السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ليس مسّا باستقلال القضاء محمد الرجوب

2014-09-29 08:03:17 PM
ليس مسّا باستقلال القضاء
محمد الرجوب
صورة ارشيفية

 

من الطبيعي أن يكون التعامل الإعلامي مع أحكام القضاء حذراً، وذلك انطلاقاً من اعتبارات قانونية ومهنية وأخلاقية، ومن معايير تمدن وحضارة أي مجتمع، وجود جهاز قضائي مستقل تُحترم قرارته وتكون صماماً للسلم المجتمعي.

ولذلك تقتضي المصلحة العامة عدم توجيه الانتقادات العلنية لقرارات القضاة في المحاكم، كما هو الحال في السلطة التنفيذية مثلاً، ولكن المصلحة العامة تقتضي أيضاً تسليط الضوء على الخلل إذا ما ترتبت عليه تداعيات تهدد المكتسبات الوطنية كما سيتضح لاحقاً في هذا المقال، حتى وإن كان قراراً قضائياً واجب التنفيذ من الناحية الدستورية، فالقوانين توضع لتحقيق المصلحة العليا للشعب، والنصوص ليست مقدسة خاصة إذا ما زاد عمرها عن نصف قرن.

ما معنى أن يُحَاكَم أحد التجار المتورطين بتهريب تمور مصدرها المستوطنات، انطلاقاً من قانون العقوبات الأردني الصادر في ستينيات القرن الماضي، بدلا من قانوني حماية المستهلك وقانون مكافحة وحظر منتجات المستوطنات الصادرين حديثاً، وفيهما نصوص أكثر ردعا؟ حَكم القاضي على هذا التاجر بالحبس لمدة ثلاثة أشهر، وتم استبدالها بكفالة مالية، ليتم ضبطه ثانية في عملية تهريب أخرى وبعد فترة وجيزة. وإذا كان التوقيف لحين النطق بالأحكام يعتبر من إجراءات القانون، وليس عقوبة، فمن باب أولى استبعاد الإفراج عن هذا التمهم في ظل عدم توفر ضمانات بعد إقدامه على ذات الفعل مرة أخرى.

ولا يدعي كاتب هذه السطور أنه ضليع في القانون، لكن ثمة إجماع في صفوف الخبراء القانونيين على أن القانون الخاص أكثر أولوية بالتطبيق في المحاكم في القانون العام (قانون العقوبات الأردني). الذي لم يصدر عن المشرع الفلسطيني، وهو أصلاً امتداد لقانون العقوبات الصادر إبان الانتداب البريطاني.

هذه صرخة للفت انتباه مجلس القضاء الأعلى للعمل على فتح مدارك السادة القضاة ليخرجوا من ضيق النصوص إلى فسحة الواقع. فالمقاطعة الأوروبية الموجعة للمشروع الاستطياني في الضفة تكاد "تفشل" بسبب هكذا أحكام. فمن يتحمل المسؤولية؟

يقول المزارعون والجهات الرسمية إن هناك تهريباً منظماً لتمور المستوطنات وتبييضها بخلطها بالتمور الفلسطينية بهدف تسويقها محلياً أو تصدريها للخارج على أنها منتجات فلسطينية لكسر المقاطعة الأوروبية، فهل القضاة الذين يمثل أمامهم المهربون مدركون لهذا الأمر؟ هل يضع القاضي نصب عينيه في هكذا دعاوى التداعيات الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية، في إطار ما تتيحه لهم نصوص القانون الفلسطيني وليس غيره؟

التمور في رام الله تباع بسعر أقل من المزرعة في أريحا، ما يعني قطعاً أن التهريب على أشده، بينما يُعلن في كل يوم تقريباً، خلال الموسم، عن ضبط أطنان مهربة هنا وهناك، والنتيجة مقاطعة المستوطنات تفشل.

وليس من باب الترويج لعملية التهريب، ولكن يتوجب الإشارة إلى أن العائد المادي على كل طن مهرب من تمور المستوطنات يتجاوز 5 آلاف شكيل، فماذا يعني الحكم بكفالة مالية زهيدة على من نجح في تهريب عشرات الأطنان وتم ضبطه متلبساً مع إحدى الدفعات الصغيرة المهربة؟ ولماذا خرج عدد من التجار مؤخراً بأحكام براءة، علماً أنهم ضبطوا متلبسين مع بضائع مستوطنات مهربة؟

هذه الأسئلة وأخرى برسم الإجابة من مجلس القضاء الأعلى.

قد يكون هناك شيء ما في تكييف القضايا من قبل الجهة المدعية (النيابة العامة). وهنا نُذكر السادة وكلاء النيابة والسادة القضاة كيف كانوا يجتهدون لإيجاد مبادئ قانونية، تشكل مخرجاً للجهة المدعى عليها وهي السلطة التنفيذية، ولا يمكن انتقاد هذه الاجتهادات طالما تتفق وصحيح القانون، ولكن لماذ لا تتم هكذا اجتهادات في قضايا أشبه ما تكون بقضايا الأمن القومي (التهريب)؟ ولماذا لا تستأنف النيابة على القرارات القضائية التي يتم فيها تكفيل المهربين؟ حان الوقت لينتفض الجهاز القضائي لحماية المستهلك الفلسطيني والاقتصاد الوطني وصغار المزارعين في إطار ما يتيحه القانون.