الحدث- رام الله
أثارت قضية مقاطعة فصائل اليسار الخمسة ومعها حركة الجهاد الإسلامي لمأدبة العشاء التي دعا إليها السفير محمد العمادي رئيس اللجنة القطرية لإعادة الإعمار مختلف الفصائل الفلسطينية الأسبوع الماضي في فندق المشتل في مدينة غزة حالة من الجدل بين مؤيد ومعارض لهذه المقاطعة، التي عزتها الجبهة الشعبية كبرى فصائل اليسار الفلسطيني إلى ما وصفته بالدور المشبوه الذي تلعبه قطر في المنطقة، بينما أرجع حزب الشعب مقاطعته للدعوة ذاتها إلى ما وصفه بالدور السياسي الملتبس الذي يلعبه السفير العمادي.
وفي سياق متابعة الحدث لهذه القضية وما ترتب عليها من ردود فعل بينت الجبهة الشعبية على لسان عضو مكتبها السياسي جميل مزهر أن مقاطعتها لمأدبة العشاء التي حضرها قيادات من حركتي فتح وحماس من بينهم أعضاء في اللجنة المركزية لحركة فتح وأعضاء في المكتب السياسي لحركة حماس أن عدم حضور هذه المناسبة جاء بمبادرة من الجبهة الشعبية، نظراً لما وصفه بالدور المشبوه الذي تقوم به قطر في المنطقة، والذي يخدم بحسب مزهر السياسات الأمريكية الإسرائيلية، حيث جرى تفاعل واتصالات بين فصائل اليسار أفضت إلى اتخاذ قرار عدم المشاركة.
واعتبر مزهر أن الدور الذي يلعبه العمادي يعيد للأذهان وللذاكرة الفلسطينية منطق الحاكم أو المندوب السامي، وأن اللقاءات المكوكية التي يجريها مع السلطة وإسرائيل تعد مثار تساؤلات كبيرة سيما وأن هذه الاتصالات تتعلق بصميم الشأن الفلسطيني.
وذهب مزهر في سياق حديثه لـ"الحدث" إلى الإفصاح عن توقعاته لموقف الجبهة الشعبية حال أن تدعو قطر لاستضافة الفصائل في الدوحة من أجل المصالحة حيث قال: "لو كان هناك دعوة للمصالحة في قطر فأعتقد أن الجبهة لن تستجيب لهذه الدعوة".
ونفى مزهر أن تكون الجبهة أو فصائل اليسار الأخرى كلفت وليد العوض عضو المكتب السياسي لحزب الشعب كي يصرح بموقف فصائل اليسار تجاه مقاطعة الدعوة المذكورة مؤكداً بقوله " لم يكلف العوض بالتعبير عن موقف فصائل اليسار وكما عبر العوض عن موقف حزبه عبر رفاق آخرون في الجبهة عن ذلك فكل تنظيم يعبر عن ذاته وموقفه أما عن حضور حركة حماس فهذا الأمر يرجع بحسب مزهر لطبيعة العلاقة بين حماس وقطر وبالتالي ستكون جزءً راعياً لهذه اللقاءات".
وحول أهمية الدعم الذي تقدمه قطر لتمويل العديد من المشاريع في قطاع غزة شدد مزهر على موقف الجبهة المؤيد لأي جهة داعمة لقطاع غزة، وقال: "لسنا ضد أي جهة تدعم الفلسطينيين أو غزة، ولكن ليس من المطلوب أن يكون الدعم مسيس بتحقيق مصالح لهذه الدولة أو تلك لذا نتطلع لأن يكون التمويل المقدم للشعب الفلسطيني على غرار التمويل الذي تقدمه الكويت".
وكان عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني وليد العوض، قال عن أسباب عدم تلبية دعوة العمادي على العشاء في تدوينة له على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك": "شكرا سفير دولة قطر لن نلبي دعوة حفل العشاء، فنحن والرفاق في قوى اليسار آثرنا الاعتذار وعدم تلبية الدعوة، ومن وجهة نظري ليس من المقبول أن تقتصر دعوات سيادته للفصائل فقط على ولائم الغداء والعشاء، بينما يقوم سيادته بلعب دور سياسي ملتبس وإنمائي وفقا لخطته الخاصة، طبعا لا ننسى تقديرنا وشكرنا لكل من يقدم الدعم لشعبنا لكن الأصول أصول".
