الحدث- بقلم: د. مشهور أبودقة
خدمات الاتصالات الحديثة هي حق لكل فلسطيني، وهي خدمات أساسية للتعليم في كافة مراحله، وهي ضرورية لتطوير الإمكانيات الاقتصادية والاجتماعية الكاملة للفلسطينيين، وكذلك خدمة مهمة جدا لتوحيد ولم شمل المجتمع الفلسطيني في جميع أنحاء العالم (حتى لو في الفضاء الافتراضي)، يجب إتاحة خدمات اتصالات حديثة وبأسعار معقولة لكل مواطن فلسطيني، ولكل الأعمال التجارية وكل المؤسسات الفلسطينية.
في الظروف الاستثنائية التي نمر بها اليوم، حيث لا نزال نخضع للقيود على الحركة، وهي مفروضة من الخارج، هناك حاجة اجتماعية وتجارية أكبر لشبكة اتصالات متقدمة. فسياسة واضحة لقطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية تساعد على توجيه ودعم الهدف السياسي بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
استثمارات مهارات الفلسطينيين التعليمية العالية، ومواهبهم، وقدراتهم المتقدمة، يمكن للشعب الفلسطيني أن يصبح لاعباً إقليمياً كبيراً في مجال الاتصالات والتكنولوجيا، وفي تطوير مجتمع المعلومات المتقدم. هذه الآمال لا تتوقف عند حدود فلسطين التاريخية، حيث يعيش أكثر الفلسطينيين خارج فلسطين من العيش داخلها. إن تطوير خدمات اتصالات اقتصادية وبجودة عالية داخل فلسطين تساعد على إعادة المهارات والمواهب الفلسطينية في الشتات للاتصال بفلسطين وبناء شراكات على جميع الأصعدة.
خدمات الاتصالات السلكية واللاسلكية لا تحقق فوائد لمستخدميها فقط. إنها كذالك تمكن الشركات على خفض تكاليفها؛ لتقديم خدمات جديدة للوصول إلى أسواق جديدة فتصبح أكثر قدرة على المنافسة، وخصوصاً في الأسواق العالمية، هذه الفوائد لها آثار غير مباشرة أوسع للاقتصاد الوطني. أظهرت دراسة حديثة أجراها البنك الدولي في 120 دولة أن كل زيادة قدرها 10٪ في انتشار خدمات النطاق العريض في أي بلد يتبعه نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلد (GDP) بنحو 1.3٪، وأن هذا التأثير أقوى في البلدان النامية منها في البلدان المتقدمة، كما أن الزيادات في انتشار الاتصالات الثابتة والمتنقلة لها تأثير مماثل، ولكن أقل على نمو الناتج المحلي الإجمالي.
إن تطوير قطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية، وكبح العمليات غير المرخص لها (التهريب من إسرائيل وخصوصاً من المستوطنات)، يحقق مكاسب على المدى القصير للسلطة الفلسطينية، ومكاسب مالية على المدى البعيد من الرسوم المتعلقة بإصدار تراخيص تنافسية جديدة، من خلال النمو في الناتج المحلي الإجمالي، وضريبة القيمة المضافة وغيرها من الضرائب التي يسددها هذا القطاع.
من هذه الخلفية الهامة، دأبت الدول المختلفة على اتباع أساليب خلاقة مبنية على مفاهيم مشتقة بالأساس من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بما في ذلك حقه بالتعليم وحقه بالعمل وحقه بالأمان وحقه بالرفاهية الاجتماعية، فشرّعت معظم الدول قوانين، ونظمت الخدمات الأساسية بشكل يضمن مشاركة جميع أطياف المجمتع، ومن أهمها مجتمع مستخدمي هذه الخدمات (قطاع المستهلكين للخدمات)، إن صح التعبير.
