السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مقهى الشعر المغاربي المعاصر

الشاعرة رشيدة محمدي

2016-08-16 02:34:30 PM
مقهى الشعر المغاربي المعاصر
الشاعرة رشيدة محمدي

بقلم/ محمد الأمين سعيدي

تتعاطى الشاعرة رشيدة محمدي في نصوصها المكتوبة بالعربية مع الجملة الشعرية بحفرٍ عميق في احتمالات تشكّلها تركيبا وانبنائها في آنٍ واحد خيالا وموسيقى يتمازجان بروحانية فاتنة. قيلَ عنها في مجلة الهلال:"شاعرة جزائرية أمريكية من مؤسسي رابطة الكُتاب الأمريكيين العرب (2004) في نيويورك. مختصة في علم الصوتيات التطبيقي، لها أربع مجموعات شعرية بين الإنجليزية والعربية. تقول عنها المستشرقة كارمن رويث: "لم نسمع من العرب بعد (محمود) درويش صوتا كرشيدة محمّدي".

 

أترك للقارئ الاستمتاع بأمطار الخيال والعمق في نصها:

 

فاييكاس

رشيدة محمدي/الجزائر


أُصابحُ وحْديّ شمْسا مكْشوفة الْكتف

صمْتي الْأسْود

جُرْعة رضيعٍ زائدة من الْيُتْم

أُعانقُ غابة منْ غيّابك على جسد فراشيّ

أسْتشيرُ جوْقة الصّقيع عنْ حُمّاك في نار اللّوْز

حبالُ مطرٍ في الْخارج

وكُلُّ شئٍ في الشّارع فارعٌ غنيٌّ فٌويٌّ

وبشّئٍ من الْحكْمة ينْقُصُهُ شيئا

شاراتُ مُرورٍ لا تمُرُّ

بشرٌ شجرٌ على منصّة الْأرْض حيارى لتأّخُّر الْأمْس بالْأحْلام

لحُضور سلّة الْقلق مُعلّقة في عُنُق الْأيّام

رمادان مُتواضعان

أنا وأنْت ملاكان جائعان يغاران يذْبُلان يحْلُمان

لديْنا أوْردةٌ ولا ورْد لنا

لديْنا اسْمٌ لا يُزعْزعُ شعْرة عابرة

لديْنا معْطفٌ أحْمر منْسيٌّ هاربٌ من الشّكّ

لديْنا وأُهْزوجةٌ تتجاهلُ الشُّعراء..

تُهرّبُ الْأشْعار إلى زلْزال دمْعةٍ تّذْرفُ الْأماكن بأفْدح الْأضْرار لأسْرارنا مع الْجوع

ولديْنا مشْروعان/ أنْت لا تُريدُ النّوْم وحْدك/ وأنا معك أُريدُ أن أنامْ.

خُبْزٌ يابسٌ

حساءٌ تبخّرتْ كُحولُ نبيذه الْأبْيض وأنا أُعدُّهُ اسْتعْدادا لك

دبْسُ رُمّانٍ.. بعْضُ ما نتناساهُ عمْدا في الثّلّاجة لتدْفئة الْقلْب

بُطْءُ الْبرْد في غُرْفة النّوْم يُحّذرُني من الْبقاء في وحيدة

والْبيْتُ قُطْبٌ جنوبيٌّ

توسُّلٌ أمْلسُ لاقْترابي منْ قدميْك الْمدْسوستيْن في جوْرب صوفٍ هالكٍ

هيّ كلُّ حصّتي من تشرُّد الْفراش الّذي أرْسُمُهُ على أظافرك بادعاءٍ ناعمٍ للتسْليّة

أُنظّفُهُمْ بحذر النّمْل وأُنقّيهمُ بإتْقان الْأُمّهات

كُلُّ شئٍ في مكانه على حقٍ

الْحرْمانُ الّذي في عيْنيْك تسْهيلا لموْتي بهما

مُعْجزةُ احْتفائنا الْوثنيّ بالْقبُلات الْمسْروقة في فاييكاسْ (*)

حبْرٌ صينيٌّ يُوشّمُك على أنْسجتي ..

وأنْت تعْبُرُ على جلْدي بزئْبق أّصابعك

وتطْلي قاربي بزيْتٍ زيْتونُهُ منْ مُقل عُيُّوني

لكنّني لا أعْرفُ شيْئا عن الصّباح إلّا بوضْعك كاراميلّا قُبْلتك في فمي

ولا يهُمُّني أنْ أعْرف متى نُصْبحُ جديريْن بمئة عطْرٍ وإبْريلْ؟

أوْ متى نُصْبحُ جديريْن باهْتمام الشّمْعة الْبكْر... بتشْرينْ؟

كُلُّ شيء تابوتٌ ساكنٌ ومُؤدّبٌ

حقيبةٌ متْروكةٌ لمُسْتحْضرات الصّبْر والتّجْميل

نقّالي الْمُفيْرسُ بقائمة أسْماء أُسمّيك ولا أُناديك بها وأسْماء أُخْرى لك مُسْتحيلة التّحْميل

كُلُّ شيء هادئُ حائرٌ ومُرتّبٌ

قطّةٌ قارّةٌ على فهْرس كتابٍ سرقْناهُ منْ مكْتبة الْحيّ

توقّفْتُ عنْده ولمْ تلْمسْهُ بعْدي

شعري ببريقه يُحطّمُ أكْوابا من الْغيرة

 

خُطْوةُ انْحنائك لتقْبيل خصْري ومُفاجأتي بالْعوْدة إلى شفاهي الْبارئة أسْفل خدّ الذُّهول مع وعْدٍ بالاسْتماع إلى أُغْنيّةٍ تُصفّفُ تاريخنا في بعْض فواصل صمْتها.

