الحدث- علا عطاالله/غزة
لا يكترث الشاب الفلسطيني أحمد سليم، لتوسلات والديّه، بالعزوف عن فكرة السفر إلى الخارج، فرغبته الجامحة في مغادرة قطاع غزة، تزداد ساعة بعد أخرى.
ويستعد سليم (27 عاما)، كما يقول لوكالة الأناضول، للسفر إلى النرويج حيث يُقيم أحد أقاربه، الذي وعدّه بأن ثمة وظيفة جاهزة في انتظاره.
وأضاف:" في غزة، الأوضاع لم تعد مستقرة، وازدادت سوءا بعد العدوان الإسرائيلي الأخية، لقد تخرجت منذ 6 سنوات، من كلية الهندسة، ولم أجد حتى اليوم، أي عمل أو وظيفة، الإحباط تسلل إلينا، سأسافر قبل أن يقتلني اليأس".
وما من حديثٍ على لسان أهالي قطاع غزة، هذه الأيام سوى التفكير بالسفر إلى الخارج، إما للهجرة، أو البحث عن العمل، أو الإقامة لسنوات بعيدا عن "اللاحياة" كما يقول سعيد نعيم (35 عاما)، لوكالة الأناضول.
ويُضيف وهو يُشير بيده إلى الركام الذي خلّفته الحرب الإسرائيلية في شوارع قطاع غزة، إنّ القصف، لم يتسبب بتدمير آلاف المنازل، فقط، بل "ألحق الدمار في نفوس البشر".
ويتابع: "باختصار، لا توجد أي حياة هنا، الفقر يزداد، والبطالة تصل إلى معدلات غير مسبوقة، هذه الظروف القاهرة والصعبة تدفعنا للتفكير بجدية نحو البحث عن حياة طبيعية بعيدا عن الموت البطيء".
ونقلت صحيفة الأيام الفلسطينية الصادرة في رام الله، الأربعاء الماضي عن وكيل وزارة الداخلية، حسن علوي، قوله إنه "تم إصدار نحو 5000 جواز سفر لأهالي قطاع غزة خلال العدوان الإسرائيلي".
وأشار الوكيل، إلى "ازدياد عدد الطلبات الواردة من القطاع لاستصدار جوازات سفر بشكل غير مسبوق".
وأضاف: "هناك ازدياد ملحوظ وغير طبيعي في عدد معاملات جواز السفر من محافظات غزة، ويجب على كافة المسؤولين التنبه لهذا الموضوع، هناك آلاف المعاملات من القطاع لدينا حاليا، وهناك زيادة غير اعتيادية في عددها، بالتالي ينبغي التوقف عند هذه المسألة ملياً".
وستزداد هذه الطلبات خلال الأيام القادمة أكثر فأكثر، كما يرى مخيمر أبو سعدة أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر بغزة.
ويؤكد أبو سعدة في حديث لوكالة الأناضول، أنّ الحرب الأخيرة وتداعياتها كانت صادمة جدا، على الصعيد الاقتصادي والنفسي، وتسببت بانتكاسة غير مسبوقة.
وتابع:" للأسف الوضع في قطاع غزة، يزداد سوءا، الناس كانت تعيش وضعا غاية في البؤس بفعل الحصار وتراكماته طيلة السبع سنوات الماضية، وجاء العدوان الأخير، فكان كمن يصب البنزين على النار، لقد ازداد الوضع اشتعالا، البطالة تتفاقم، الفقر يزداد، المناكفات السياسية بين أكبر فصيلين (حماس وفتح) لا تتوقف".
وأكد أبو سعدة، أن بقاء هذه الظروف على ما هي عليه، دون أي تحسن، تدفع أهالي قطاع غزة، نحو السفر إلى الخارج، والتفكير بالهجرة وعدم العودة.
واستدرك:" كما أن تكرار الحروب الإسرائيلية كل فترة زمنية، وبشكل أشد قسوة وشراسة، يقتل أي أمل في التفكير بالمستقبل".
وبعد مرور شهر من اتفاق وقف إطلاق النار، يؤكد مسؤولون فلسطينيون أن إجراءات رفع الحصار عن غزة، لم تبدأ، وأنّ الحركة التجارية على معابر القطاع لم تشهد أي تغيير.
ولم يردع موت وفقدان المئات من مواطني قطاع غزة في أعماق البحار خلال هجرتهم إلى أوروبا الخمسيني إيهاب حسين، من التفكير بالهجرة.
ويقول لوكالة الأناضول، إنّه يبحث الآن عن وسيلة تؤمن له الخروج من قطاع غزة، إلى بلد أخرى.
ويُضيف:" أريد أن أعيش أنا وأسرتي (6 أفراد) بعيدا عن الخوف، والقتل، والأوضاع المعيشية القاتلة".
وتسلم السلطات المصرية، بشكل شبه يومي إلى الجانب الفلسطيني في معبر رفح عشرات المتسللين بطرق غير شرعية إلى داخل مصر، للهجرة من قطاع غزة، إلى دول أوروبية عن طريق البحر المتوسط.
وحملت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في تصريحات صحفية سابقة، إسرائيل، وكل من يُساهم في حصار غزة، مسؤولية هجرة عدد من الفلسطينيين غير الشرعية إلى دول أوروبا.