تعريف الشبكة المفتوحة Open Access وحق المرور وحق الدخول
تتعدد وتتنوع خدمات الاتصالات التي يمكن للمستهلك الحصول عليها من خلال الشبكة الواحدة، على سبيل المثال، نستطيع اليوم الحصول على خدمات الهاتف والإنترنت والتلفزيون والإذاعة من خلال شبكة الاتصالات الأرضية الثابتة، وبالمثل يمكن الحصول على نفس الخدمات من خلال الأقمار الصناعية وشبكة الهواتف اللاسلكية؛ للسماح لمزيد من المشغلين الجدد ومقدمي الخدمات مثل شركات الكوابل (التلفزيون) وشركات مزودة الإنترنت وغيرها التي قد تقدم نفس الخدمات ولزيادة المنافسة ورفع جودة الخدمات وهذا قد يعني تخفيض الأسعار مما يجعلها في متناول الجميع. دأبت الحكومات المختلفة والمؤسسات الدولية مثل ال ITU على تطوير سياسات جديدة تعرف بسياسة الشبكات المفتوحة Open Access، وترك لهيئات مستقلة (هيئة تنظيم قطاع الاتصالات في هذه الحالة) يشارك بها المجتمع المدني (قطاع المستهلكين) لتنظيم هذه المنافسة.
إن سياسة الشبكات المفتوحة تتعدى الطرف النهائي للخدمات، بل تدخل في بناء هذه الشبكات على الحق العام ومنح الامتياز وتكلفة بناء الشبكة وانعكاس ذلك على تسعيرة الخدمة المقدمة للمستهلك.
تقدر تكاليف البنية التحتية من إنشاءات وعمليات الحفر والردم وتصليح الشوارع ووضع التمديدات الأساسية من أنابيب وأعمدة وأعمال التشييد الأخرى تقدر ب60 إلى 70% من التكلفة الإجمالية لمشاريع توصيل خدمات الاتصالات المختلفة للمستهلك النهائي.
إن وجود البنية التحتية للخدمات الأساسية على الحق العام (من شوارع، طيف ترددي، أنابيب مياه أو مجاري، أعمدة أو أسلاك كهرباء أو اتصالات، سكك حديد..... الخ) يوجب استخدام هذه البنية التحتية بأفضل الطرق؛ لتيسير المرور أو الدخول لهذه البنية، لتقديم الخدمات من قبل شركات مرخصة لها من قبل الحكومة لتقديم أفضل الخدمات وبأقل تكلفة ممكنة لمستقبلي هذه الخدمات الأساسية. والتركيز على أن منح الامتيازات، لا يلغي الحق العام. كذلك تعتبر أرقام الهواتف الثابتة والمتنقلة ملك عام ويخضع للتنظيم من قبل الوزارة أو الجسم المنظم المستقل.
دور الحكومة والتشريعات
المجلس التشريعي من خلال التشريع يضمن إتاحة الفرص المتساوية لجميع المستثمرين، وكذلك يوفر التشريع البيئة التنظيمية الشفافة، وبمشاركة الجهات المعنية وأهمها قطاع المستهلكين أو مستقبلي الخدمات. قد تمنح الامتيازات الحصرية أحياناً لفترة زمنية محددة (على أن تكون الملكية للحق العام) لإتاحة الفرصة للمستثمر كي يبني شبكة خدمات بجودة عالية دون القلق على استعادة أمواله المستثمرة، مع مراقبة أسعار وجودة خدمات صاحب الامتياز أو الحصرية من قبل الحكومة أو المنظم، حيث يتم احتساب سعر التكلفة بالإضافة إلى عوائد الربح المسموح بها، حيث لا توجد منافسة في السوق، وعلى الحكومة ضمان عدم استغلال السوق من قبل مالك الامتياز أو الحصرية. على سبيل المثال في سوق الاتصالات يستخدم نظام عالمي متعارف عليه يسمي اللرك LRIC (Long Run Incremental Cost) لحساب سعر تكلفة استخدام البنية التحتية (وهي تكاليف شبه ثابتة ومتوقعة لفترة زمنية معينة) بدلا من تحديد الأسعار حسب تسعيرة الوصل أو الربط (interconnection) التي تعتمد على أسعار مقارنة وتقديرية، وعليه تستطيع في هذه الحالة وزارة الاتصالات (في ظل غياب المنظم المستقل) احتساب تكلفة المرور خلال شبكة الاتصالات للمرخصين وتوصيل الخدمة للمستهلك. بذلك تستطيع كافة الشركات المقدمة لخدمات الإنترنت المنافسة، وكذلك تم الفصل بين شركة الاتصالات (مالكة شبكة الاتصالات الثابتة) وشركة تزويد الإنترنت المملوكة للشركة (حضارة هنا) وذلك لعدم السماح للشركة الأم (شركة الاتصالات) تقديم الدعم المادي من الباطن لحضارة لضرب المنافسة الشريفة في السوق.
