الثلاثاء  26 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الضمان الاجتماعي المنتظر/ بقلم: عبدالرحيم الحسن

2016-08-02 02:21:04 PM
  الضمان الاجتماعي المنتظر/ بقلم: عبدالرحيم الحسن
عبد الرحيم الحسن

 

 

الجزء الأول: ما بين الفرص الكامنة وخيبة الأمل...

 

لا يزال الشارع الفلسطيني في حالة ترقب لما ستؤول إليه مداولات اللجنة الوزارية المكلفة بدراسة مختلف المطالب والإشكاليات التي صاحبت إصدار واعتماد المسودة الأخيرة من القرار بقانون رقم 6 لسنة 2016، والتي لا تزال تفرض بعض الحضور على جداول أعمال هيئات ومؤسسات تمثيلية عدة للعاملين وأصحاب العمل بالإضافة إلى استمرارها في تبوء مساحة تشتد وتتراجع وتيرتها على مواقع تواصل اجتماعي واقعية وافتراضية بناء على ما يرشح من ترجيحات أو تلميحات رسمية أو غير رسمية من حين إلى آخر. رغم إيجابية التفاعل الشعبي والمؤسسي في هذا الشأن العام وتضافر جهود نخبة من أعضاء الكتل البرلمانية للتوصل إلى أكبر توافق وطني قادر على تحقيق أعلى قدر من مراتب العدالة الاجتماعية، إلا أن التراجع الذي حصل في مستوى زخم هذا التفاعل خلال الأسابيع القليلة الماضية يبعث على القلق.

 

من المرجَّح أن يكون ذلك التراجع مرتبطاً بالغموض الذي لا يزال يكتنف العديد من القضايا والحصيلة النهائية لمداولات اللجنة الوزارية؛ الأمر الذي تسبب في ارتياب يُرجَّح أيضاً أنه تطور إلى لامبالاة و/أو إحباط مرده شعور محتمل بنوع من الإقصاء لدى متابعين ومهتمين بالشأن جراء عدم صدور أي إعلان عن تمديد لمهلة الأسابيع الستة المنتهية منذ أسابيع. نأمل يكون هذا التقدير في غير محله، وأن يكون التراجع الملحوظ نتاج ثقة مطلقة بأن الأصح هو ما سيصح ولو بعد حين، وأن تتقد ذروة الاهتمام الشعبي والمؤسسي مجدداً لدعم اللجنة الوزارية وصانعي السياسات والقرارات بشكل عام في تحقيق أقصى قدر من التوزان والتوافق في إخراج مسودة قانون ضمان اجتماعي تعود بكل الخير على الفلسطينيين في الوطن والشتات على حد السواء.

 

إن النجاح في إرساء قاعدة متينة لمؤسسة الضمان الاجتماعي المنتظرة مرهون بالقدرة على خلق قناعة ورغبة أصيلة بالانضمام إليها لدى جميع الفلسطينيين الذين تسري عليهم أحكام المادة رقم (4) من القرار بقانون رقم (6) لسنة 2016. لكن، ونظراً لأن الفقرة 1 – ب من المادة رقم 43 من ذات القرار بقانون قد سعت إلى إنصاف من تقل معدلات دخلهم الشهري عن الحد الأدنى للأجور[ii] من خلال النص صراحةً على وجوب "ألا يقل الحد الأدنى للأجر الخاضع للتأمينات عن الحد الأدنى للأجور"، فإن نفس تلك الفقرة من ذات القانون قد تقوض أركان تلك القناعة والرغبة لأنها ستحول في ذات الوقت دون تمكين مؤسسة الضمان الاجتماعي من فتح أبوابها أمام 38.8%[iii] من العاملين (في القطاع الخاص) الذين يتقاضون أجراً شهرياً يقل عن الحد الأدنى للأجور. وهذا بحد ذاته مؤشر خطير من شأنه أن يمس بالشمولية والعدالة التي نتوقع أن تحرص مؤسسة الضمان الاجتماعي على تجسيدها عبر تأمين الحماية والأمن الاجتماعيين لجميع الفئات المشمولة بأحكام المادة رقم (4) من ذات القانون، وعلى رأسها جميع من تقل معدلات دخلهم الشهري عن الحد الأدنى للأجور لكونهم يشكلون شريحة كبرى لا يختلف اثنان على أنها هي الفئة الأكثر عوزاً وحاجة للتأمينات الاجتماعية.

