غريب عسقلاني
في غزة: حركة ناشطة، في مجال الكتابة عن القرى والمدن المدمرة في جنوب فلسطين، مسقط رأس الغالبية العظمى من اللاجئين في القطاع.
ويحاول المبادرون توثيق المواقع المدمرة جغرافيا بتحديد خرائط "اجتهادية"، توضح موقع القرية على الخريطة الأم، وتبين حدود القرية وجيرانها من القرى، والمدن الأقرب إليها، وتوقع عليها الحارات والأسواق والمساجد والمقابر والمدارس، والكتاتيب، والأضرحة والآبار والأسبلة والمواقع الأثرية، والمزارات الدينية، وتجتهد في تقدير المساحات العمرانية والزراعية. والمرور على تاريخ المواقع الأثرية، ومن سكنها أو أقام فيها من اعلام وقيادات رأي وفكر على مر العصور، والأخذ بالاعتبار الحراك السكاني من والى فلسطين، فالقطاع بوابة الدخول إلى مصر وأفريقيا، كما يقوم بعض المدونين بتوثيق تاريخ المواقع، والمرور على السير والأحداث التاريخية، ويضاف إلى هذا، الجهد الميداني في تقصي وتدوين الذاكرة الجمعية الشفوية، باجراء مقابلات مع المعمرين رجالا ونساءً، وتدوين شهادات من نزحوا عن الديار وهم في طور اليفاعة والإدراك للإدلاء بما شاهدوه أو سمعوه من أخبار ومعلومات تلقي الضوء على الحياة بتفاصيلها قبل النزوح، ما يوفر مادة ثرية وخصبة عن هذه القرى قبل النكبة، ويلقي الضوء عن طبيعة العلاقات في مجتمع زراعي تمثل الطبيعة الشريك الأقوى في عمليات الإنتاج، الذي يعتمد على الأرض وطاقة العمل اليدوي. وتلقي الضوء على التركيبة السكانية والعلاقة بين العائلات، ومكانة النخب في القرية التي تقوم على الحيازات الزراعية مصدر القوة الاقتصادية والمركز الاجتماعي، والعصبة العائلية وما يتبع ذلك من نفوذ متعارف عليه في القرية.
ولا تغفل الشهادات ما يتعلق بالمواسم الزراعية والدينية والترفيهية، وطقوس الزواج الختان والموت، وتعرض الأمثال والأغاني والأحاجي والألغاز، وأغاني الدراويش، والمداحين والقوالين، وطقوس الأحزان والأفراح، وما يتعلق بالحرف والحرفيين اللذين تتحدد مكانتهم من الحاجة إلى حرفهم في مجتمع القرية.
هذه الكتابات في الغالب الأعم مبادرات فردية، ومع قدوم السلطة وجدت إسناداً وتشجيعا من المركز القومي للدراسات والأبحاث، وبعض مؤسسات العمل المجتمعي مثل مركز والثقافة والنور، التي بادرت بنشر بعضها، ولكنها لم تضع خطط وأهداف يسترشد بها المبادرون، وترك الأمر لاجتهاد الكاتب واهتماماته وقدراته على الجمع والتدوين والتحليل، ما جعلها تتنوع بين الشخصي والعام، وما يجعل السؤال قائماً:
حول موقع هذا الجهد من أبحاث التراث أو مفاتيح التاريخ الشفوي أو السيرة الذاتية، وما هي حدود الموضوعية فيها؟
الأمر يحتاج إلى مؤسسة رسمية تعمل في إطار خطة وطنية شاملة تعتمد إستراتيجية ثقافية فلسطينية.
هل يصبح الأمر جديا وعلميا؟
ومتى تدور المفاتيح في أقفالها، وتفتح بوابات وطن الذاكرة، قبل أن يتراكم عليها خبث الصدأ؟