إذا قالت حذام
الكلمةُ التي نقولها قد تحيي الكثير من الأرواح وقد تميتها .. وقد تأخذ الكلمةُ شكل تعزية للروح وللنفس البشرية المتضررة حتى قيل في مورثنا الإسلامي (الكلمة الطيبةُ صدقة) الكلمة مذ خلقها الله كانت سلاحاً بوجه الظلم والتمييز العنصري والطائفي وضد الحكومات التي كانت تقمع الكلمة وتراها التهديد الأول لعرشها.
ونحن العُزّل الذين لا نجيد حمل السلاح الثقيل ولا نعرفُ كيف ندوس على الزنّاد ولا نعرفُ أنواع الرصاص .. وجدنا أنفسنا نقاتلُ بالكلمة .. والكلامُ كما عرّفه أصحاب اللغة هو كل جملةٍ مفيدة ..تؤدي إلى قولٍ مفيد .. ولأني لا أملكُ غير الكلمات (أبيعها وأشتريها ومحكومةٌ بها) راحت تُلحّ عليّ كلمة توقفني أمامها لأيام، وهي كما أراها جملة مفيدة وإنسانية تحفرُ في روحي لأرى ما ادلهمّ منها وما أضاء.. وهي دالةٌ على كلامٍ يصيبُ عمق الهوّة الحاصلة بين الحلم والواقع.. يطلقها المسرحي السوري العبقري الراحل سعد الله ونوس بقوله:
(نحنُ محكومونَ بالأمل).. هذه الجملة المفيدة تُشيرُ إلى مفهومٍ يبدو أننا أغفلناه أو تناسيناهُ أو نسيناه من الأساس يُدعى (الأمل) هنا سعد الله ونوس، الذي عانى كثيراً بالتوفيق بين أحلامه وواقعه يمدّ القول إلى كل أوجاعنا، خيباتنا وخذلاناتنا التي ورثناها عن الاجداد .. ويربّتَ على أكتافنا بقوله نحن محكومون بالأمل ..!
ماهو الأمل..؟ الأملُ هذا الكائن الذي يفتح الروح ويدغدغُ شرايينها فتنجلي بالإنشراح والحبور وتشعرُ بضوءٍ بعيدٍ في آخر عتمة هذا النفق المسمى حياة..! لكنْ بالله عليكم هذا المعنى كيف يمكن أن يتجذر في النفوس المصابة بلوثة الواقعية والواقع المحبط بكل مافيه من فواجع.. ؟ كيف يمكن لملايينَ من النازحين عن مساكنهم وبيوتهم ومحالّ ولادتهم وبلدانهم.. أن يفكروا بشيء اسمه الأمل..؟ كيف يفهمُ الطفل الذي فقد كل شيء بما في ذلك أبويه أن يعرفَ معنى الأمل أو يتربى عليه.. وهو يرى كلاب البشر تتراكض لذبحه وقتله باسم الله وباسم الطوائف وباسم الاديان وباسم الإنسانية ايضاً..!!
كيف يمكننا إقناع مَن سلبوا شرفها وأجبروها على البغاء باسم الإسلام أن تقتنع بالأمل..؟ هل سيردّ الأملُ عذريتها وشرفها المسلوب..؟ أم هل سيعيدها لأبويها وأهلها..؟ هل سيزيحُ عنها العار ونظرة الجيران وكل مَن يعرفها متناسين أنها مغتَصَبة..!! هل سيعيدُ لها روحها المستَلَبَة..؟ ويعيدُ لها اللحظة الأولى قبل غدرها وإهانتها..؟
هل سيفتّشُ الأمل عن الإيزديات اللواتي باعوهنّ في سوق النخاسة والرقيق وكأننا امام فلمٍ جاهلي سيء السيناريو والاخراج ..!!
هل سيدفعُ الأمل فواتير أعمارنا المهدورة..؟ هل سيُصلحُ ما وصلنا إليه من قبح..؟
هل ثمة ما يسمى أملاً ليصنع غداً أجمل لأبنائنا..؟ لإنفسنا..؟ وهل من أملٍ سيبني لنا وطناً آمناً..؟
لستُ من المتشائمين لكنها أسئلةٌ يفرضها الواقع إذا ما فكرنا بالحلم وبالأمل وبالحياة التي يتمناها أي إنسانٍ سويّ .. وهذا يدفعني لأتساءل:
كيف يولد الأمل..؟ في ظل هذا الخراب المشترك الذي نواجهه جميعاً.. هل مفهوم الأمل اختلف وتطور حسب اختلاف الزمن وتطور الأحداث والحياة..؟ هل كان الأملُ في الزمن القديم ينام على فراش وثير فكان يأتي حالماً وهادئاً ومحملاً بعطر الورد والياسمين فحين نسمع كلمة أمل نُصاب بحالة من الاسترخاء والهدوء والابتسام والسلام الداخلي..؟ ثم بسبب العنف البشري وتطوراته صار يلبس بدلة حمراء ونراه في عين الأطفال الدامعة وابتساماتهم المنكسرة والتراب الذي نام على وجوههم فغيّر ملامحها..؟ هل الأمل تطور تطوراً عمودياً أم أفقياً..؟ أي هل كان مفهوماً أساسياً ثم انتكس ليُنسى..؟ أم كان منسياً وقت الرخاء والآن في هذا الزمن البائس ظهرَ كنبيّ مرسل وعلينا التشبّث به والمناداة باسمه من جديد على أمل أن يخرجنا من الهزيمة التي مُنيت بها أرواحنا..!
وهذا يدعوني لسؤال آخرَ.. (معلش) نحنُ محكومون بالأسئلة..
أين يولد الأمل..؟ وأعني هذا الأملُ الذي يظل يحدونا ليجبرنا على التفاؤل كي نجبر الانكسارات والفشل والموت على الابتسامِ معنا..؟ أين يولد..؟ هل يعرف أرواحنا التي تهشمت من كثرة انقساماتها ومن كثرة الخيبات التي رافقتها..! هل نحنُ ممن نزل عليهم (تطبيق) الأمل هذا..؟ أم أنّه خُصص لشعوب ما وراء البحار والشعب الامريكي والاوروبي الذي استطاع القفز على الواقع والوصول للحلم بالأمل..؟
هل توجد دراسات طُبّقت على الشعوب المفعمة بالأمل وجاءت لنا بنتائج عن نسبة فاعلية هذا الأمل ومساهمته في بناء هذي الشعوب وتطوراتهم وإنجاح مشاريعهم..؟ كي نستفيد منها ونطبقها على موتنا المتجدد علّنا نبني لنا قبوراً من أمل..!!
لكنْ..
هل هناك أملٌ أصلاً..؟ أم أصيب الأملُ بخيبةِ أمل..؟