الثلاثاء  26 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الخطاب الديني ... إلى أين؟/ بقلم: رمزي شاهين

2016-08-11 09:13:03 AM
الخطاب الديني ... إلى أين؟/ بقلم: رمزي شاهين
رمزي شاهين

 

مفردات نحن بأمس الحاجة إليها لنصل إلى مجتمع متسامح متكافل. ضبط، توجيه، تقنين، إعادة صياغة، إختر ما شئت من هذه الكلمات بهدف العودة إلى الخطاب الديني الذي اعتدنا. العودة إلى الزمن الذي كان فيه رجل الدين لا يتدخل في كل صغيرة أو كبيرة من قضايا المجتمع ومن منظوره الديني، بل كان يقتصر تناوله لهذه القضايا في المسجد والكنيسة داعيا إلى التعايش المشترك بين أبناء الوطن الواحد. والأكثر من ذلك عندما كان رجل الدين بهيبته واحترامه يحل بمحبة على كل جلسة ينضم إليها كأي فرد، وليس بصفته االدينية،  إذ لم يكن تناوله حينذاك لأي قضية اجتماعية أو سياسية أو دينية  إلا من خلال حرصه على وحدة أبناء شعبه الذين تربى بينهم، فأمسى خطابهم خطابه، وقولهم قوله، ليحافظ على ترابطهم وتعاضدهم.

 

تغير الحال فأصبح رجل الدين الآمر الناهي في شتى القضايا التي يعرف بها أم يجهلها، فما يحلله محلل وما يحرمه محرم. والنتيجة أضحت جلية واضحة، مجتمع منغلق منسد يسير في نفق ذي إتجاه واحد، ولا ينطق إلا بوجهة نظر واحدة آمن بها وتعصب إليها، دون القدرة على رؤية وتمحيص أو قبول ما يسمع من آراء تعكس توجها مخالفا لرؤيته، أو منظوره. وبذلك بتنا مجتمعا منقادا لا يقول ولا يفعل أيا من أمور حياته صغيرة كانت أم كبيرة إلا من خلال مصطلحين اثنين هما العيب والحرام. وأمست الحرية وإبداء الرأي من الصعوبة بمكان، وحلت محلها التبعية العمياء، بعد أن كان مجتمعنا الفلسطيني نموذجا يحتذى بثقافته وأساليبه المبتكرة والنوعية في مقاومة الاحتلال، ونموذجا للوحدة الوطنية والتعايش المشترك ، إضافة إلى ندرة الآفات الاجتماعية المتمثلة بالتحرش الجنسي والاغتصاب، وما يسمى بجرائم الشرف.

 

وهذا ما يدعونا إلى التوقف لمراجعة وضبط وتوجيه وتوحيد الخطاب الديني بما يساهم في تعزيز التناغم المجتمعي والارتقاء بإنسانية الفرد، بعيدا عن أي تجاوزات تمس هذا المعتقد أو ذاك.

 

نعم فما أحوجنا اليوم إلى تجديد خطابنا الديني عبر منابر  دور العبادة، ووسائل الإعلام، وخلافه، إذ لماهية هذا التجديد ضرورة ملحة في قراءة واعية للواقع المظلم الذي نعيش، ويعني ذلك المقدرة على مراعاة المصلحة العامة والسعي إلى تجديد الصيغ والأساليب بعيدا عن العنف والتطرف والتكفير وغسل الأدمغة.  ولا يعني ذلك التخلي عن الدين ، بل  يعني تنقية الخطابات الدينية من أية دعوات لسلوكيات مسيئة تغلف باسم الدين وهو منها براء.

 

وهنا نتوجه إلى السلطة التنفيذية والتشريعية والتي تقع على عاتقها مسؤولية ملحة لاتخاذ القرار المناسب في مراقبة وضبط، بل وتوحيد الخطاب الديني، وسن القوانين التي تحرم وتجرم التمييز بين الأفراد والجماعات على أساس الدين أو العقيدة أو المذهب أو الملة أو الطائفة أو العرق أو اللون، وذلك أسوة ببعض الدول المجاورة التي بادرت بسن مثل هذه  القوانين، لينسجم كل ذلك مع قاعدة "إن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا" .