الثلاثاء  26 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الضمان الاجتماعي المنتظر

الجزء الثاني: قِبَلةً جديدة على طريق العودة والوحدة...

2016-08-07 04:21:36 PM
الضمان الاجتماعي المنتظر
عبد الرحيم الحسن

 

بقلم: عبدالرحيم الحسن[i]                                                                      

 

إن النجاح في جعل مؤسسة الضمان الاجتماعي المنتظرة قِبَلةً أخرى لكل الفلسطينيين مرهون بمدى قدرة تلك المؤسسة على تكريس الثقة والمصداقية اللازمة من خلال تهيئة الأرضية اللازمة لتمكينها من استيعاب جميع الفئات المنصوص عليها في المادة (4) من القرار بقانون رقم (6) لسنة 2016، وعلى رأسها الفئة الأكثر تضرراً من جراء عدم تطبيق الحد الأدنى للأجور، والتي يعتمد نجاح مؤسسة الضمان الاجتماعي في شملها على تطبيق الحد الأدنى للأجور قبل إنفاذ القانون. وهذا بدوره يشكل ركيزة تمهد لشمل فلسطينيي الشتات (ضمن المادة (4) من ذات القرار بقانون) من خلال إتاحة المجال للراغبين منهم للإنضمام على نفقتهم الخاصة وتسديد الاشتراكات المطلوبة (من المشترك وصاحب العمل) على النحو المنصوص عليه في المادة (9) من القرار بقانون.

 

يجب التنويه إلى أن ذلك لن يكون مقنعاً لإخوتنا في الشتات ما لم يتم تأكيد سريان قانون الضمان الاجتماعي في مختلف محافظات الوطن وبنفس القدر على كافة فئات القوى العاملة الفلسطينية، متفائلين ومعولين في ذلك على قدرة الضمان الاجتماعي بمفهومه الشامل على إنهاء أية اعتبارات ومسائل خلافية سياسية خاصةً وأن حاجة العاملين في قطاع غزة للتأمينات الاجتماعية توازي – إن لم تكن أكبر بكثير - من حاجة إخوتهم في الضفة الغربية لتلك التأمينات.

 

نتوقع أن يتم الايعاز إلى سفاراتنا وممثلياتنا بالخارج للمباشرة بالجهود التوعوية اللازمة لانضمام إخوتنا من فلسطينيي الشتات إلى مؤسسة الضمان الاجتماعي والترتيب مع الدول التي يقيم ويعمل بها فلسطينيون لتحويل مساهمات الراغبين منهم ومساهمات أرباب عملهم إلى مؤسسة الضمان الاجتماعي في فلسطين. كما ينبغي ألا يفوتنا أيضاً أن ضم مغتربينا إلى مؤسسة الضمان الاجتماعي كفيل بأن يمكننا من تطهير الذاكرة الجماعية الفلسطينية من كوابيس تستحضرها حكايات عن أشقاء ذاقوا مرارة العوز بعد نفاذ مدخراتهم، وعدم تمكنهم من الحصول على عمل يوفر لهم بعضاً من الدخل الذي كان متاحاً لهم في الدول التي كانوا يعملون بها قبل عودتهم إلى فلسطين. سنوفر على الدولة بعضاً من مخصصات المعونة الاجتماعية الموجهة لدعم المعوزين، وسنزرع في ذات الوقت الأمل في نفوس مغتربينا وسنعمق الشعور بالأمن الاقتصادي-الاجتماعي مستقبلاً إذا أتحنا لهم المجال للانضمام إلى الضمان الاجتماعي في بلدهم فلسطين، التي سنكون قد أعدنا توجيه البوصلة إليها بما يمكن من وقف نزيف الهجرات المستمرة لاعتبارات اقتصادية، والتي من ضمنها أن الضمان الاجتماعي المعمول به في دول المهجر غير متوفر في فلسطين. سنستعيض عن تلك الهجرة بعودة تسرع وتيرة البناء الوطني بإمكانات أولئك المشتركين والعائدين الذين سيرون في مؤسسة الضمان الاجتماعي حُضناً وحِصناً يوفر لهم الأمن الاجتماعي – الاقتصادي المنشود في بلدهم فلسطين، وسنكون قد نجحنا بالمحصلة في أن نعمق القناعة الراسخة والرغبة الشديدة والثقة التامة وكامل المصداقية اللازمة لجعل مؤسسة الضمان الاجتماعي قِبَلةً أخرى بامتياز للمرابطين على الأرض وللمغتربين على حد السواء، دون أدنى انحياز لعامل أو رب عمل.

