أحداث كبرى متسارعة تجتاح العالم انعزالية على غرار الاستفتاء الذي جرى في بريطانيا، وصوت فيه أغلبية بخروج الممكلة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، أوقع الساسة البريطانيين وشريحة الشباب في حرج وتساؤل كيف لبريطانيا أن تعيش منعزلة بعد أن اعتاد الجيل الشاب فيها على الانفتاح على أوروبا والعالم. وهو اليوم يُفرض عليه التقوقع في جزيرته والتعايش مع أوهام امبراطورية بائدة ما زال جيل الكبار يعيش على أحلامها.
الهجرة وتدفق اللاجئين من إفريقيا والشرق الأوسط وأفغانستان، أخاف البريطانيين وآثروا الانكفاء في جزيرتهم، والعيش مع أحلامهم. وقبل أن يفيق العالم من صدمة الاستفتاء البريطاني، يأتي حادث الدهس المروع الذي اجتاح مدينة نيس الفرنسية وحصد حياة عشرات المواطنين من جنسيات وأعمار مختلفة، حيث كانوا يمشون مطمئنين في الشارع ويحتفلون بمناسبة الاستقلال وتطلق الألعاب النارية. الفاعل مهاجر تونسي إلى فرنسا لا يحمل الجنسية الفرنسية، يقال أنه صاحب سوابق جنائية معروفة للشرطة الفرنسية ولكنه غير معروف للجهات التي تتابع الإرهاب والإرهابيين.
فرنسا بلد الحرية والتنوير باتت مسرحا للعمليات الإرهابية والعنف الذي يجتاح العالم وتتعدد أسبابه. وقبل أن نفرغ من تعداد قتلى وجرحى شاحنة نيس، نصحوا على محاولة إنقلاب في تركيا حصدت مئات الأرواح من عسكريين ومدنيين، أعقبتها موجه اعتقالات طالت حتى الآن أكثر من ستة آلاف شخص من العسكريين والقضاء التركي مع مطالبات رسمية بإعادة الاعتبار لأحكام الإعدام.
تركيا التي تخلصت من حكم العسكر والإنقلابات وتعيش في حالة من الديمقراطية الهشة ما زالت فئة منها تحن إلى حكم العسكر والدكتاتورية في ظل حكم حزب العدالة والتنمية الذي يحاول أن يفرض نفسه على الحياة السياسية والاجتماعية وخاصة المؤسسة العسكرية والسلطة القضائية، وهذا سلوك يتنافى مع الديمقراطية وصناديق الاقتراع والتعددية.
تركيا انخرطت في مشاكل الشرق الأوسط، وظهرت كما لو أنها تحن إلى ماضيها البعيد المتمثل بالسلطة العثمانية التي كانت في رأي كثير من المفكرين سبباً في تخلف المنطقة العربية، وخضوعها بعد تفكك السلطة للاستعمارين البريطاني والفرنسي، فلا الماضي القريب ولا الماضي البعيد يصلح كنموذج لدولة تركية عصرية ديمقراطية.
خيط رفيع لكنه واضح يجمع الأحداث الثلاثة، هو الأحداث التي تجتاح الشرق الأوسط وبالذات الدول العربية خاصة سوريا والعراق واليمن وليبيا ومصر وتونس، وما تسببت به هذه الأحداث من فشل لمعظم الدول العربية وتبعه موجة نزوح وهجرة إلى أوروبا هرباً من الموت، وطغيان الحاكمين وبحثاً عن لقمة العيش وحياة أكثر راحة في دول أوروبا الغربية. وهاهي اليوم تعاني نتائج بعض سياساتها الاستعمارية وموالاتها لحكام ديكتاتوريين بددوا ثروات شعوبهم وصادروا إرادة هذه الشعوب خدمة للمستعمر وللمشروع الصهيوتي الذي زرع إسرائيل في قلب العالم العربي وشرد شعب فلسطين الذي فقد وطنه، ولا يزال يبحث عن هذا الوطن منذ نحو سبعين عاماً على نكبته بإصرار وعزيمة لا تلين رغم ما يشهده عالمنا المضطرب من أحداث وويلات. وليس من نافلة القول بأن اجتثاث كل هذه الأحداث يكمن في العدالة المفقودة في العالم وخاصة فلسطين، وها هو الرئيس أبو مازن يبحث عن هذه العدالة في كيغالي عاصمة رواندا في اجتماع قمة الدول الإفريقية والتي تعتبر محطة رئيسية في دعم القضية الفلسطينية الباحثة اليوم عن سبيل لمواجهة الفقر والبطالة في صفوف شبابها الذي يسلك سبيل البحر هرباً إلى أوروبا، ولا يبالي إن ابتلعه البحر أو وصل إلى بر الأمان الذي لم يعد آمناً.