تتأرجحُ كَفتيّ ميزان ذكرياتي، بين جميلٍ حَفَرَ فرحه قلبي، و قَبيحٍ أدمَعَ جرحه عيني.
قبل اكثر من خمسة و عشرونَ عاماً احتضنني هذا الوطن بين ربوعه و خيّراته، أرضعني الكرامة و الحرية و عزة النفس، ربّاني على الحبّ و الصلاة، عَلمني أنَّ حبّ الحياة و الارض، لا بُدَّ ان يكون الدافع للمقاومة و طلب الحرية و العدل و السلام.
حبّ هذا الوطن، لم يكون يوما احد خياراتي، بل كان و ما زال سبباً لوجودي و تضحياتي و املي كما المي. هجره كان اصعب قرارتي و اقصرها، فبضعة سنين من الحنين جذبتني لأعود و افترش حصيرة الوطن و استغني عن فخامة الغربة. من مصائب هذا الوطن الجميل بطبيعته و خيراته و موقعه، أنهُ كان هدفا للاغتصاب من محتلٍ عنيف لا يرحم، لم يكتفي بالاغتصاب، بل سلب الشعب اخلاقه و حقه و أَلبسَ الوطن حُلَلاً جديدة.
إني وطني أشبه بفتاة بريئة، تعرضت للاغتصاب و طاعة المغتصب بالرغم عنها. أقفُ انا اليوم متأملا، فأرى الوطن بلا حدود، يقتل حريّتي باسم الديمقراطية، و محتلٌ يقتل حركتي باسم الأمان، و مٌجتمع ينتقد فكري باسم اصولٍ انقرضت و اخلاق سُلبت. هواياتٌ كانت تطمع بالهواء و الماء، و اصبحت الآن تطمع بالشذاذ، و هوايات اخرى تستغل مصائب الوطن لتستعطف الاضواء و الشهرة، و تجار دينٍ، صنعوا من نزفها صّنبور دخلٍ لهم و اخذوا يرقصوا على ألمي و ألمها، و صنعوا لي اسماً جديداً و قالوا عني بأني حجارة حيّة ليُضخموا صنبورهم و يزيدوا من رقصهم.
كان هذا الوطن مقدس، و لم يبقى فيه شيء مقدس غير الحجر، و حجارة كانت حيّة و اضحت تعيش بلا حياة، و وطنٌ اصبح شماعة خيبة آمال الشعب، و لم يعد لي فيه سوى سببٌ لهجره