أما النائب حسن عصفور فاعتبر في مقال له أن قوى اليسار الفلسطيني سجلت بمقاطعتها لدعوة العمادي للعشاء هدفا سياسيا ذهبياً، عندما رفضت الذهاب إلى "عزومة أكل" دعا لها بحسب وصفه "المندوب السياسي القطري" في فلسطين التاريخية، بكل مكوناتها، فهو أيضا ضابط الاتصال بين حكومته ودولة الكيان و"الوسيط الشرعي" بين حكومة نتنياهو وحركة حماس.
واتهم عصفور العمادي في مقاله بأنه يلعب دوراً رئيسياً لتجاوز مكانة السلطة الوطنية في منحة أمير قطر عبر تجاوزه الحكومة الرسمية، ومحاولته استخدام بعض الظروف الخاصة لتمرير ذلك التجاوز، بل أنه قام بالتنسيق الكلي مع دولة الكيان وراضخ لشروطها بالتمييز بين موظفي حماس المدنيين والعسكريين.
واعتبر عصفور أن مقاطعة قوى اليسار الفلسطيني لقطر بمثابة تجسيد للتفاعل الإيجابي بين تلك القوى، خاصة في وحدة موقفها الانتخابي، رغم ما يحيط بالانتخابات أصلا من "شبه سياسية" خطيرة، سيكون لها مخاطر كبرى لتعزيز "جدار الفصل" ليس في الضفة فحسب، بل وبين "بقايا الضفة وقطاع غزة"؛ لاستكمال المشروع المشبوه لخلق "كيانية غزة الخاصة". وقطر هنا حاضرة بقوة منذ العام 2006.
وأضاف عصفور: "نعم، ضربة اليسار السياسية لدور قطر، رسالة سياسية إلى شعب فلسطين، ببروز حالة جديدة في التعامل الوطني، ولعل رسالة اليسار لن تقف حدود آثارها المنتظرة، عند قطر وحركة حماس، بل هي أيضا رسالة إلى قيادة حركة فتح أن لا تقف متفرجة على دور قطر المشبوه ضد المشروع الوطني، وأن لا تجعل من "حسابات البعض الخاصة والمصالح الضيقة" بديلا للمواجهة الضرورية، لتبقى فتح كما عرفها شعب فلسطين عمود الخيمة الفلسطينية وحامية "القرار المستقل"".
وختم عصفور مقاله بقوله: "ضربة اليسار المفاجئة، هي إعلان عن "جديد وطني" عله يفتح بابا لبلورة موقف يعيد ترتيب المشهد في فلسطين بما يحمي المشروع الوطني، ويقطع الطريق على من يعمل على استكمال "خطفه" خدمة للبديل المطلوب وهل نشهد "صحوة سياسية شاملة" لليسار الفلسطيني وقوى تدرك حقيقة الخطر القائم والمنتظر، ذلك هو الأمل، فهي قادرة على تشكيل قوة ضامنة لحماية المنجز الوطني واستكمال مشروعه العام. فشعب فلسطين دوما كان "شعب المفاجآت"، فلتكتمل المفاجأة!".
بدورها نفت حركة الجهاد الإسلامي أن تكون قاطعت هذه المأدبة وقالت في تصريحات خاصة لـ"الحدث" تصادف إقامة هذه المأدبة مع انشغالات مسؤولي الحركة في قطاع غزة".
وقال عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي خضر حبيب: "بالنسبة لنا ليست مقاطعة وغيرنا إذا قاطع نحن ليس لدينا مقاطعة وكل من يقدم مساعدة للشعب الفلسطيني نشكره رغم أننا قد نختلف معه في كثير من المواقف وفي كثير من الأمور، ونحن نشكر كل من يقدم مساعدة للشعب الفلسطيني في ظل هذا الحصار المفروض".
وتابع: "الجهد القطري في موضوع الإعمار وفي مساعدة الشعب الفلسطيني بالإضافة إلى الجهود السعودية والقطرية هو بالنسبة لنا مقدر ومشكور، وربما نختلف في كثير من الأمور السياسية ولكن هناك مساحة من الحوار تبقى موجودة لحكل الإشكاليات".
من جهته اوضح الكاتب والمحلّل السياسي الموالي لحركة حماس د. فايز أبو شمالة، في تصريحات أن "مبعوث قطر إلى غزة السفير محمد العمادي جاء لهدف إعادة إعمار قطاع غزة والتخفيف من معاناة المحاصرين فيه، وهذا الدور القطري يدفعنا لتقديم الشكر لقطر، دون الخوض في خلفيات هذا الدور".