 

الوحدة تحت مظلة قانون ضمان اجتماعي وطني شامل

هناك شعور بتمييز غير قابل للتبرير لدى موظفي القطاع الخاص (مختلف الفئات المشمولة بالمادة (4) من القرار بقانون رقم (6) لسنة 2016) جراء عدم تمتعهم بنفس المزايا التي يوفرها قانون التقاعد العام لموظفي القطاع العام. وقد سبق أن صدرت دعوة لتوحيد صناديق التقاعد تحت مظلة قانون ضمان اجتماعي وطني شامل لمختلف القطاعات؛ وذلك تحرياً لتعزيز العدالة الاجتماعية وإزالة أي شعور بالإجحاف لدى موظفي القطاع الخاص، بما يمكننا من جعل مؤسسة الضمان الاجتماعي بيتاً لكل الفلسطينيين وفق التصور التالي:

 

  • تقوم الحكومة شهرياً بتحويل الاشتراكات/المساهمات المقتطعة من رواتب المدنيين والعسكريين ومساهماتها كمشغل إلى مؤسسة الضمان الاجتماعي شأنها وشأنهم في ذلك شأن أصحاب العمل والعاملين في القطاع الخاص والأهلي ومختلف أطياف شعبنا في الوطن والشتات.

 

  • تلتزم الخزينة بدفع تعويضات/مساهمات/الحقوق العمالية للمدنيين والعسكريين عن فترة ما قبل سريان القانون الجديد عند بلوغ أي منهم لسن التقاعد أو عند انتهاء الخدمة قبل بلوغ سن التقاعد، سواء كان ذلك حسب قانون العمل أو قانون الخدمة المدنية ساري المفعول، أيهما أفضل.

 

  • يستمر التزام الحكومة وصناديق التقاعد قائماً بدفع مخصصات التقاعد للمتقاعدين حالياً والذين يبلغون سن التقاعد قبل تاريخ سريان القانون الجديد على النحو المعمول به حالياً...

 

علينا جميعاً تجديد هذه الدعوة مراراً وتكراراً، خاصةً وأنه لا يخفى على الجميع أن التصور سابق الذكر يراعي بكل موضوعية الإمكانات المالية المتاحة للحكومة من حيث عدم قدرتها على دفع المستحقات والمساهمات عن فترة ما قبل سريان القانون دفعة واحدة، بالإضافة إلى أنه سيتيح للعاملين من مدنيين وعسكريين الحصول على تعويضات نهاية خدمة وراتب تقاعدي عند بلوغ سن التقاعد، وسيمكننا جميعاً من طي صفحة تمييز قاتمة بين قطاعات المجتمع الواحد؛ لنكرس على الأرض معاً حقيقة أننا شعب واحد يتقاسم أبناؤه تبعات ومتطلبات ومزايا الانتماء لنفس الوطن والمصير المشترك...

 

استدامة المركز المالي لمؤسسة الضمان الاجتماعي

لكن، وفي حال كانت هناك أسباب موجبة لعدم تحقيق الوحدة تحت مظلة قانون ومؤسسة ضمان اجتماعي موحدة، من الواجب اتخاذ اجراءات توعوية، مع العمل بشكل موازي على تحقيق المساواة والعادلة على مستوى نسب الاشتراكات ومعامل احتساب الراتب التقاعدي للحيلولة دون شعور أي معني بالإجحاف مقارنة بآخرين مشتركين في أنظمة تقاعد أخرى؛ ذلك أنه من ضروب الخيال أن نقنع من يهمهم الأمر بالاكتفاء بمزايا تقل عن مزايا ممنوحة لمشتركين في أنظمة تقاعد أخرى سواء على مستوى نسب المساهمة أو على مستوى معامل احتساب الراتب التقاعدي. ولتجاوز المحددات والتحذيرات التي تطلقها منظمة العمل الدولية وجهات عدة بشأن قدرة مؤسسة الضمان الاجتماعي على تحقيق الاستدامة الواجبة في حال اعتماد مزايا موازية لتلك التي يتمتع بها منتسبو التقاعد الحكومي، بمعزل عما يتم تداوله بشأن الحل الأوحد المتمثل في إرهاق العاملين وأرباب العمل بمساهمات إضافية دفعة واحدة في الوقت الراهن، علينا البحث في حلول وخيارات متاحة أخرى من قبيل:

 

  • تسريع انضمام فلسطينيي الوطن والشتات إلى مؤسسة الضمان الاجتماعي بما يمكن من تعزيز قدرتها على تحقيق الاستدامة المطلوبة، من خلال المساهمات والاشتراكات التي سيؤدونها إلى المؤسسة.
  • تشكيل شبكة دعم وإسناد لمؤسسة الضمان الاجتماعي، بحيث تضم في عضويتها خبراء في حشد الدعم المالي والهبات والتبرعات من وطنيين في الوطن والشتات ومن أخوة في العروبة ومن أصدقاء ومحبين للشعب الفلسطيني بصرف النظر عن أماكن تواجدهم. ومن المتوقع أن لا تتوانى الحكومة أيضاً عن تقديم الدعم اللازم لتلك الشبكة من خلال تخصيص حيز مادي و/أو افتراضي في مقار السفارات والممثليات الفلسطينية في مختلف دول العالم، بحيث تستفيد شبكة الدعم تلك من البنى التحتية القائمة في تلك المقار بما يمكنها من حشد كل دعم مالي ممكن من الخارج (لمؤسسة الضمان الاجتماعي) بأقل تكلفة ممكنة.
  • قيام الحكومة بمنح حوافز ضريبية لمقدمي المنح والهبات والتبرعات على مستوى الوطن، بما يتضمن اعتبار الأموال المحولة منهم إلى مؤسسة الضمان الاجتماعي جزءاً من الدخل غير الخاضع لضريبة الدخل باعتباره مصروف معتمد من السلطات الضريبية، وبحيث يكون ذلك مصحوباً بجهود موازية على المستويين الإقليمي والدولي بهدف توقيع اتفاقيات تتيح للمتبرعين من الخارج الحصول على إعفاءات ضريبية مماثلة في الدول التي يحولون الأموال منها.

