ببلش يعمل تقليصات في العماله والأجور واللي مش عاجبه يشرب من ميّة البحر.
بصراحه اللي ما بعرفك بجهلك، احنا هذا الحكي عمرنا ما سمعناه، بس كلام مقنع، وموضوع اعور الدجال هذا يعتبر إشي صغير مقابل الكلام الكثير اللي سمعناه عن حال الناس اليوم وأحوالهم.
طبعا أبو شامخ صهر أبو اسامه أثار إعجابنا في كلامه، وكمان حرّك مشاعر كثيره في نفوسنا وقلوبنا، وصار كل واحد فينا يتأمل حاله وأحواله في البيت والشغل والشارع إذا كنا كلنا أعور دجال شايفين الدنيا بوجهة نظرنا الخاصه، اللي هو رأينا الخاص وغيره غلط. وكمان إذا كنا بجد مؤمنين بالله وملتزمين بالدين عن حق ولاّ إشي ثاني.
صحيح أبو شامخ نزعلنا مراقنا، وخرّب لعبة اليوم، وروحنا نحكي مع حالنا، بس ظلينا نفكر بالموضوع لوقت طويل.
ثاني يوم السبت أول ما شفت أبو اسامه، هددته إذا أبو شامخ بصير جاي مره ثانيه على قهوة الهموز، كل موضوع شركتنا في مشغل الخياطه رح يكون في مهب الريح.