وفي معرض تعقيبه على تصريحات العوض ورفضه وفصائل اليسار تلبية دعوة العمادي، قال أبو شمالة: "إن اعتراض اليسار ليس في محله، وعدم تلبيته للدعوة ترجع إلى الارتباط الوثيق بين اليسار الفلسطيني وبين السلطة في رام الله"، موضحاً أن: "اتهامات العوض تعكس حاجة في قلب اليسار من الامتعاض الشديد مما تقدمه قطر من دعم لقطاع غزة".
واعتبر أبو شمالة أن اتهامات العوض للسفير العمادي بلعب دور سياسيّ يعكس كراهية سياسية لحركة حماس من خلال كراهية للسفير القطري، مبيناً أنه ليس من حق الفصائل الاعتراض على عدم دعوتها للتباحث مع شخصية يختص عملها في مجال الإعمار؛ لأن المختص للمشاركة في هذه الجلسات فقط هما السلطة وحركة حماس.
أما الكاتب والمحلّل السياسي أكرم عطاالله فتساءل: "هل ما تقدمه قطر لقطاع غزة يأتي في سياق "الوساطة" بين "إسرائيل" والفلسطينيين، أم هو بالفعل دعم حقيقي للمقاومة، و إذا كان كذلك بالفعل كيف يمر عبر "تل أبيب"، مشيراً إلى أن تلك الأسئلة وغيرها هي التي دفعت اليسار لعدم حضور اللقاء".
وأضاف: "كما أن هناك بعض الفصائل تشعر أن قطر تقف مع حركة "حماس"، أي أن هناك بحسبه تعزيز قطري للانقسام الفلسطيني الذي تشهده الساحة الفلسطينية، بتأييدها لطرف على حساب الآخر".
وقلل عطا الله من المبالغة في وصف دور السفير العمادي بقوله " من المبالغة القول أن سفير قطر بدوره يقفز فوق التمثيل الفلسطيني؛ لأن دور قطر لا يتم إلّا بالتشاور مع السلطة الفلسطينية.
من جهته اعتبر عضو اللجنة المركزية لحركة فتح صخر بسيسو في كلمة ألقاها على هامش مأدبة العشاء أن لقاء مأدبة العشاء القطرية يعد جزءاً من الجهد القطري المتواصل منذ سنوات طويلة واستكمالاً للقاءات التي استضافتها قطر برعاية اميرها تميم بن حمد آل ثاني من أجل تمكين طرفي الانقسام من تنفيذ ما اتفقا عليه".
وحضر لقاء مأدبة العشاء بالإضافة إلى بسيسو عضو اللجنة المركزية لحركة فتح آمال حمد، والنائب عن حركة فتح روحي فتوح، ومن حركة حماس نائب رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، وأعضاء المكتب السياسي للحركة ذاتها خليل الحية وزياد الظاظا وعماد العلمي وعدد من الوجهاء ورجال الإصلاح.
واستهل العمادي الكلمة التي ألقاها في اللقاء المذكور بدعوة ممثلي الفصائل لنبذ الخلافات الداخلية والعمل على توحيد الصف الفلسطيني متمنياً على الرئيس محمود عباس "أبو مازن" أن يبادر بخطوة مهمة من أجل فتح صفحة جديدة مع كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني لإعادة اللحمة الوطنية، ولم الشمل الفلسطيني وإنهاء الانقسام وتصحيح مسار القضية الفلسطينية في ظل حالة عدم الاستقرار التي تشهدها المنطقة بشكل عام معتبراً ذلك اللقاء بمثابة خطوة على طريق فتح باب الحوار والنقاش، وخطوة مهمة نحو إذابة الجليد وتحريك الجمود في ملف التقارب الفلسطيني الفلسطيني، ومحاولة من دولة قطر لتقريب وجهات النظر وتذليل العقبات والصعوبات التي يعاني منها المواطن الفلسطيني في قطاع غزة .
ويذكر أن العمادي دعا خلال زيارته لغزة التي استمرت عشرين يوماً مختلف شرائح المجتمع في قطاع غزة لولائم عشاء وذلك للمرة الأولى منذ تأسيس اللجنة القطرية لإعادة اعمار غزة في نهاية عام 2012 حيث بالإضافة الى نواب المجلس التشريعي وممثلي الفصائل والوجهاء كلاً من رجال الاعمال وممثلي النقابات والاتحادات المهنية والشخصيات الحكومية ومسؤولي مؤسسات السلطة ووزراء حاليين وسابقين ورؤساء الجامعات والشخصيات الأكاديمية .