السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

من المسؤول عن تشويه صورة فلسطين في الإعلام المصري؟

2013-11-24 00:00:00
من المسؤول عن تشويه صورة فلسطين في الإعلام المصري؟
صورة ارشيفية

صفوت العالم: الفلسطينيون يتفاعلون أحياناً بشكل سلبي مع الخلافات العربية - العربية

سمير غطاس: الإعلام المصري روج لحماس قبل ثورة يناير ثم اكتشف خطأه مع صعود الإخوان

محلل سياسي: الانقسام الفلسطيني خلق استقطاباً في الاعلام المصري حول القضية

 

القاهرة- بهاء الدين محمد

لم تعد القضية الفلسطينية والأخبار المتعلقة بتطوراتها تحتل مساحة مناسبة من اهتمام الصحف والقنوات الفضائية المصرية. ربما يعود ذلك إلى الانشغال المتزايد بالهموم والمشكلات الداخلية التي تعاني منها مصر منذ ثورة 25 يناير 2011 وما بعدها، ولكن الأمر اللافت للنظر هو ذلك الدور السلبي الذي باتت تمارسه بعض الصحف والفضائيات المصرية على القضية الفلسطينية، بما أصبح يرسخ لصورة سيئة حول فلسطين وشعبها في إعلام كان من أشد الداعمين لقضيته العادلة.

هذه الصورة السلبية تطورت لتنطوي مؤخراً على مبالغات غير منطقية تتهم الفلسطينيين بأنهم وراء كل المشكلات التي تعاني منها مصر.

الأمثلة كثيرة جداً على التغطيات الإعلامية والمقالات والتحليلات التي تفتقد إلى قواعد المصداقية والموضوعية عند تناول أمر يتعلق بالشأن الفلسطيني، فالتغطية في الغالب تتسم إما بالإهمال أو “اللا تغطية”  أو بالتشويه، والتشويه لم يعد يقتصر على الإعلاميين المغرمين بنظرية المؤامرة من أمثال “توفيق عكاشة” وغيرهم، بل بات بعض كبار الكتاب والسياسيين القوميين متورطين بشكل رئيسي في تشويه صورة “قضيتهم المركزية” في الإعلام، فنجد كاتبة معروفة مثل لميس جابر تكتب في جريدة “الوطن” المصرية مقالاً بعنوان “فلسطين في ذمة التاريخ” ترصد فيه تقريباً كل المشكلات والأحداث الدموية التي شهدتها مصر خلال السنوات الثلاث الماضية وتتهم فلسطينيين بأنهم السبب فيها، وعلى دربها سار الكثيرون. علاوة على ذلك لم تهتم أي وسيلة إعلامية بمتابعة أنباء الغارات الإسرائيلية الأخيرة على مناطق متفرقة من قطاع غزة.

ماذا حدث؟

يتفق العديد من المحللين والإعلاميين المصريين على وجود صورة سلبية للفلسطينيين في الإعلام المصري، وفي حين يرى البعض أن هذه الصورة كرسها الانقسام الفلسطيني ومن ثم الاستقطاب بين تيارين من الاعلام أحدهما مؤيد للسلطة الفلسطينية والآخر يناصر حركة “حماس”. يرى فريق آخر أن علاقة حركة حماس بجماعة الإخوان المسلمين في مصر، ودعمها لهم، خلق صورة سلبية عن الحركة باعتبارها تتدخل في الشأن المصري، وهي الصورة التي تنسحب أحياناً مع المبالغة والتعميم لكي تصبح صورة عامة عن الفلسطينيين وقضيتهم في الإعلام المصري.

إعتبر الدكتور صفوت العالم أستاذ الصحافة بكلية الإعلام في جامعة القاهرة أن السياسة الإعلامية الداعمة لفلسطين كانت ثابتا من ثوابت الإعلام المصري، لكن صورة فلسطين في الإعلام المصري أصبح بها خلط كبير للأوراق ومغالطات عديدة، موضحاً أنه على الرغم من أن الدفاع عن الشعب الفلسطيني كان أحد ثوابت الشعب المصري إلا أنه أحيانا ووفقاً لمواقف ومتغيرات معينة تتأثر هذه الصورة؛ فيصبح هناك تحريض ضد الفلسطينيين في الإعلام المصري. وضرب مثالا خلال عهد الرئيس الأسبق أنور السادات تم رصد المحلات الفلسطينية في جريدة الأخبار المصرية وطالبت الجريدة بخروج أصحابها من مصر حيث أرتبط ذلك بتوقيع معاهدة كامب ديفيد؛ وذلك لأن الفلسطينيين للأسف الشديد كانوا يتفاعلون بشكل سلبي مع الخلافات العربية- العربية والتطورات الداخلية للدول، وهذا ما أدى إلى التحريض ضدهم. وتابع: “الصورة السلبية الحالية بدأت منذ حكم “مرسي” نتيجة وجود عدة “تكهنات سياسية” حول وجود مشروعات لنقل سكان غزة إلى سيناء، أو قيام الإخوان بالاعتماد على حماس خلال ثورة يناير”.