تقوم بعض الحكومات في الدول المتقدمة ببناء، أو المساهمة ببناء البنية التحتية دون اللجوء لمنح الامتيازات لشركات استثمارية، وتمنح امتياز إدارة استخدام هذه البنية التحتية لجهة مستقلة غير ربحية لإتاحة الفرص المتساوية لشركات مرخصة بالتنافس وتقديم الخدمات المختلفة للمستهلكين. يهدف الدعم الحكومي لتطوير الاقتصاد من خلال هذه المساهمة خصوصا في قطاع الاتصالات الحيوي لبناء مجتمع مبني على المعرفة والإبداع، وفي كل الأحوال تقوم الوزارة أو الجسم المنظم بمراقبة تطوير البنية التحتية لضمان الحيادية التقنية وعدم احتكار أي منظومة من التقنيات للبنية التحتية وبذلك إجبار الشركات المتنافسة على استخدام نفس التقنيات.
قانون الاتصالات
قانون الاتصالات المعمول به الآن هو قانون الاتصالات لعام 1996، لقد كانت هناك محاولات جدية لتقديم قانون اتصالات عصري عام 2008 قرار بقانون، لكن لم ينجح حيث تم الخلاف على تشكيل الهيئة المستقلة لتنظيم قطاع الاتصالات، وبقي الأمر على حاله إلى يومنا هذا.
إن قانون الاتصالات 1996 والمعمول به لا يتطرق بشكل واضح وصريح لاستخدام البنية التحتية الخاصة بالاتصالات للسماح لأطراف أخرى بالمنافسة لكن عملت الوزارة على مدى فترات زمنية مختلفة بالتطرق لحق المرور وحق الدخول عن طريق إصدار قرارات حكومية أو وزارية لاستغلال البنية التحتية القائمة على تشجيع المنافسة وتخفيض سعر التكلفة، على سبيل المثال، نظام ال BSA النفاذ المباشر والسماح لشركة الكهرباء بتمديد ألياف ضوئية لاستخدامها للاتصالات من قبل شركات اتصالات مرخصة.
على سبيل المثال:
المادة 28
ح- يتعهد المرخص له بتقديم الخدمة لطالبها أو المستفيدين منها على قدم المساواة بينهم باستثناء الأمن الوطني أو ما يعتبر من قبل التسامح لأسباب تشغيلية أو اجتماعية أو إنسانية.
ثم:
ك- مدى حق المرخص له بتأجير أو إعادة بيع الخدمات الفائضة عن حاجته للغير.
ل- التعاون مع جميع حاملي الرخص الآخرين من أجل تسهيل تقديم الخدمات للمستفيدين.
بالرغم من أن القانون المعمول به حالياً غير كافٍ، إلا أن هناك مواد في القانون تسمح للوزارة، والتي تتصرف كمنظم لقطاع الاتصالات في غياب الهيئة المستقلة لتنظيم قطاع الاتصالات، أن تجبر المشغلين على المشاركة في البنية التحتية لأي منها، وبالأسعار التي تحددها الوزارة حسب سعر التكلفة، على سبيل المثال، المشاركة في استخدام أبراج الاتصالات أو استخدام مراكز تخزين المعلومات أو البدالات التي تستخدم للهاتف النقال أو الثابث، وهذا يعرف ب Co-location. المستهلك يكون المستفيد الرئيس من ذلك، حيث إن تخفيض التكلفة ينتج عنه أسعار خدمات مخفضة نسبياً، والشركات المهيمنة عادة تقاوم ذلك نظراً لهيمنتها على السوق وميلها في العادة للاستمرار بهذه الهيمنة، والتي تجعلها تحتفظ بنسبة أرباح دون منافسة جدية.
