لا همّ للفلسطينيين إلا شؤونهم الداخلية، أما التفاعل التقليدي والحميم بين المواطنين والشأن السياسي فقد هبط إلى ما دون الحد الأدنى، ولو أجرينا استطلاعا الآن لتحديد الاهتمامات الشعبية لكان الوضع الداخلي هو الأعلى نسبة، ولكانت الانتخابات المحلية هي الموضوع الأكثر إثارة في هذا الوضع.
الفلسطينيون منقسمون أفقيا وعاموديا ليس حول مبدأ الانتخابات ولا على برامج المشاركين فيها، مع أن لا وجود للبرامج، ولا عن دور الانتخابات في تثبيت الديمقراطية المعدومة أصلا، بل منقسمون على تعريف دوافعها وكيفية الاستفادة منها، ولنحاول تحديد تصنيف لهذا الانقسام.
الشريحة البريئة وربما تكون الأكثرية تفهم الانتخابات المحلية على أنها عملية يفترض أن تهدف إلى تحسين الخدمات كمد الطرق ورفع مستوى الخدمات الطبية ونظافة المياه وانتظام الكهرباء، هكذا كانت الأمور في الماضي وهكذا يعرفون رسالة الانتخابات المحلية وأهدافها.
الشريحة الثانية وهي المتحكمة بكل الشرائح وأعني بها الفصائل السياسية، فترى الانتخابات المحلية على أنها رسالة نفوذ للتصدير الخارجي، فمن يفوز بها أو يدعي الفوز بوسعه توجيه رسالة إلى العالم مفادها "أنا من يمثل الشعب الفلسطيني حقيقة، أما المنافسون فليسوا أكثر من سراب".
أما الشريحة الثالثة وهم نسبة لا بأس بهم من المتهافتين على بلوغ الرئاسة أو العضوية بما يرونه تحسيناً لمواقعهم الاجتماعية ومصالحهم الاقتصادية، وهؤلاء ولكي لا نظلم الشرفاء يتسولون الأصوات، وأحيانا يستأجرونها أو يشترونها، وليس بالضرورة على طريقة شراء السلع، بل هنالك فنون وابتكارات وإبداع في هذا المجال يعرفها أهلها وممتهنوها، وحين يشاهد المؤهلون حقا لقيادة المجالس المحلية من المهندسين والأطباء وخريجي كليات الإدارة، هذه التصنيفات ويتابعون الاصطراع العنيف بينها فمن البديهي ألا يجدوا مكانا لهم في أي قائمة إلا إذا قبلوا مبدأ أن مشاركتهم ستكون من أجل الزينة ليس إلا.
هذه الظاهرة أثرت كثيراً وعلى نحو فادح في ما كنا نتباهى به في الأزمان السالفة، أعني الديمقراطية المميزة التي فرضناها رغم قسوة المنفى وبشاعة الاحتلال، ولعل أهم الأسباب التي أوصلتنا إليها هو العجز الذي لا مبرر له سوى تخليد القيادات والابتعاد عن وضع ضوابط قاطعة وحاسمة لإدارة وضعنا الداخلي على أسس حديثة ومنهجية متكاملة، ولنعترف أننا لم ننجح في ذلك، وسجلت علينا نقاط سلبية ونحن في الطريق الطويل إلى الدولة، فانتخاباتنا خاضعة لأجندات الفصائل السياسية التي تفضل مضطرة انتخابات الطلاب، ومضطرة كذلك انتخابات المجالس المحلية، لعلها بذلك تعقد أمور الانتخابات العامة وأولها وأهمها الرئاسية والتشريعية، فدون هذه الانتخابات سيكون تنافسا بالواسطة، ومهما كانت نتائجه فلن تطال المواقع الأساسية للفصائل على رأس الهرم.
لن يستقيم الميزان إلا إذا صرنا مثل سائر خلق الله نعتمد الانتخابات بمواعيد ثابتة في كافة المجالات من أدنى قاعدة الهرم إلى أعلى قمته، وحين نفعل ذلك نكون قد وضعنا قطارنا على السكة التي توصله إلى المحطات المنشودة.