ويرى محمد محسن أبو النور الكاتب والمحلل السياسي أن صورة فلسطين المحتلة في الصحافة المصرية أصيبت بأضرار بالغة من جراء الانقسام الذي أصاب القضية في عمومها لأن هذا الانقسام أدى جبرياً إلى تنميط وتسييس الصورة بحسب الإعلام الموالي للدولة المصرية التي تساند «فتح» على طول الخط، بينما أدى إلى تحزب الإعلام المستقل أيديولوجيا بين الإسلامي الداعم لحماس ولفصائل المقاومة المسلحة والليبرالي المنبطح أمام وجهات النظر الغربية تجاه القضية في عمومها.

من ناحية أخرى يعتبر أسامة عز العرب، منسق القوى الوطنية لدعم الشعب الفلسطيني والمقاومة، هذه الصورة السلبية والهجمة الشرسة في الإعلام المصري ضد حركة حماس خاصة، والفلسطينيين بشكل عام، يعتبرها نتيجة لأحداث 30 يونيو، وتابع «عز العرب» أحد أنصار الرئيس المصري المعزول محمد مرسي لـ “الحدث”: «مجموعة كامب ديفيد هي فقط المسموح لها بالظهور في الإعلام، وهم ضد حركة حماس ويصفونها بالإرهاب وهي أول مرة في تاريخ الأمة العربية أصبحت المقاومة إرهاباً، وكل من له علاقة بحماس أصبح متهما بالعمالة والتخابر»، مشدداً على أن هذا الخطاب الإعلامي لا يمثل الشعب المصري. وأكد أن إغلاق القنوات الإسلامية التابعة للإخوان والسلفيين بعد أحداث 30 يونيو جعل هناك صوتا واحدا فقط في الإعلام المصري هو الموجه ضد حركة حماس والذي يعتبر الفلسطينيين يتدخلون في الشأن المصري ويدعمون الإخوان المسلمين.

لماذا لم يعد يهتم الإعلام المصري بفلسطين؟

يرى الدكتور سمير غطاس رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والباحث المتخصص بالشأن الفلسطيني أن التغيرات التي حدثت في مصر خلال الأعوام الثلاثة الماضية وجهت بوصلة اهتمامات الإعلام المصري إلى التركيز على القضايا الداخلية بشكل غير مسبوق، وإهمال بقية قضايا الأمة العربية بما فيها القضية الفلسطينية. 

وأوضح “غطاس” أنه قبل ثورة 25 يناير 2011 كانت التغطية خاطئة ومنحازة تجاه حركة “حماس” حيث دأب عدد من الكتاب المصريين على الترويج لها على أنها حركة مقاومة ونسي أنها فرع من فروع الإخوان المسلمين ولم يتعرض أحد من الإعلاميين للقمع الذي قامت به حماس طوال 6 سنوات من حكمها لغزة (من 2006 إلى 2011)، مشيراً إلى أن التغطية الإعلامية للقضية الفلسطينية خلال هذه الفترة كانت تركز على الأخبار المتعلقة بتطورات الداخل الفلسطيني وتتهم المفاوضات بأنها انبطاح للغرب وإسرائيل.

وتابع “غطاس” في لقائه مع “الحدث”: “بعد 2011 كان الإعلام المصري منكفئا على ذاته لمدة عام تقريباً بدون أي إشارة للوضع الفلسطيني إلا ما ندر، ثم بدء الاهتمام يعود مع صعود الإخوان المسلمين، وقد قمت من جانبي بالتركيز على توضيح علاقة حركة حماس بالإخوان. وعليه بدأ الإعلام يركز على علاقة حركة حماس بالإخوان المسلمين وبذلنا جهداً كبيراً في كشف العلاقة بين حماس وبين الجماعات المتطرفة في سيناء”. وأكد “غطاس” أنه منذ صعود الإخوان المسلمين وكشف قضية وادي النطرون المتهم فيها الرئيس المعزول بالتخابر مع حماس أصبح الأمر منصباً على غزة فقط ولا يتناول وضع الضفة الغربية والقدس والمعاناة التي يعيشها الفلسطينيون هناك.