 

بناء على ذلك، من الواضح أن مقتضيات خلق القناعة والرغبة الأصيلة تستوجب من الحكومة اتخاذ إجراءات بناء ثقة من قبيل تأكيد إمكانية وواقعية سريان القانون على جميع فئات العمالة الفلسطينية من خلال تطبيق الحد الأدنى للأجور قبل إنفاذ القانون باعتباره شرطاً مسبقاً ومتطلباً أساسياً لانضمام الفئة الأكثر حاجة للضمان الاجتماعي بحسب الفقرة 1 – ب من المادة رقم 43  من القرار بقانون.

 

سوف تُرتكب خطيئة كبرى بحق تلك الفئة إذا تم التمسك بمبدأ التطبيق التدريجي تحت قاعدة أن الحد الأدنى للأجور سيسري تلقائياً أو تدريجياً بعد سريان القانون؛ ذلك أننا لا نزال نرى ونسمع ونقر بوجود ثغرات في التزام كثيرين من أرباب العمل حتى بأحكام قانون العمل ساري المفعول[iv] رغم مضي 16 سنة على صدوره، ونبرر عدم وفاء غير الملتزمين بالتزاماتهم تجاه العاملين بمبررات من قبيل صعوبة الأوضاع الاقتصادية وممارسات الاحتلال وأسباب أخرى ينبغي أن نتبرأ منها براءة الذئب من دم يوسف؛ لأن أيا منها لا يبرر لأي كان عدم الالتزام بالقانون، خاصةً عندما يتعلق الأمر بحقوق الفئة الأكثر عرضةً للإجحاف من أبناء الشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى أن:

- صعوبة الأوضاع الاقتصادية التي تتعمق بلا أدنى شك جراء حرمان هذه الفئة من حقوقها، ولا تشكل بأي حال من الأحوال مبرراً لغض الطرف عن عدم التزام عديد من أرباب العمل بتطبيق الحد الأدنى للأجور؛ ذلك أن المحدودية البالغة لأجور تلك الفئة تجعلها تكافح لتوفير بعض من الاحتياجات الأساسية من السوق المحلي، بينما يكدس غير الملتزمين من أصحاب العمل أرباحا فاحشة يتم استثمارها بشكل يعمق من صعوبة الأوضاع الاقتصادية.

- أية جهات خارجية لم تتدخل في تحديد الحد الأدنى للأجور المعتمد بقرار صادر عن مجلس الوزراء (رقم (11) لسنة 2012) بتاريخ 09/10/2012، بما في ذلك الحد الأدنى لأجر ساعة العمل الواحدة للعمال المشمولين بالقرار والمحدد بقيمة 8.5 شيقل لساعة العمل الواحدة، ولا تتدخل حتى بتحديد ثمن فنجان قهوة بمعدل يفوق أجر الساعة الواحدة في مطاعم ومرافق سياحية وخدمية ممن يدفع العديد منها لعاملين لديهم أقل من الحد الأدنى المقرر لساعة العمل الواحدة؛ وذلك كله على مرأى ومسمع من الجميع....

 

كما وتتفاقم تبعات تأجيل و/أو عدم تطبيق الحد الأدنى للأجور قبل إنفاذ القانون إلى مستوى من شأنه أن يمس باستدامة مؤسسة الضمان الاجتماعي مستقبلاً، خاصة وأن المادة 107 و المواد 111 – 115 من القرار بقانون رقم (6) لسنة 2016 توحي بأن تطبيق الحد الأدنى للأجور سيُلقى على عاتق تلك المؤسسة دون أدنى اعتبار إلى أن ذلك سيصدر لها أزمة كفيلة باستنزاف بعض من مقدراتها على مختلف المستويات المالية والإدارية والقانونية من حيث أنها ستضطر لا محالة إلى أن توظف طواقم ومفتشين لتطبيق الحد الأدنى للأجور. وتتجلى جسامة اشكالية تصدير تلك الأزمة عند الأخذ بعين الاعتبار أنه سيتعين على مؤسسة الضمان الاجتماعي أن تعمل على إلزام أصحاب العمل غير الملتزمين أيضاً بدفع 10.4% إضافية (من قيمة أجور العاملين لتغطية مساهماتهم عن أولئك العاملين إضافة إلى الفرق في قيمة الحد الأدنى للأجور) إلى مؤسسة الضمان الاجتماعي. وفي حال أخفقت المؤسسة في تحقيق الالتزام الواجب، ستبقى تلك الشريحة من العاملين خارج نطاق قانون الضمان الاجتماعي، الأمر الذي سيقوض مصداقيتها وقدرتها على تحقيق العدالة التي تسعى المؤسسة إلى تحقيقها بحكم الاختصاص، وسيقزم دورها في عيون الجميع إلى أبعد الحدود.

