بقلم د. مصطفى البرغوثي
الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية
قبل أيام ارتكبت السلطات الإسرائيلية مجزرة هدم جديدة بتدمير 11 بناية في بلدة قلنديا، دمرت فيها منازل 32 عائلة. وفي نفس اليوم هدمت قوات الاحتلال بيوتا مماثلة في العيسوية.
وفي كل يوم تهدم إسرائيل المزيد من البيوت في كل أنحاء فلسطين بحجة عدم الترخيص. وهذه حجة كاذبة لان السلطات الإسرائيلية تضع كل ما تستطيع من عراقيل قانونية وإدارية لمنع إصدار تراخيص بناء خصوصا في منطقة القدس وسائر ما تسميه مناطق C ، أي في 62% من أراضي الضفة الغربية على مدار عشر سنوات لم تمنح إسرائيل أكثر من ألفي ترخيص بناء في القدس وهدمت خلال نفس الفترة ألفي منزل.
وهناك الآن عشرة آلاف بناية مهددة بالهدم.
مجازر هدم البيوت كانت وما زالت جزءا من عملية التطهير العرقي الذي تمارسه إسرائيل منذ ثمانية وستين عاما، ولكنها تفشل المرة تلو الأخرى بسبب إصرار الفلسطينيين، رغم قسوة المعاناة، على البقاء والصمود وإعادة البناء ثم إعادة البناء المرة تلو الأخرى.
زرت بلدة قلنديا قبل أيام والتقيت بأصحاب البيوت التي هدمت وقد افترشوا الأرض في العراء قرب منازلهم المدمرة.
كل قصة من قصصهم تقطع القلب وتثير المشاعر. معظمهم أناس كادحون، كدحوا وشقوا وتقشفوا من اجل أن يبنوا بيتا يستر عائلاتهم ويريح أبناءهم.
راكموا القرش فوق القرش وبنو بيوتهم طوبة طوبة، وقاسوا الأمرين ليوفروا مواد البناء وتكاليفه، ثم رأوا الجرافات المتوحشة تدمر كل ما بنوه خلال سنين في دقائق معدودة.
كثيرون منهم لم يستطيعوا حتى إخراج أثاثهم وملابسهم.
قبل أشهر رأينا في نعلين وغيرها جرافات الاحتلال تحطم في دقائق استثمارات مصانع عديدة شقي أصحابها في بنائها وإنشائها، فدمرت حياة ليس فقط أصحابها بل ومئات العمال من العاملين فيها.
للفلسطينيين هناك قوانين وأوامر عسكرية احتلالية بالغة الشراسة، أما اليهود والإسرائيليون المستوطنون فلهم كل التشجيع والتمويل والتواطؤ حتى عندما يبنون دون تراخيص.
وذلك هو التجسيد الجلي لنظام الأبارتهايد والتمييز العنصري الذي أنشأته إسرائيل.
لن يرحل أهل قلنديا البلد أو غيرهم، فلا مكان لهم إلا هذا الوطن.
وهم وطنيون في صميم قلوبهم بطريقة لا يمكن أن يفهمها المستعمرون الإسرائيليون.
ولن يرحل احد من العيسوية أو البلدة القديمة وكل منطقة تتعرض لمجازر الهدم.
ولكن لا يجوز أن يترك أهل قلنديا أو أي منطقة أخرى وحدهم.
ومثلما دعمت عائلات الشهداء التي هدمت بيوتها بمساعدات شعبية، لا بد من إسناد كل أصحاب البيوت المهدومة، رسميا وشعبيا.
في صيف فلسطين تجري كل عام مئات الإعراس ، ومعها تلد كل يوم عائلات جديدة ستنجب أبناءا وبناتا سيواصلون العيش في فلسطين، وذلك عمل مقاوم أيضا.
و لكن ربما يستطيع الناس أن يتقشفوا قليلا في احتفالاتهم، ليسندوا العائلات التي حرمت من بيوتها، مثلما تستطيع الأجهزة الحكومية أن نعيد رسم أولوياتها لتخصص موارد جدية كي يعيد الناس بناء بيوتهم.
مجازر هدم البيوت لن تنفع إسرائيل، وان كانت تؤذينا وتؤلمنا، لأنها لن تحقق هدفهم الخبيث في ترحيلنا.
ولكن لا يجوز ترك أهالي بلدة قلنديا وغيرها وحدهم في معركة البقاء والصمود.