الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

في العدد 66| المغتصبون يحميهم القانون!

المادة 308 هدية للجناة وحكم بالإعدام على الضحية

2016-07-19 04:11:10 PM
في العدد 66| المغتصبون يحميهم القانون!

 

الحدث- روان سمارة

 

"قتلت مرتين ولا زلت على قيد الحياة، مرة بيد رجل شاركني السرير قسرا فصار زوجي، ومرة بيد أهل وهبوني له، ممتنين لأنه حمل عنهم عبء العار." بهذه الكلمات أوجزت دنيا حكايتها.

 

دنيا ابنة الثلاثين عاما هي امرأة جامعية عاملة، وهي أم لثلاثة أبناء لا تطيق النظر في وجوههم، فهم بمحض القدر يحملون ملامح والدهم ورائحته. أما زوجها خالد، فرجل في الخمسين من عمره، عامل في إحدى المستوطنات القريبة من قريتهما، وعن حكاية زواجهما فبدأت من النهاية، تقول دنيا: "كنت طالبة في الصف العاشر عندما جاءني خالد خاطبا، وأنا أصغره بعشرين عاما، فرفض أهلي هذا الزواج، لفارق العمر أولا، ولرغبتي بإكمال الدراسة ثانيا، فما كان منه إلا البدء بتتبعي،  فكان يلاحقني دوما، وكنت أشتم رائحته عن بعد، وفي أحد الأيام اقترب مني كثيرا وقال ستكونين لي وحدي، واختفى بعدها".

 

فرح دنيا بهذا الاختفاء لم يدم طويلا، فقد قام خالد بخطفها والاعتداء عليها بعد أقل من أسبوع، تقول: "لا أحب استرجاع الصور، لكنني أذكر كل شيء وأحفظه عن ظهر قلب، كنت أصرخ وأحاول الإفلات منه، وكان هو يضربني ويشتمني، حتى وقعت مغشيا علي، وعندما أفقت مما حدث وجدتني زوجته".  زُوجت دنيا من خالد في بحر شهر من هذه الحادثة، وصارت لا تملك حتى حق المقاومة في السرير، فهي الآن زوجته، وله عليها حق الطاعة.

 

دنيا وغيرها من الفتيات مغتصبات يهبهن القانون لمغتصبيهن، والحجة "الستر". كيف لا؟ والمادة 308 من قانون العقوبات الأردني رقم 16 للعام 1960، تنص على مايلي: "يعفى مغتصب الأنثى من العقوبة في حال زواجه من ضحيته". الطالبة جيهان عرار طالبة الحقوق في جامعة بير زيت تنبهت لخطورة هذه المادة، فقررت أن تكون عنوانا لمشروع تخرجها، تقول: "كثيرة هي المواد الشائكة في قانون العقوبات الأردني، لكن هذه المادة تعد صفعة في وجه الحقوقيين، فالحديث هنا يدور عن امرأة تعرضت للاغتصاب، وهو جرم لا يمكن أن يحصل إلا مع سبق الإصرار، مايعني جريمة كاملة الأركان، فبدل أن يقف القانون في صف الضحية وينصفها، نراه هنا يكافئ المجرم، ويخيره بين الزواج من المعتدى عليها، أو الأشغال الشاقة التي تتراوح بين خمس وسبع سنوات، وفقا لعمر المجني عليها".

 

جريمة الاغتصاب هي جريمة في ثلاثة أركان، الركن الأول هو مواقعة أنثى بشكل غير مشروع، والركن الثاني هو الإكراه وعدم رضى الأنثى، أما الركن الثالث فهو توافر القصد الجرمي، تقول جيهان: "جريمة الاغتصاب من الجرائم المقصودة، التي يتطلب قيامها توافر القصد الجرمي، ويتحقق القصد الجرمي لدى الفاعل إذا توافر لديه عنصرا الإرادة والعلم، أي تتجه إرادته إلى مواقعة المجني عليها دون رضاها مع علمه بذلك، ويعد استعمال القوة أو التهديد هو قرينة على توافر القصد في أغلب الأحوال، غير أنه يتصور انعدام القصد حتى مع استعمال التهديد أو القوة، وذلك فيما لو اعتقد المتهم أن الأنثى لم تكن جادة في تمنعها، وإنما كانت مدفوعة إلى ذلك بعامل آخر غير عدم الرضا عن الفعل ذاته، فإذا ثبت هذا وجبت التبرئة لانعدام القصد، على أن ذلك متروك لتقدير محكمة الموضوع، وإذا توافر القصد لدى الجاني لا عبرة بالباعث على الاغتصاب، إذ الغاية منه قد تكون قضاء شهوة أو فض بكارة أو الانتقام ....".

