بقلم: نبيل عمرو
وأنا أتابع خطاب الرئيس محمود عباس في نيويورك، لم أستطع تخليص نفسي من المقارنة بين ما سمعت من كثيرين عن الخطاب قبل أن يُتلى، وما كنت أسمعه من فم صاحبه، فمنذ أسابيع والناطقون الفلسطينيون يتحدثون بإسهاب عن خطاب لم يعرفوا عنه شيئاً، ويستنتجون توجهات سوقوها للناس على أنها قرارات اتخذت وستتلى في الخطاب، لم يبق مصطلح إلا وقيل فيه حتى خُيل للناس أنهم مقبلون على انقلاب شامل في كل شيء.
وهذا الإعلام الكثيف والكثير تحول إلى عبء أثر على إيقاع الخطاب وتلقي الفلسطينيين له، وبالتالي يمكن القول أن الإعلام المفترض أن يكون عاملا مساعدا لتحقيق الأهداف، بدا كما لو أنه عامل أساسي لكن في تحقيق نتائج عكسية، ويبدو أن ما كان قبل الخطاب يتكرر بنفس الصورة فيما بعده، وأن التفسيرات والترويجات التي نقرأها ونسمعها، وصلت في بعض التصريحات والقراءات حد ترتيب أجندات تبدو مستحيلة التحقيق مع أن الوضع الفلسطيني يحتاج أول ما يحتاج إلى ترتيب أولويات أساسها الممكن، وأداتها ما نستطيع فعله وما يلتزم به الأشقاء والأصدقاء معنا، فما هو الممكن يا ترى؟
إنني أستطيع قراءته في العديد من فقرات خطاب الرئيس عباس، فالخطاب لم يغادر منطقة العمل السياسي من أجل إحراز تسوية إن لم تكن عادلة فمتوازنة، ولم يغادر منطقة المفاوضات وإنما وضع توصيفا محددا لكيف تُؤدى وكيف يمكن أن تكون مجدية، أما الذهاب إلى مجلس الأمن وإن كان محكوما بجدار الفيتو الأمريكي إلا أنه قد يحمل معنى واقعي من نوع أعطونا البديل إذا، وبهذا المنطق يمكن أن يعتبر الخطاب واقعيا.
صحيح أن هنالك لغة في غاية التشدد، ومفهوم لماذا قيلت هذه اللغة في هذا الوقت بالذات فبين يدي كارثة غزة يكون لكل مقام مقال، أما المضمون فيستحسن أن يُنتبه إلى ما خلى منه الخطاب مثل عدم الاقتراب من التنسيق الأمني الذي يحدد الموقف منه مدى الالتزام بما تبقى من المسيرة السياسية، لهذا كان يمكن للإعلام الذي سبق الخطاب والذي تلاه أن يكون أكثر دقة في الوصف واستخلاص المؤشرات، إننا في زمن لم يعد فيه الإعلام مجرد تعبير عن السياسة، بل أصبح بحد ذاته صانع سياسة وتوجهات، وأكبر آفة يصاب بها أي سياسي هي أن يضطر إلى قول الكثير جدا حول أمور يعرف عنها القليل جدا.