 

لا شك بأن الحكومة، ممثلةً بوزارة العمل[v]، هي الأقدر على فرض الالتزام بالحد الأدنى للأجور بحكم مسؤوليتهما عن تطبيق القانون وتنظيم العلاقة بين العاملين وأصحاب العمل وفق أحكام القانون، وبشكل خاص البابين الثامن والعاشر من قانون العمل الفلسطيني رقم 7 لسنة 2000، ناهيك عن أن إمكانات الوزارة المتمثلة بانتشار طواقمها في مختلف المحافظات والمدن الرئيسية يجعلها الأقدر لوجيستياً وفنياً على ضمان تطبيق الحد الأدنى للأجور وتحقيق الالتزام التام[vi] بأحكام قانون العمل على حد السواء قبل سريان ذات القرار بقانون.

 

لكن، وفي حال لم تكن الموارد البشرية المتاحة لوزارة العمل كافية لتحقيق الالتزام المطلوب، ينبغي رفد الوزارة بموارد بشرية إضافية من مختلف الوزارات والمؤسسات والأجهزة الحكومية لتحقيق الالتزام الواجب (بالحد الأدنى للأجور) قبل المباشرة بتطبيق القانون. يمكننا-في هذا السياق- البناء على خبرة الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في مجال تشكيل وتدريب فرق وطنية للتحقق من التزام غير الملتزمين، وذلك على نفس النسق الذي كان يتم به تشكيل فرق ميدانية لفترة زمنية محددة لإجراء مسوحات وتعدادات إحصائية. ولتسهيل ولتسريع إنجاز الفرق لتلك المهمة النبيلة، من الأنسب أن يتم منح أرباب العمل غير الملتزمين مهلة محددة لتصويب أوضاعهم وتحقيق الالتزام المطلوب طواعية بأجور لا تقل عن الحد الأدنى للأجور وبمختلف أحكام قانون العمل تحت طائلة المسؤولية.

 

 


[i]  تعبر هذه المقالة عن رأي الكاتب حصراً، وتسلط الضوء في بعض من جوانبها على قضايا جوهرية سبق أن تم طرح بعضها عبر منابر إعلامية وطنية متعددة.

 

[ii]  1,450 شيقل بحسب "قرار مجلس الوزراء رقم (11) لسنة 2012 بشأن اعتماد الحد الأدنى للأجور في جميع مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية" الصادر بتاريخ 09/10/2012.

 

[iii]  الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 2016. مسح القوى العاملة: دورة (كانون ثاني – آذار، 2016)، الربع الأول 2016، تقرير صحفي لنتائج مسح القوى العاملة. رام الله– فلسطين. (صفحة 6).

 

[iv]  جريدة القدس الاقتصادي."انخفاض في عدد إصابات العمل". الخميس، 21/07/2016، (ص. 19).

                                                                                                                 

[v]  تمنح المادة 107 من قانون العمل الفلسطيني رقم (7) لسنة 2000 صفة وصلاحيات الضبط القضائي لأعضاء هيئة تفتيش العمل التابعة للوزارة لمتابعة تطبيق أحكام القانون والأنظمة الصادرة بمقتضاه.

                                                                                                                 

[vi]  بحسب مصادر وزارة العمل الفلسطينية، هناك قصور بالغ في الاتزام بأداء مكافأة نهاية الخدمة المنصوص عليها في قانون العمل ساري المفعول، حيث يتجسد ذلك في عدم حصول "أكثر من 75% من العاملين (في قطاع غزة) على مكافأة نهاية الخدمة (جريدة القدس الاقتصادي، "انخفاض في عدد إصابات العمل"، الخميس، 21/07/2016، ص. 19).