 

  • قيام الحكومة بتقديم حوافز ضريبية كلية للاستثمارات التي ستقوم مؤسسة الضمان الاجتماعي بضخها في الاقتصاد الوطني، بحيث تسهم تلك الحوافز والإعفاءات الضريبية في تعزيز المركز المالي لمؤسسة الضمان الاجتماعي بما يمكنها من ضخ استثمارات جديدة والوفاء بالتزاماتها تجاه المشتركين والاقتصاد الوطني على حد السواء. رغم أن هذا الطرح قد يفسر على أنه يمس بإيرادات الدولة من ضريبة الدخل المستحقة افتراضياً عن أرباح المنشآت الاقتصادية المنبثقة عن مؤسسة الضمان الاجتماعي، إلا أن هناك الكثير الكثير من العائدات الضريبية التي ستحققها الدولة من ضريبة الدخل المستحقة على دخل موظفي تلك المنشآت ومن مختلف أنواع الضرائب (كضريبة القيمة المضافة) التي ستستحق على مدخلات العملية الانتاجية والخدمية إضافةً إلى تلك الضرائب التي ستتأتى بفعل الحراك الاقتصادي الذي ستحدثه أجور أولئك العاملين في مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني.

 

  • قيام العاملين وأصحاب العمل على حد السواء بالنظر بكل إيجابية لحلول إضافية مستقبلاً من أجل تعزيز استدامة مؤسسة الضمان الاجتماعي، بما في ذلك زيادة تدريجية في نسب المساهمات التي يؤدونها إلى مؤسسة الضمان الاجتماعي. وفي حال تم التوافق مستقبلاً على زيادة مساهمة كل من أصحاب العمل والعاملين بنسبة 0.02% سنوياً، فإن المساهمات/الاشتراكات الكلية ستشهد ارتفاعاً بنسبة 4% كل 10 سنوات، أي أن إجمالي مساهمة العاملين وأصحاب العمل سيبلغ 30.5% بعد 50 سنة.

 

  • تبني نظرة تفاؤلية للمستقبل وبقدرة مؤسسة الضمان الاجتماعي على تحقيق الاستدامة اللازمة من خلال الحرص على أن تمتد ركائز الاستدامة لتشمل تعظيم دور الاهتمام الشعبي والمؤسسي منقطع النظير بأمر هذه المؤسسة وبنجاحها باعتبارها مؤسسة وطنية عامة يحرص الجميع على استمرارية أدائها لرسالتها بشتى السبل؛ وذلك من خلال تكريس شفافية مطلقة تعزز من دور وقدرة الإدارة الرشيدة على تحقيق عائدات استثمارية تعزز من سلامة المركز المالي للمؤسسة ومن قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه فلسطين والمنتسبين على حد السواء. كما وينبغي ألا يفوتنا البناء على ما تزخر به الذاكرة الفلسطينية من إسهامات نبيلة لنخب فلسطينية وعربية في بناء فلسطين، بما في ذلك أمثلة حية لا تزال قائمة في مؤسسات تربوية واجتماعية وثقافية فلسطينية؛ وذلك كجزء من رد الجميل لوطن ترعروا في أكنافه ويضم ترابه رفاه آبائهم وأجدادهم جنباً إلى جنب مع اسهامات لدول عربية شقيقة وأخوة في العروبة لم يتوانوا عن أداء الواجب تجاه فلسطين والفلسطينيين؛ وذلك كملاذ أخير لتعزيز الاستدامة على المدى الطويل.

 

كما وندعوا كافة المهتمين والمعنيين لتقديم حلول وخيارات خلاقة في سبيل تحقيق العدالة الاجتماعية المتمثلة في تحقيق المساواة في المزايا بين منتسبي التقاعد العام والخاص، مع التأكيد على أن مثل هذه الحلول كفيلة بأن تغير من توقعات منظمة العمل الدولية بشأن استدامة وقدرة مؤسسة الضمان الاجتماعي على الوفاء بالتزاماتها على المدى الطويل، والتي كان من ضمنها وجوب بلوغ نسبة المساهمات الكلية إلى مستوى 26.6% لتحقيق الاستدامة اللازمة وفق طرح اللجنة الوزارية[ii].

 

 


[i]  تعبر هذه المقالة عن رأي الكاتب حصراً، وتسلط الضوء في بعض من جوانبها على قضايا جوهرية سبق أن تم طرح بعضها عبر منابر إعلامية وطنية متعددة.

 

[ii] Actuarial and Legal Note on the Social Security Law adopted on 2 March 2016. Regional Office for Arab States (ROAS), Social Protection Department (ILO Geneva), 17 June 2016.