مقال رئيس التحرير
سامي سرحان
تُراوح فرص التوصل إلى اتفاق يسمح باستئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي خلال الأسابيع القادمة بين النجاح والفشل. ومن بين المؤشرات على ضياع الفرصة؛ مغادرة المبعوث الأمريكي مارتن أنديك المنطقة لقضاء إجازة عيد الفصح اليهودي مع أسرته في الولايات المتحدة، إضافة إلى قرار رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو زيادة الضغط على السلطة الفلسطينية وفرض عقوبات اقتصادية جديدة عليها، معتبراً ذلك رسالة إلى الرئيس أبو مازن بأن خطوات أحادية الجانب يقابلها خطوات مماثلة.
لكن الوزير الأمريكي جون كيري سبق وأن حمَّل إسرائيل بصراحة أمام الكونغرس مسؤولية إفشال المفاوضات رغم ما صدر بعد ذلك من تصريحات لمسؤولين أمريكيين تُخفف من لهجة الإدانة الأمريكية لحكومة إسرائيل.
في الوقت نفسه يرى الجانب الفلسطيني بأن خطوته بالانضمام إلى منظمات الأمم المتحدة جاءت نتيجة إخلال إسرائيل بشروط إطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين بمن فيهم أسرى الداخل وأن الانضمام إلى مؤسسات الأمم المتحدة لا رابط بينه وبين المفاوضات.
ويبدو أن بنيامين نتنياهو الذي صعد فوق الشجرة وما زال يهدد بالمزيد من العقوبات ضد السلطة الفلسطينية بعد أن قرر وقف تحويل موارد الضرائب المستحقة للسلطة جوبه برد فعل دولي ومحلي قوي عبَّر عنه الموقف الأمريكي الذي اعتبر تجميد إسرائيل المستحقات الضريبية للسلطة بمثابة عقوبات اقتصادية تدعو للأسف. واعتبر التعاون خطوة مفيدة للسلام، بينما هذه الخطوات ليست مفيدة للوضع الحالي. وكان الموقف الفرنسي أكثر تحديداً ووضوحاً إذ رأى في الخطوة الإسرائيلية خطراً كبيراً على الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المناطق الفلسطينية. واعتبرت فرنسا أن الآلية الحالية للمفاوضات فرصة تاريخية للتوصل إلى سلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
وجاءت المواقف العربية والإسلامية شديدة في انتقادها للسياسة الإسرائيلية بفرضها عقوبات اقتصادية على الفلسطينيين، ما يُشير إلى عدم رغبتها في السلام. كما جاءت ردود الفعل الفلسطينية على خطوات إسرائيل بالاستخفاف أولاً من قرارها سحب بطاقات (VIP) من المسؤولين الفلسطينيين، وثانياً بوصف قرار تجميد تحويل المستحقات الضريبية بالقرصنة والسرقة والرد عليه بوقف التنسيق الأمني والعودة بالأمور إلى بداياتها في الانتفاضة الأولى وتحميل إسرائيل ضريبة احتلالها للأرض والشعب الفلسطيني.
لقد صعد نتنياهو الشجرة خشية سقوط حكومته، غير أن عواصف قراراته الهوجاء كادت تطيح به على الصعيد الدولي والمحلي أيضاً، فمد إليه حليفه الأكثر إخلاصاً له؛ الوزير أفيغدور ليبرمان زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” يده لينزله من على الشجرة، وقال إنه سيمنح وزراء حزبه حرية التصويت في مسألة الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين بمن فيهم هؤلاء من مواطني إسرائيل العرب، ولحفظ ماء وجهه قال إنه شخصياً يعارض الإفراج عن حاملي الجنسية الإسرائيلية. وتوقع ليبرمان أن يصمد الائتلاف الحكومي الراهن بالرغم من تهديدات البيت اليهودي الانسحاب منه. واعتبر أن حل الائتلاف الحاكم الحالي سيضر بالمصالح القومية الإسرائيلية.
بهذه الخطوة مهد ليبرمان “الذي فض شراكته الانتخابية مع الليكود” الطريق أمام نتنياهو لاتخاذ قرار الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى كاملة وهي التي ربما ستفتح باب الطريق لإمكانية تمديد فترة المفاوضات بضعة أشهر، والأرجح أن تتم هذه الخطوات فور عودة إنديك إلى المنطقة بعد عيد الفصح اليهودي.
لكن تمديد المفاوضات في ظل الحكومة الإسرائيلية الحالية لن يُساهم في تقدم المسيرة السلمية وحل مشكلات الوضع النهائي المطروحة على طاولة المفاوضات كحدود الدولة والقدس واللاجئين والانسحاب الكامل والمياه، ولذلك نلاحظ أن نتنياهو يسعى إلى ضم حزب العمل إلى الائتلاف الحكومي، وقد لمح زعيم حزب العمل “هيرتزوغ” أكثر من مرة أنه سيدعم الحكومة إذا قررت المضي قدماً في المسيرة السياسية رغم عدم وجود قرار رسمي في حزب العمل بصدد هذه القضية.
نتنياهو يدرك أن حكومته الحالية ليست حكومة سلام، ويعلم أنه بحاجة إلى تشكيل ائتلاف جديد يؤمن بالعملية السياسية وإلى أن يقرر نتنياهو أن يكون شريكاً للفلسطينيين في عملية سلام فإن الرئيس أبو مازن المؤمن بالسلام العادل الذي يحقق مصالح الجانبين في انتظاره.