السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الدين والكوته توهان ما بين الماضي ومتطلبات المستقبل/ بقلم: غسان عنبتاوي

2016-08-04 11:38:38 AM
الدين والكوته توهان ما بين الماضي ومتطلبات المستقبل/ بقلم: غسان عنبتاوي
غسان هشام عنبتاوي

 

شدتني تفاصيل رواية  "الشمعة والدهاليز"، والتي لا زلت لم أكمل قراءة فصولها بعد للكاتب الجزائري الطاهر وطار، والذي جسد فيها الصراع الفكري للشباب ما بين الانشداد إلى المستقبل بزهوه ونمطه السريع الذي لم يعد يوفر لهذا الجيل اللمسات الإنسانية والرموز التي يرغب بالاحتذاء بها، وبين ماض كتبت فصوله عن أزمنة صورت فيها أمجاد لشخصيات بطولية قاهرة أو لربما بولغ في وصفها حتى بدت قاهرة، ووصفت أعمالها حتى غدت أيقونة ومثالا يراد أن يحتذى به من فئة فقدت المعنى لحياتها بعد أن أصبحت تابعة منقادة إلى أنماط حياة وأفكار أخرى لا تعبر عنها لا في الجوهر ولا في الشكل، فأصبحت تعيش حالة لا انسجام ولا سلام مع الذات، وفقدت لغة التواصل الفكري أو الروحاني مع واقعها، وانغمست في التعامل مع ما فرضته عليها قسوة ظروف الحياة، والتي تعمقت فيها وازدادت الفوارق  الطبقية والاجتماعية بين الناس.

 

وفي محاوله للخروج من هذه الأزمة أنشد البعض، وربما الكثير، إلى الماضي البعيد "بأمجاده " وما يمثله من إنجازات وقيادة واعتداد بالذات بخلاف التبعية المتجسدة في الواقع لمجتمعات وأفكار أخرى، فترجم ذلك بتقليد ومحاكاة الماضي إما بالشكل أو المضمون أو كلاهما، في محاولة لإعادة أمجاد الماضي لعل هذا الرجوع يؤتي معه عودة العز والأمجاد.

 

تتجلى الصورة بوضوح في حالة الاستقطاب الحادة هذه الأيام بين ما هو ديني وما هو أقل دينا، وربما لا ديني، أو بشكل أدق بين ما هو إسلامي أصولي وبين ما هو علماني، واصبح البديل المطلوب لحالة الاستقطاب هذه وبشكل جلي أن لا يكون الدين أساسا للتصنيف فالدين لله والأرض للجميع ولا يجب القبول بان يكون التصنيف الديني أو العرقي هو ما يفضي إلى الأفضلية أو الدونية.

 

ويبدو أن رواية الشمعة والدهاليز، أضاءت لي شمعة في دهاليز ما وراء قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والذي جاء انسجاما مع القانون الأساسي في تحديد كوتات للأقليات المسيحية في الانتخابات البلدية في بعض المدن، فأنا من جانب احترم انصياع الرئيس للنظام الأساسي والذي عمل به سابقا، ولكني في ذات السياق أتساءل حول جدوى وأهمية الدين في تحديد الكوتات، فبعد أكثر من عشرين عاما على إقرار النظام الأساسي الفلسطيني، والذي حرص على حماية حقوق الأقليات وضمان تمثيلهم سواء من المسيحين أو السامريين أو المرأة إلا أن السؤال الأهم يبقى هو هل فعلا أتت هذه القوانين مرتجاها، أم كانت عبارة عن مكياج لتجميل وجه السلطة وطريقة الحكم؟  فيما بقي حال الأقليات على حاله إن لم يتراجع، فعدد المسيحيين في فلسطين في تراجع فيما بقيت الكوتات على حالها والسؤال الأهم هل دين الشخص المنتخب هو الحكم الفيصل، أم حرص الشخص على مصلحة الوطن والمنطقة الجغرافية التي يترشح عنها وخدمة مواطنيها ومدى ثقافته وانفتاحه واستيعابه للآخر وسماته وصفاته الفاضلة أليست هي الأجدى في أن تكون الأساس لمن يكون في منصب قيادي؟

 

السؤال المكمل لما تم إقراره من كوتات (رغم عدم قناعتي التامة بنظام الكوتا لأي فئة أو مجموعة، وإن كان ولا بد من وجود محددات فلربما من الأجدى لها أن تصف من يحق له الترشح، سواء من حيث الخلفية العلمية أو العملية أو المواصفات الوطنية وغير ذلك من المحددات ) للإخوة المسيحين والذين هم جزء أصيل وعميق من الشعب الفلسطيني.

 

لماذا لم يتم تخصيص كوتات للسامريين والشباب من أجيال محددة، فيما تم تخصيص كوتات للمرأة، فالمبدأ كل لا يتجزأ، فإذا كان الهدف حماية الأقليات فيجب من باب الأصول حماية كافة الأقليات وليس البعض منها فقط.

 

وبما أننا "دولة علمانية" افتراضيا فإنه من غير المناسب تحديد الكوتات أصلا فما بالك بتحديدها على أساس ديني؟  ما يجب تغييره هو الثقافة والوعي، وتعزيز استيعاب الآخر وأن يكون الأفضل في المكان المناسب، والكفاءة هي المعيار للانتخاب سواء للبلديات، أو المجلس التشريعي، أو الرئاسة.

 

قد يكون من الأجدى البدء بتغيير الثقافة المجتمعية تدريجيا؛ تمهيدا لتغيير القانون الآساسي حينما يحين الوقت لذلك في زمن ليس ببعيد فالصراع الديني هو ما يزرع الفرقة وهو ما يبعد البشر عن بعضهم وخصوصا جيل لشباب الذي تاه بين ماضية ومستقبله حتى فقد الاتصال مع حاضره