كلّ أحد.. كلّ شيء.. يأتي.. كلّ أحد.. كلّ شيء يرحل.. و أنا وحدي هنا.. حائرةٌ آناً.. و واثقةٌ برهةً أخرى.. أذهب و أجيء.. يضيق بي المكان حيناً.. و يتسّع أحياناً.. الوقت يمضي سريعاً مني.. و كلّ ما أريده القليل منه.. القليل من الوقت حتى أعيش حلمي.. هذا الحلم الغرّ بي دائماً.. كلّ يوم كـ الحياة يبزغ بقوة.. و يبرعم رويداً رويدا على مهله..
حلم بسيط جيداً.. حلم الرحيل البعيد.. حيث لا أحد.. حيث لا شيء.. سواي.. هناك.. عند حرف اللاعودة.. تكون صومعتي.. محراب صغير بحجم قلبي.. كبير بحجم كونه..
في الحلم.. أخلع عني كلّ شيء.. كلّ ما حملت منهم طواعية.. كل ما حملت عنهم بالإجبار.. أخلع عني كلّ قيد.. درع الزواج الثقيل بي.. شال البنوة الضيق عليّ.. فستان السيدة العاقلة المهلهل لي.. حتى عباءة الأمومة الهفهافة.. سأطويها مرهفة داخلي.. في ثنايا الروح مني..
أخلع كلّ هذا عني لأعود كما أتيت أول مرّة.. لا شيء يغطيني.. لا شيء يستر حقيقتي.. و أمضي نحو البعيد.. ناصعة كـ نور.. خفيفة كـ هواء.. رقراقة كـ ماء.. حافية القدمين كـ نبي.. مسدلة الشعر كـ إله.. أترك الريح تضرب وجهي.. أفتح للكون جهات.. أتعشّق نثار الشمس و أغزله دثار..
في الحلم.. أترك كلّ أحد.. أترك كلّ شيء.. أهجرهم.. أهجر مدينتي.. شارعي.. بيتي.. أهلي.. و ناسي.. لا لسوء هنا.. لا كرهاً فيهم.. إنّي لن أتركهم خلفي فعلاً.. بل أحملهم فيّ.. في كلّ الحبّ الذي منحوني إياه.. الذي خبّؤوه فيّ.. سأترك كلّ شيء.. و أحمل الحبّ معي.. أحمله و أوسع خطايّ بعيداً.. أتبع مسّاً وُلِد معي.. لديّ الكثير من الإجابات.. التي لا تكفيني.. أريد المزيد من الأسئلة.. أحمل إجاباتي.. عن الوجود.. عن الربّ و الحبّ.. و أمضي حتى أعيش وجودي.. ربّي و حبّي.. أمضي إلى جنوني.. نزقي.. قلقي.. إلى شغفي.. إلى كلّي.. نبعي الذي لا ينضب من الأسئلة..
في الحلم.. ألوذ إليه.. إلى قلبي.. نتقاسم صومعتنا.. أمارس معه الحياة طقوساً بدائيّة.. صلاة وثنيّة في تعبّد إلهي.. الروح ترفو بالجسد.. حيث الحبّ.. هناك أتوّحد معه.. في رغبات اللانهائي منه.. و أفوح في نوره.. أسبح في اللذّات التي تسيل في هوائه.. و أطلق النشوات وهجاً ينثرها ماؤه..
هناك.. أعيش حقاً طيني.. مائي و ترابي.. و أخلق جسدي من انعتاق روحي.. في ارتشاف الحبّ.. ترابي بمائه.. و مائي في ترابه.. و نصير طينا واحداً.. في سلام ناري.. و طمأنينة نوره.. نجبل الكون من جديد.. و نصير روحاً واحداً.. جسداً واحداً.. وهجاً لا يذوي أبداً..
في الحلم.. لا أحد يأتي.. لا شيء يرحل.. هناك فقط كون.. كلّ يوم يتفجّر حياة أبداً..
و أكون عاشقةً لا تموت..