 

هدف المشرع من خلال هذه المادة لمساعدة الضحية للتخلص من عقدة الاغتصاب، والتمتع بحياة زوجية وتكوين أسرة بعيداً عن التهميش الاجتماعي، لذلك وقف الملاحقة الجزائية بحق الجاني في حال تزوجه من المجني عليها، فقد أراد  المشرع  إعطاء الجاني  فرصة لإصلاح نفسه ولتكوين أسرة. ختام زهران، أخصائية اجتماعية في جمعية المرأة العاملة، تقول عن هذه الجزئية: "هدف المشرع بهذه المادة قد يكون هدفا إنسانيا، فالوصمة الاجتماعية التي تلازم المرأة المغتصبة لايمكن التخلص منها حتى بعد سنوات، كما أن هذه الوصمة تمتد أيضا لتشمل الأخوات والعائلة، وهو مايعني عزلا اجتماعيا للعائلة برمتها، لكن تطبيق هذه المادية يعني إغفال العامل النفسي لدى الضحية، ولدى الجاني أيضا، فكلاهما سيلجأ لهذا الزواج لمجرد الهروب، هو من العقوبة، وهي من الوصمة الاجتماعية، وهو مايعني عقوبة نفسية لكلا الطرفين".

 

المادة 308 هي لا تهدي المذنب وسيلة للإفلات من العقاب وحسب، بل هي تشجع ولو بطريقة غير مباشرة القاصرين والبالغين، على حد سواء، على ممارسة الجنس، تقول ختام: "هذه المادة خطرة جدا على القاصرين والبالغين أيضا، فقد يقوم هؤلاء باستغلالها؛ لإرغام ذويهم على القبول بزواج كانوا يرفضونه، وقد مرت علي حالة مشابهة لفتاة وشاب لم يبلغا العشرين عاما، ويرغبان بالزواج، وعند عقبة رفض ذويهم أقاما علاقة جنسية بدون ارتباط، فما كان من كلا العائلتين عند معرفة الخبر سوى الرضوخ لرغبتهما وتزويجهما على الفور". لم تلجأ العائلتان في هذه الحالة للقانون، فقد كان الحل واضحا ضمنيا، فهو الحل الأسلم اجتماعيا لحماية طرفي العلاقة من الوصمة المجتمعية، مما يعني أن هذه المادة جاءت "مشرعنة للحل العشائري"، بل واهبة هذا الحل للعديد من المجرمين الذين يبحثون عن طريق للخلاص من العقاب.

 

تقف الملاحقة القضائية للمجرم في حال تزوج من الضحية زواجا صحيحا، تتوافر فيه أركان الزواج من إيجاب وقبول وإشهار، تقول جيهان: "وقف الملاحقة الجزائية للمجرم هو وقف مشروط، فأولا يجب أن يكون هذا الزواج صحيحا، ثانيا يجب أن لا يتم الطلاق، أو التفريق بين الزوجين قبل خمس سنوات من عمر الزواج، فإذا تم الطلاق قبل الخمس سنوات يحق للمحكمة أن تعود لملاحقة الجاني جزائيا من جديد، لكن الغريب في الأمر أنه، أي المشرع، قد أجاز الطلاق قبل مرور خمس سنوات إذا كان هناك سبب مشروع، ومن تلك الأسباب على سبيل المثال، ثبوت ارتكاب جريمة الزنا، وهذا السبب يبيح للزوج أن يطلق زوجته، وبذلك لا تستعيد النيابة حقها بالملاحقة لأن الطلاق تم بسبب مشروع."

 

تفسير المادة 308حرفيا يوضح أن زواج الفاعل الأصلي من ضحيته، هو فقط من تقف الملاحقة الجزائية بحقه ويعفى من العقوبة، وأن المتدخلين والشركاء الذين سهلوا وساهموا في ارتكاب جريمة الاغتصاب لا توقف الإجراءات الجزائية بحقهم، فإن كان المشرع يرى في هذه المادة درءا "للفضيحة" فهل من الستر ملاحقة الشركاء، وترك الجاني حرا يفلت بفعلته؟!

 

عملت المؤسسات الحقوقية بشكل عام، والنسوية منها بشكل خاص، عملت على العديد من الحملات، التي كانت تهدف بشكل رئيسي لإقرار مسودة قانون عقوبات فلسطيني عصري، يواكب التطور الاجتماعي، والاقتصادي، والفكري الذي شهدته الأراضي الفلسطينية خلال الفترة الماضية، قانون بعيد عن الصبغة الذكورية الواضحة في مجموع القوانين الأردنية والمصرية، المطبقة على الأرض الفلسطينية بشقيها، تقول صباح سلامة، منسقة منتدى مناهضة العنف ضد المرأة : "عملت المؤسسات النسوية والحقوقية، ولا تزال، على الضغط باتجاه إقرار مسودة قانون العقوبات الفلسطيني، لكن ومع غياب انعقاد جلسات المجلس التشريعي، والانقسام، فالطريقة الوحيدة لإقرار القانون هي توقيعه من قبل الرئيس، وصدوره بمرسوم رئاسي، وهو ما لم نستطع تحقيقه على الرغم من وجود هذه المسودة في درج مكتب الرئاسة منذ زمن".

