الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

"وكالة وفا" وتقارير "خبز التوست"- رولا سرحان

2016-07-26 06:22:09 PM
رولا سرحان

 

حدثني أبي، والذي كان رئيسا لوكالة الأنباء الرسمية "وفا"، عن تاريخ الوكالة بالتفصيل. والدي الذي عاصر تأسيس الوكالة في الشتات، وعايش فترات تحولها من جهة ناطقة باسم الثورة، إلى مؤسسة وطنية ناطقة باسم السلطة، لا ينفك يدافع عن تاريخها وعن أهميتها كمؤسسة وجهة رسمية تعبر عن الرواية الرسمية الفلسطينية، وهو الأمر الذي يظل موضع خلاف بيننا، لاختلاف واقع حال "وفا" من زمن إلى زمن.

 

والدي من الجيل الذي عاصر الثورة، من الجيل الذي ركب في السفينة من لبنان عام 1982، إلى طرابلس، حتى حط به المقام وبنا في تونس، إلى أن عدنا بسبب أوسلو إلى الوطن. كان يفصل منزلنا عن وكالة "وفا" الكائن في المنزه السادس في تونس العاصمة شارعٌ واحد، كنت أزور والدي في مكتبه في الوكالة دوماً، ولعل جينات الصحافة التي انتقلت إلي بالوراثة قد وجدت مكانها لتنمو هناك في الشارع الخلفي لمنزلنا في مكاتب "وفا" وعلى أصوات أتذكرها جيداً لكل من كنت ألتقيهم هناك أو في منزلنا ممن كانوا يعملون في الوكالة، والذين ظل منهم في الوكالة من ظل ورحل منها من رحل.

 

الراحلون عن "وفا"، رحل معهم الشيء الكثير، رحلت معهم الخبرة والمهنية والانتماء الحقيقي للمؤسسة وإخلاصهم في العمل حُبّا لتاريخ نضالي كبير لجيل الثورة ولمؤسسي السلطة العازمين على التأسيس لدولة فلسطينية.

 

وعادةً ما يسؤني، كما يسوء الكثيرين، ليس فقط أننا نحن معشر الصحفيين نُخرج "وفا" من قائمة المنافسة المهنية والسبق الصحفي باعتبار أن عملها هو تحصيل حاصل، ما يسوؤني أكثر أنها كجهة إعلامية رسمية تفشل في تقديم الرواية الصحيحة عنا كفلسطينيين، بعيداً عن "مانشتات" التمجيد المستهلكة للشخوص، والتي هدفها إرضاء الفرد قبل الاهتمام بالقضية.

 

ما أثار حفيظتي هو تقرير مصور نشرته الوكالة عن "الحمير" تحدثت فيه لأكثر من 4 دقائق عن "الحمار الذكي" الذي يعرف كيف يصعد الدرج في نابلس ويساعد أهلها في البناء. التقرير الذي صرف معده جهداً في إعداده، أثار كذلك حفيظة الكثيرين من سكان نابلس، أحد أصدقائي المقربين ومن النشطاء في المدينة والذي يستعد لخوض غمار الانتخابات المحلية لأنه يمثل شريحةً واسعة من أهلها، نشر على صفحته الشخصية على الفيسبوك استهجانه قائلاً: "إن نابلس تستحق أفضل من هكذا تغطية من جهة رسمية تمثل مفترضا الصوت الرسمي الفلسطيني، احترموا نابلس وأهلها (بشرها وحجرها، حاضرها وماضيها، شخوصها والدواب التي فيها)."

 

والتقارير المشابهة كثيرة، فهي سهلة سريعة الإعداد والاستهلاك، تماماً مثل خبز التوست، الذي لربما رأى فيه القائمون على الوكالة أفضل طريقة للاعتذار لأهالي نابلس، فأعدوا تقريراً عن الخبز والمخابز في المدينة فتحدثوا عن مخبز "إلفورنو"، شارحين "خارطة الخبز" في المدينة.

 

نابلس، التي تستعد لانتخابات محلية حامية، ونأمل ألا تكون دامية، تعاني من وضع أمني خطر، ووضع اقتصادي واجتماعي صعب، ومن مياهٍ لا تصلها، ومن سلاح بين أيدي المواطنين يوجهونه إلى بعضهم البعض، نابلس تستحق فعلاً تغطية أفضل من ذلك من قبل الوكالة الرسمية.

 

على "وفا" ألا تترك نفسها لتقارير "الحمير" "والخبز" بل تعطي الأخير لخبازهُ.