بقلم: عفاف خلف
الفضاء أفقٌ يعانق البحر، البحر غيم أسرارنا التي أمطرت وتوازعت الأرض ملح ترابها فأنبتت شجراً، بشراً، إنساناً يحمل جينات بدايته وتختلف به السبل وحتى النهايات. بداياتنا “ ثورة “ ونهاياتنا..
من يرغب بستائر الغيم تنسدل على المشاهد مطراً فتنبي بخلقٍ جديد!.
من يؤثث للغيم البدايات!
لم تكن السماء بعيدة، كانت بقرب الشعب الذي لا يموت ولم نطرق باب السؤال: هل الشعوب تموت؟
فقد قطع الشك بيقين إجابته: إذا كانت المبادئ خاطئة فإن الشعوب تموت.
على بُعد خطوةٍ من الغيم وددتُ لو أسأله: عن أي مبادئٍّ نتحدث! من يقرر الصواب ومن يقرر الخطأ، من يضعُ ميزان الخير والشر وينّصب روحه كفةً راجحةً برجحانها يعتدلُ الكون ويتزنُ!
قال: لا تعوزنا الثقافة، لدينا مثقفين يفوقون ما تنتجه الأرض من غبار، ما يعوزنا الوعي. ذاك الوتر الذي يُقض مضجعك ليلاً ونهاراً ويتحفّز، ينقض عليك. يضعك في مواجهةٍ دائمة، مع العالم، مع ذاتك، مع الآخرين، مع ما يكون وما يصير. نحن سيدتي مشروع أمةٍ لم يكتمل. ما زلنا على أعتاب أندلسٍ لحظة خروج. لم نخطو بعدها خطوةً واحدة. ما زلنا لم نبرح الأبواب، خرجنا بحثاً عن أمة، ووجدنا قبائل وعشائر وعائلاتاً متناحرةً، فتناحرنا. واستمسكنا بالولاءات كعروةٍ وثقى، فسقطنا.
الولاء عزيزتي – كما يقول أورويل – “يعني انعدام الوعي” يعني أن نعّلق تفكيرنا، فثمة شخصٍ، عائلةٍ، حزبٍ، قبيلةٍ، جهازٍ ما يفكر عنك، يعفيكَ من مسؤولية القراراتِ الخاطئةِ وحتى الصائبة منها. كل ما علينا فعله أن نمضي محكوميتنا في هذه الحياة، محكومٌ علينا العيش فترة زمنية ما بوعيٍّ معّلق. فامضِ بحكمكِ حتى نهايته وامضِ دون أثر.
كان الغيم يُقاسم السماء زرقتها في ذاك المساء الصيفي، وينسكب على الأفق خطوطاً سوداء. تمنيتُ لو أمسك ضرع الغيم، لو يندفق سائل السماء وأحظى ببدايةٍ جديدة لأولئكِ الذين وقف بهم مشروع الحلم إلى اللامكان، ربما فقدوا مشروعية الحلم أيضاً.
قال: خسرنا حتى الأحلام، لم يعد لدينا هدف، أتعرفين ذاك النداء “لك شيءٌّ في هذا العالم، فقمْ” . كل صباحٍ يتمزق ذاك النداء قليلاً، كل صباحٍ ما عاد فاتحةً لجديد. توقفنا عن فتح نوافذنا للحياة، الآن أفتح الموبايل فقط، وأغلقُ على نفسي الباب.
رأيتنا واحاتُ جدب وتفرد، رأيتُ فاقتنا عياناً.
قال: يقول أورويل “إذا استطاع المرء أن يشعر بأن بقاءه أنساناً هو أمر يستحق التضحية من أجله، حتى لو لم يُؤد ذلك إلى نتيجة، فإنه يكون قد ألحق به الهزيمة”.
تراءات أرضُ معركةٍ، أراضٌ متنازعٌ عليها، رأيتُ الشهداء يسقطون، الإنسان يسقط، رأيتُ وجه الأرض المشطوب بالدبابات وقاذفات الصواريخ، رأيتُ الرعب وكانت السماء قبوراً كالحةً تنتظر القيامات، وكان الشعب يُجدد يمين الولاء.
قال: “إذا كنت تريد أن تستشرف صورة المستقبل، تخيل حذاء يدوس ويدمغ وجه إنسان إلى أبد الآبدين.”
أعرفُ أنه أوريل، صرختُ:
“ألقاك في مكان يغمُره الشعب/ الوعي.. حيث لا ظلام”.