 

قانون العقوبات، وقانون الأحوال الشخصية، هما أكثر القوانين ظلما للمرأة الفلسطينية، تقول سلامة: "القوانين وجدت لتنظم حياة الإنسان، ومن الغريب أن يكون الظلم الواقع على المرأة الفلسطينية واضحا في أكثر هذه القوانين مسا بحياتهن، وهنا أتحدث عن قانوني العقوبات، وقانون الأحوال الشخصية، وكلاهما بحاجة لتغيير يتناسب ومتطلبات المرأة الفلسطينية في هذه المرحلة، للحفاظ على حياتهن وكرامتهن أولا، وللحفاظ على استقلاليتهن وكيانهن ثانيا".

 

القاضية صمود الضميري، ترى في هذه المادة إهدارا للحماية الجزائية للعرض، وبالتالي إفلات الجناة من العقاب، تحت مظلة إجراء زواج مع المجني عليها، لكنها تجدها حلا في حالة المواقعة بالرضا بين الفتاة والشاب، تقول: "نحن القضاة لسنا سوى آداة لتطبيق القانون الذي بين أيدينا وفق أصول قانونية وقضائية محددة، وكقضاة شرعيين تصلنا مثل هذه القضايا يكون علينا عقد القران على وجه الاستعجال، تحديدا في حالات الاغتصاب، أو الحالات التي يكون فيها حمل، وذلك لضمان السلم المجتمعي، وحقن لدم الفتاة، وهذه القضايا لم تصل لحد كونها ظاهرة في المجتمع الفلسطيني، لكن هذا لا ينفي حصولها".

 

إيجاب المرأة وقبول الرجل هما شرطان من ثلاثة شروط لعقد الزواج الصحيح، وحول تعامل القاضي الشرعي مع إيجاب المرأة المغتصبة -الذي يأتي غالبا بالإكراه- تقول الضميري: "نحن نتعامل مع الإيجاب الظاهر، فنسأل المرأة والرجل ويُعقد القران بناء على قبولهما في مجلس العقد، ولا ننظر لنوايا أو خلفية هذا القبول".

 

الرئيس السابق لمجلس القضاء الأعلى السيد عيسى أبو شرار، يقول: "مشكلة قانون العقوبات هي في مرور أكثر من نصف قرن على صياغته من مشرع أردني، إضافة لأن صدور قانون أصول المحاكمات الجزائية، والمتعلق بإجراءات التعامل مع قانون العقوبات قد صدر بعد أربعين عاما على صدور قانون العقوبات، والحقيقة أن انتظار انعقاد أو انتخاب مجلس تشريعي أمر مستبعد في الفترة الراهنة؛ لذلك يمكن العمل باتجاه اصدار مرسوم رئاسي يحدد عقوبة المُغتصب، ويعطل العمل بهذه المادة".

 

الأردن هي البلد الأم لقانون العقوبات رقم 16 للعام 1960، والمعمول به في الضفة الغربية، لذا فمن المفترض الاطلاع على التجربة الأردنية مع هذه المادة، يرى المحامي الأردني أحمد الزعبي أن هذه المادة هي ليست أكثر من تحايل قانوني بالقانون على الضحية، الهدف منه إفلات المجرم من العقاب، فهذه المادة تجافي المنطق وتكافئ المغتصب بالزواج من الفتاة وتعطي الشرعية للاغتصاب؛ فينتقل الاغتصاب من خارج إطار القانون إلى اغتصاب داخل إطار القانون، مما يشكل عقوبة إضافية للفتاة، فعلاوة على اغتصابها يعطى الجاني فرصة الزواج من ضحيته.

 

تغيب الأرقام في هذا التقرير لعدم توفرها من المصدر، فقد حاولت الحدث الحصول على أعداد الحالات ونسب الحالات التي تم تزويجها، ولكن لم نجد إحصائيات من الشرطة، الأمر الذي يضعنا أمام تساؤل حول السبب في غياب هذه الإحصائيات، فهل هو تقصير المؤسسات الحقوقية والنسوية عن متابعة هذه القضايا، والتواصل مع الضحايا لإعادة تأهيلهن نفسيا على الأقل؟ أم عدم وصول هذه الحالات للشرطة أولا وللقضاء ثانيا؟ أم التعتيم على مثل هذه القضايا خوفا من إثارة الضجة الإعلامية والاجتماعية، وتسليط الضوء عليها؟ أيا كانت الإجابة، ومهما كان عدد الضحايا، فالواضح أن المجتمع الفلسطيني صار بحاجة لمنظومة قانونية جديدة، والتذرع بغياب الدور الفاعل للمجلس التشريعي ليس سوى حجة واهية في ظل توفر البديل.