وكانت منظمة الهجرة الدولية، أعلنت مؤخرا، أن نحو 400 شخص، بينهم عشرات الفلسطينيين، من الساعين إلى الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، اعتبروا في عداد المفقودين بعد قيام المهربين بإغراق السفينة التي كانت تقلهم.
وتحاول جهات رسميّة وحقوقية فلسطينية حتى اللحظة معرفة مصير المفقودين، فيما قالت السفارة الفلسطينية، في اليونان، في تصريح سابق لها إن القارب أُغرق عمدا.
ومن الطبيعي أن يفكر سكان القطاع، بالسفر إلى الخارج، للإقامة لسنوات، أو حتى الهجرة، كما يؤكد هاني البسوس أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الإسلامية بغزة في حديثه لوكالة الأناضول.
ويُضيف:" الضغوط النفسية، والعوامل المتراكمة، والواقع الحالي الذي تنعدم فيه الحلول، وتتضاءل من خلاله فرص الحياة الكريمة، تحول غزة إلى مكان لا يصلح للحياة".
ويرى البسوس، أن طبقات مثقفة، ومتعلمة تفكر بالرحيل والسفر عن قطاع غزة، للبحث عن حياة طبيعية في الخارج.
ويستدرك بالقول:" نتحدث عن غياب أدنى مقومات الحياة، لا يوجد عمل لآلاف الخريجين، وآلاف العمال، الانقسام السياسي، وغيرها من العوامل دفعت الكثير للبحث عن مستقبله في أرض الله الواسعة".
وأكثر ما يدفع السكان للتفكير بالسفر، كما يؤكد البسوس، هو الوضع الأمني في قطاع غزة، وتجدد العدوان الإسرائيلي كل فترة زمنية.
وتابع:" الكل بدأ يتساءل متى ستندلع الحرب الرابعة؟ من يريد إعمار بيته يتساءل ما الفائدة، وبعد أشهر أو ربما سنوات قليلة سيتحول إلى ركام من جديد، نحن بشر، ومن الطبيعي أن يفكر الإنسان في حياة هادئة، بعيدا عن الدمار والتشريد، ما تركته الحرب الأخيرة بشع للغاية، وتدميري، وقد بدأت آثاره تظهر".
وقال المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" بيير كراهينبول، في نيويورك، أمس إن الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة "وصلت مرحلة مروعة من التفاقم .
ورسم كراهينبول الذي كان يتحدث في حفل استقبال "أصدقاء اونروا" على هامش أعمال الدورة 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة، صورة قاتمة عن الأوضاع الإنسانية والمعيشية التي يعاني منها الفلسطينيون في "قطاع غزة بسبب الحرب الشرسة الأخيرة التي شنتها إسرائيل والتي دمرت بشكل كامل البنية التحية لثلث مساحة القطاع.
وأكد كراهينبول الذي يترأس "اونروا" أن "القضية الآن الأهم من إعادة البناء هي إيجاد فرص عمل للشباب الذين يعانون من البطالة الشاملة، وإيجاد فرص العيش الكريم للغزيين"، داعيا القوى العالمية لتحمل مسؤوليتها في توفير الدعم السريع وإدخاله إلى غزة وفتح المعابر وتيسير حركة المواطنين من والى القطاع وتشغيل المصانع وإنعاش التجارة مع الضفة الغربية كما مع إسرائيل والعالم.
ويرى الكاتب السياسي طلال عوكل ، أنه دون حل عاجل وسريع، لآثار ما خلفه العدوان الإسرائيلي الأخير، وتراكمات الحصار المستمر منذ عام 2007, فسيكون الفلسطينيون أمام كارثة تطال كافة مناحي الحياة.
وأضاف عوكل في حديث لوكالة الأناضول:" لن يبقى أحد في غزة، إلا وسيهاجر بطريقة شرعية، أو غير شرعية، فالوضع لم يعد يُطاق، إنسانيا واقتصاديا وسياسيا، والمؤسسات الدولية في كل ساعة، تحذر من تفاقم الوضع في القطاع ووصوله إلى درجة أكبر من الخراب".
وشدد عوكل، على أن الحديث الأخير عن آلية الأمم المتحدة لإعمار قطاع غزة، بعث في نفوس الفلسطينيين، الإحباط، والتشاؤم من إمكانية تحسن الأمور، وانتعاش الاقتصاد.
وأعلن مبعوث الأمم المتحدة للشرق الأوسط روبرت سيري، في 16 سبتمبر/أيلول الجاري، أن الأمم المتحدة توسطت في اتفاق بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية لإدخال مواد البناء إلى قطاع غزة.
وأوضح سيري، في بيان له، أن الاتفاق يشتمل على آلية لمراقبة ضمان عدم استخدام مواد البناء التي سيتم توريدها إلى القطاع لأغراض أخرى بخلاف عملية الإعمار.
وبحسب مصادر دبلوماسية إسرائيلية وغربية، فإن سيري، يعمل على نشر مئات المفتشين الدوليين لمراقبة إعادة إعمار قطاع غزة.
ويحتاج إعمار قطاع غزة بعد العدوان الذي شنته إسرائيل في السابع من تموز الماضي واستمر 51 يوماً، إلى نحو 7.5 مليار دولار أمريكي، وفقاً لتصريح سابق للرئيس الفلسطيني محمود عباس.
(المصدر: وكالة الأناضول)