 

حقّيّ في قلْبٍ جبانٍ/ حقّي في الافْتخار بخطاياك/ وتقْديري لإعْجابك ببعْض النُّكت الشّرّيرة / حقّك في إهْدار حجر الْكُتُب لأّنّ أعْصاب التّاريخ فارغةٌ منْ أُنْثى/ حقُّ السّوائل الْمُنْعشة في التّشنُّج منْ أنْطولوجيا ورق الْعنب / حقُّ خاتميْنا والدّببةُ الدُّمى الّتي تبادلنا مرارا في الْكساد أوْ الْحداد في سلّة ملابسنا الْمُتأهّبة للْغسيل.

 

كُلُّ شئٍ في مكانه أنيقٌ / مُسْترْسلٌ/ عاقلٌ/ سُقوطُ الصّمْت على لسانك/ صبْرُك على الإنصات إليّ دون مقاطعتي / جُهْدُك لإقْناعي أنّ فشل الْكوكايين في محْو أحْزانك/ هُو ما دمّر توازُني بتنْهيدة زهْرةٍ على السّيّاج/ هُوّ ما دفّعني فواتير ليالٍ منْ غيْر رُوحٍ/ وفتتني لأنّي لا أجدُ في الدُّرْج ملابسك ولا ألقاك بيْن ما تشظّى منّيّ في الزُّجاج / كُلُّ شئٍ في مكانه ودودٌ /هائمٌ / وعنْ قصْدٍ جذّابٌ / وكُلُّ شئٍ مُرشّحٌ لزيّادة جُرْعته من الْهباب/ قُلْ مرْحبا/ قُلْ وداعا/ قُلْ وداعا لي / قل وداعا / وداعا كما للْأحْذّية الْقديمة / قُلْ وداعا كما لنظّارتي الشّمْسيّة المهشّمة خجلا منْ بُعْد نظري/ وداعا / وداعا كأزقّة الْلّعب الّتي كانتْ مرْكز الْهزّة الْأرْضيّة لهذا الْقرْن/ وداعا / ككُلّ شّئٍ معهُ حقٌ / و ليّ ولك الْحقُّ في وداعٍ / وداع جرس الشّتاء الْجرئ ساعتهُ الأخيرة في قصْر الرّبيع / وداع الْتقاط الصُّورة لغمْزة الْبقاء/ وداع النّوْم لجفْن النّجْمة/ وداع القلْب لما توشمه رغْوةُ الْموْج في الْعيْن/ ليهْرُب بالْقلْب إلى الرُّوح/ وبعْض ما تعوّدْنا عليْه منْ تشْبيه الْبحْر بالْحُبّ أو الْحُبّ بالْبحْر/ الرّسْمُ بضوْء سجائر الْوحيدين/ حيرة كيْف و بكُلّ كثافة و سواد هذه الرُّموش/ مازلْت ترى الْعالم أنْصع بياضا منْ ملْح الْأساطير.

 

كُلُّ شئٍ خافتٌ.

عتابٌ لا يُطالبُ بالْغُفْران

تمْثالُ صوْتي صامتٌ

أصابعٌ تطْرُقُ ذُبولها على أظافرها

نجْمةٌ تعُدُّ في عيْنيْك ما تبقّى في أيّامها

تعوُّدُ لُؤْلُؤة الْقُفْل عن حرْق الْحسّ في الْمُفْتاح

اضْطرار الانْسحابُ الْمُنْكسرُ الْأضْلاع

 

.. قُلْ مرْحبا / قُلْ وداعا / قُلْ ما لمْ يقُلْهُ الْبابُ/ قُلْ وليمة الْلّغة في لساني الطّويل وخُذْ منْ قصر تنُّورتي اخْتصارك / واتْرُكْني أُغادرُ للاهْتمام بجبيْن جديديْن في مكان ما / وأُجاملُ برْنامج نهاية الْأُسْبوع عشْوائيّا ببُطولة حُبٍ لتوْديع حُبٍ بأنْظف الظُّنون/ وبأقلّ علامات الاسْتفْهام/ وإنْ أمْكن لوْ أمْكن/ بأّجْمل الْعذاب.

ــــــــــ

(*) فاييكَاس: من أقدم أحياء مادريد فيه كوكتيل جاليات من أكثر من 125 جنسية أنا أسميه بروكلين مادريد.