الطبقة السياسية الفلسطينية تحتشد جميعا أمام حاجز الموت، وهذا الحاجز عجيب غريب يختار من يمر ومن يؤجل حتى إشعار آخر، ولا تنفع معه وساطة أو أوامر أو بطاقات الـ VIP، ومن خصائص هذا الحاجز أن لا بشر يقفون عليه، ولا تدقيق في الهويات والأعمار، فهو متصل مباشرة بالسماء صاحبة القدرة المطلقة على الموت والحياة.
ولا غرابة أن نستقبل كل يوم نبأ رحيل قائد فلسطيني أو أكثر، فهذه هي سنة الحياة، وهذا هو حال من تجاوز حاجز السبعين من العمر وما فوق.
إننا نألم للذين يغادرون، فهم ينتمون إلى عائلتنا التي تحمل اسم العائلة الوطنية، وجميع أفراد هذه العائلة المترامية الأطراف ربطتهم صلة قربى هي الأقوى والأعمق من بين الصلات الاجتماعية، فجميع أبناء هذه العائلة الكبرى تشاركوا الحياة في ظل الخطر، اتفقوا واختلفوا، تقاربوا وتباعدوا، إلا أنهم جميعا ظلوا جذورا وأغصانا وأوراقا في شجرة العائلة، وأخشى ما أخشاه أن تأتي سنة من عمرنا فلا يُرى من بعدنا أحد ممن تصدروا تاريخيا فصول هذه المسيرة الملحمية بكل ما لها وما عليها.
في هذه الحالة ليس الموت أن يتوقف قلب شخص عن الخفقان فنواريه الثرى ونقيم له مأتما مهيبا، بل الموت الحقيقي والكارثي هو عدم القدرة على التعويض، وعدم فتح الأبواب أمام أجيال سُدّت أبواب النمو والارتقاء في وجوههم، فإذا بنا أمام جيلين متباعدين، جيل القدماء الراحلين، أو الذين ينتظرون، وجيل الشباب اليائس من إيجاد مكان وراء المقود لينصرف مكرها إلى شؤونه الخاصة، وإلى مجازفاته ومغامراته وأوهامه وأحلامه.
كل شعوب الأرض وجدت حلاً دائما ومضمونا لهذه الإشكالية المدمرة، وتمكنت من ضبط عملية تجدد الدماء في الجسد الوطني، وفتح المسارات نحو مشاركة فعلية في الحياة السياسية، توفر تجربة وخبرة بحيث ما أن يغيب قديم مخضرم حتى يليه من يكون أقدر منه على المواصلة، فإلى متى نظل استثناءً في هذا المجال بالذات ونحن نستقبل كل يوم خبر قائد يرحل.