رخص الاتصالات
التوجه العالمي الجديد أن تمنح رخص الاتصالات لتقديم خدمات معينة لتستطيع الجهة المنظمة مراقبة جودة الخدمة وتمنع الاستخدام غير المشروع للتقنيات الحديثة، أما عمليات بناء البنية التحتية فتخضع لموافقات رسمية أخرى مثل البلديات ووزارات تهتم بالبنية التحتية مثل الشوارع أو المجاري أو مشاريع تمديد المياه.......الخ.
هذا التوجه يتيح لمشغلي تقديم خدمات الاتصالات المشاركة في استخدام البنية التحتية؛ وبالتالي تخفيض التكلفة والسعر الذي يقوم بدفعه في النهاية المستهلك.
دور المنظم
منح التراخيص طبقاً لسياسة الحكومة/ الوزارة، وتحديد أنواع التراخيص ورسوم التراخيص.
الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية/ الطيف الترددي، أرقام الهواتف، وتنظيم الشبكات المشتركة وحق الدخول وحق المرور.
الخدمات العامة والشاملة، Universal Services مثل خدمات لجميع المناطق كما توضحه الرخصة الممنوحة، خدمات الطوارئ، خدمات الهواتف العامة، خدمات الدليل.
تعريف من هو المهيمن، يترتب على ذلك العديد من الالتزامات المتعارف عليها دولياً، منها فتح الشبكة لمشغلين جدد وتطبيق نظام ال LRIC ويخضع المهيمن لرقابة على الأسعار وجودة الخدمات الشاملة وسلامة الشبكة وصيانتها.
منع إجراءات تحد من المنافسة من قبل المهيمن.
مراقبة الدعم من الباطن Cross subsidy
الربط البيني وتسعيرة الربط Interconnection and pricing وتشجيع دخول مشغلين جدد.
لماذا استقلالية المنظم؟
إن استقلالية المنظم لا تعني الاستقلالية عن سياسة الحكومة أو الوزارة، بل بالعكس المنظم يقوم بتطبيق سياسة الحكومة ممثلة بالوزارة، الاستقلالية تعني هنا التطبيق لسياسات الحكومية واتخاذ الإجراءات والعمليات مثل منح التراخيص..... إلخ كما سلف الذكر، وهي الفصل بين المنظم والمنظمين والاستقلالية من التأثير السياسي والاقتصادي على اتخاذ القرارات ذات الطبيعة التنظيمية والبعد كالبعد عن أي تأثر من تدخل ما يسمى اللوبي.
بدالات الإنترنت Internet Exchanges
عملياً هي نقاط ربط توصل مقدمي خدمات الإنترنت بعضها ببعض، للحفاظ على بقاء المراسلات المحلية محلياً، فلا داعي لأن تملأ الخطوط الخارجية بمراسلات محلية أصلاً. معظم بدالات الإنترنت تقدم كذلك خدمات تعرف بالكاش Cashing، وهذا يوفر كثيراً من المال على مقدمي خدمات الإنترنت، حيث يكون طلب تصفح صفحات الإنترنت غالباً من خلال وصلات الاتصالات والخوادم المحلية.
لقد قامت جمعية الإنترنت الفلسطينية ISOC (جمعية غير ربحية تمثل مستخدمي الإنترنت) بإنشاء أول بدالة للإنترنت في فلسطين، وهي موجودة في رام الله ويشبك على هذه البدالة معظم مقدمي خدمات الإنترنت، إلا أن بعض مقدمي خدمات الإنترنت "الكبار" ما زالوا خارج البدالة مما يضر بمصالح المستخدمين بشكل عام ويرفع أسعار الإنترنت بشكل غير مبرر. لقد طلبت جمعية الإنترنت من الوزارة أن يكون شرط من شروط تجديد ترخيص أي مزود إنترنت هو التزام هذا المزود بالربط بالبدالة لما في ذلك من مصلحة عامة، وقد وافقت الوزارة مشكورة على ذلك.
إن ربط جميع مزودي الإنترنت والجامعات والشبكة الحكومية والشبكات الكبرى الأخرى بالبدالة سوف يؤدي حتماً إلى تخفيض أسعار الإنترنت للمستهلك بشكل ملحوظ.
إطار عام للنهوض بقطاع الاتصالات وانتشارها كخدمة حيوية متاحة للجميع