ويعتبر الباحث أن هناك خطأ ارتكبته أجهزة الإعلام المصرية ظهر جلياً بعد 30 يونيو، وهو تعميم الاتهامات لحماس على الفلسطينيين كلهم؛ فأصبح الفلسطينيون متهمون بدعم الإخوان المسلمين وليس “حماس” التي نظمت مظاهرات وعروضا عسكرية ترفع إشارة “رابعة” وصور الرئيس المعزول. وبشكل عام يؤكد “غطاس” أن أغلب الاعلام المصري مازال يركز فقط على الوضع الداخلي ولا يتناول الوضع الفلسطيني إلا بشكل انتقائي يخدم تحريضه ضد “حماس” وموقفه المناوئ لها.

في مصلحة إسرائيل !

يؤكد المذيع المصري هاني الديباني لـ”الحدث” أن كل ما يجري في مصر حالياً يصب في مصلحة إسرائيل، وخاصة في الأداء الإعلامي السلبي تجاه القضية الفلسطينية، التي باتت مهمشة أو مشوهة في الإعلام. وأعتبر الدكتور صفوت العالم أستاذ الصحافة بجامعة القاهرة أن الأجيال الجديدة في مصر سوف تتأثر بالصورة السلبية السائدة عن الفلسطينيين في الإعلام، حيث سينظرون إلى فلسطين ليس كوطن محتل بل على أنها دولة جوار لا يحترم مواطنوها السيادة المصرية ويتدخلون في الشأن المصري، وأكد أن هذه الصورة السلبية السائدة تصب بالتأكيد في مصلحة إسرائيل، وأنها سوف تحتاج وقتا وتراكما كبيرا لتصحيحها.

هل يتعمد الإعلاميون الإساءة لفلسطين؟

يرى البعض أن هناك بعض الإعلاميين المصريين يتعمدون الإساءة للقضية الفلسطينية والترويج للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي. وبعيدا عن وجهة النظر المتطرفة تلك، يعتقد البعض الآخر أن التحريض ضد الفلسطينيين نابع من تعميم ومبالغات يطلقها الإعلام المصري «العلماني أو الليبرالي» لتصفية حساباته مع خصومه الإسلاميين وبالتبعية «حماس» المرتبطة عضوياً بالإخوان المسلمين.

حيث أعتبر المذيع المصري هاني الديباني أنه علينا أن نفرق بين من هم يتعمدون «شيطنة» فصائل المقاومة ويتخذون من حركة «حماس» مدخلا لذلك وفق الشيطنة العالمية للمقاومة بصفه عامة وحماس بشكل خاص وهم يقومون بهذا عن عمد ووفق أجندة معدة مسبقاً، وبين من يكرر الاتهامات المرسلة التي يوجهها الفريق الأول للفلسطينيين دون وعي حتى يسير مع الموجة أو من يخلصون حسابات أيديولوجية، فتجد العلمانيين يعتبرون أن انتقادهم وتشويهم لحركة «حماس» جزءا لا يتجزأ من خصومتهم مع الإخوان في مصر.

وأكد «الديباني» أن من يتعمدون شيطنة فصائل المقاومة بما ينسحب على الشعب الفلسطيني ككل هم من أصدقاء إسرائيل في مصر من رجال الأعمال وبعض الإعلاميين والكتاب، الذين بات بعضهم يتصدر المشهد الإعلامي في مصر حالياً.

وبينما يتفق الباحث محمد محسن أبو النور مع «الديباني» في تعمد بعض الإعلاميين تناول الأخبار المتعلقة بفلسطين بشكل سلبي، يرى «أبو النور» أن الإعلاميين ينقسمون في هذا الصدد إلى قسمين، أحدهما قسم مدفوع بالمال السياسي القادم من الدول الخليجية الرافضة لإقامة أي نظام تحت مسمى «إسلامي» خاصة بعد صعود حركة «حماس». وفضلا عما سبق يؤكد «أبو النور» أن الإعلام المصري يسيطر عليه اتجاه علماني ـ ليبرالي يفهم الليبرالية بصورة مغايرة للحقيقة الثابتة في العالم، وهو ما يجعل هذا التيار الحاكم في الإعلام المصري يتحيز إلى كل ما هو ضد «حماس» حتى ولو كان لمصلحة إسرائيل، وأضاف: «فعلى سبيل المثال لم يكن أحد من أبناء جيلي يتصور مثلا أن يخرج أحد مذيعي التوك شو ويصف المقاومة المسلحة تجاه إسرائيل بأنها إرهابية»