تفرض الأحداث التي تشهدها تركيا نفسها بقوة على الساحة الدولية التي استنكرت دولها بشدة الانقلاب الفاشل وتحرك العسكر مجددا في هذا البلد المهم جغرافيا وسياسيا والذي ودع الانقلابات العسكرية التي كانت سمة الوصول إلى السلطة شأنها في ذلك شأن دول العالم الثالث في الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وأفريقيا منذ خمسينيات القرن الماضي. وانخرطت معظم هذه الدول في تجربة ديمقراطية هشة وشكلية تحت ضغوط الدول الغربية ومساعدات صندوق النقد الدولي.
وأثبتت محاولة الانقلاب الفاشل وما أعقبه من إجراءات هشاشة التجربة الديمقراطية في تركيا وبالتالي هشاشة هذه الديمقراطية في تركيا وجاراتها الدول العربية ومثيلاتها من دول إفريقيا وأمريكا اللاتينية.
ولا يمكن وصف ما يجري في تركيا بعد فشل الانقلاب بغير انقلاب على الدولة ومؤسساتها القائمة، ومحاولة لتمكين حزب العدالة والتنمية الذي يقوده الرئيس رجب طيب أردوغان بغير انقلاب على الدولة القائمة بهدف تطهير مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني من معارضي النظام الذين كانوا إلى وقف قريب حلفاء حزب العدالة والتنمية بل وحدة واحدة.
وما يثير الاهتمام أن رجلا منفيا في الولايات المتحدة طوعا أو كرها (غولن) له مثل هذه الشعبية وهذا العدد الهائل من الانصار في الجيش والقضاء والإعلام ودور النشر والطيران والجامعات والمدارس والمساجد والكليات الحربية ويتهم بأنه وراء محاولة الانقلاب الفاشلة وتجري عملية تصفية وتطهير واعتقال لأنصاره من مؤسسات الدولة وعددهم بالآلاف بل بعشرات الآلاف ما يؤسس الى نقمة شعبية كامنه في مستقبل الأيام لا بد أن تقود إلى إضطراب وانقسام مجتمعي ينعكس سلبا على استقرار تركيا التي نتمنى لها كل خير وازدهار.
أما وقد فشلت المحاولة الانقلابية وسيطرت السلطة القائمة على الأمور، وأمسكت بكل أركان الدولة ومؤسساتها، وأظهرت التأييد الشعبي لها من خلال سيطرة حزب العدالة والتنمية وأنصاره على الشارع ساعة الانقلاب وبعد ذلك بأيام فإن من الحكمة ومن مصلحة تركيا أن يتحلى المسؤولون الأتراك بالتروي والعقلانية، وتغليب مصلحة البلد على المصلحة الحزبية، والابتعاد عن سياسة الانتقام والكراهية للخصم السياسي حتى وإن أخطأ. ولكي لا ندع فرصة للذين يصطادون في الماء العكر وهم كثر أن يشوهوا التجربة التركية ويضروا بمصالح هذا البلد المركزي في المنطقة.