ترجمة الحدث - أحمد بعلوشة
نشرت صحيفة جيروسالم بوست مقال رأي عن كيفية إدارة الأزمات ما بين الجهات المصنعة سواء للأغذية أو الأدوية وما بين المستهلك، المقال يخلص إلى القول إن من المهم أن تتحمل الجهات المسؤولية الكاملة عن أفعالها، وأن تصارح جمهورها ومستهلكيها وأن تتواصل مع الإعلام وأن تتخذ مواقف استباقية.
وإلى نص المقال:
فاضت الصحافة الإسرائيلية بأنواع خطيرة من البكتيريا التي تم الكشف عنها في مرافق الإنتاج لبعض الشركات الغذائية الكبرى في إسرائيل خلال الأسابيع الماضية، مثل شركة حبوب الإفطار "تلما"، وبناءً على هذه الحالة، قامت شركة هناستش بتوريد منتجات متعددة مثل الطحينة والسلطة لعدد من الشركات ومنافذ البيع.
وبغض النظر عما إذا كان الإهمال الجنائي يمكن إثباته أم لا، فقد اتسمت هذه الحالات بالتكتم عن مسؤوليتها تجاه الأمر بافتراضات المنتجين بأن الضرر كان في حده الأدنى وسيمر دون مشاكل، وإطلاق الإعلانات المتضاربة بما فيها التستر عن بعض المعلومات الهامة. وعندما يتم اكتشاف الأمر، يتم التركيز على تكتيكات السيطرة على الضرر في وسائل الإعلام، مع الفشل في تبني استراتيجية تشمل تصحيح وإعادة تأهيل الأخطاء الواردة.
وبهذا الصدد، فإنه من الممكن أن يتم الاستفادة من الأزمة التي تم تخطيها بنجاح عام 1982، حيث تمكن فيها "جونسون و جونسون" من تجاوز أزمة أودت بحياة سبعة أشخاص، إضافة لحالة الذعر على المستوى الشعبي، ما دفع خبراء في شركة "جي جي" للشك في مقدرتهم على التغلب على هذه الأزمة. وقد درست استجابة الشركة كنموذج لإدارة الأزمات الناجة، مع أنها تقف بشكل متناقض مع الطريقة التي يتم بعا التعامل مع الأزمات الغذائية داخل إسرائيل في الفترة الحالية، رغم أن نتائجها الناجحة قد تستعرض خارطةً مستقبلية لمعالجة الأزمات وإعادة تأهيل بعض العلامات التجارية المتضررة.
في خريف عام 1982، في شيكاغو تم تقديم جرعات كبيرة من السيانيد في عدد من زجاجات تايلينول- وهو مسكن للآلام ويعطي طاقة إضافية- لعدد من الصيدليات في المنطقة، ما أدى إلى قتل سبعة أشخاص حينها نتيجة التسمم، كان من بينهم اثنان من أفراد الضحية الأولى، الذي تناول كبسولات قاتلة بعدها تم الاتصال بتايلينول، وحينها، اندلعت الفوضى بشكل كبير.
وعلى الرغم من أن شركة "جي جي" للمنتجات الاستهلاكية قد قدمت دليلاً واضحاً أنه لم يتم العبث بمنتجاتها داخل مصانعها الرئيسية، وإنما في أحد المصانع الفرعية وكان على يد أحد عمالها في منطقة شيكاغو، وأنه تم تصنيع أدوية ملوثة في مصانع مختلفة، فقد وجدت الأدوية المسممة في الصيدليات في منطقة شيكاغو، حينها تم اقتراح حلول لمرحلة ما بعد الإنتاج. وضعت الشركة سلامة ورفاهية المستهلك في قمة الأولويات لديها، مؤكدةً ولاءها وعقيدتها بالمسؤولية تجاه جمهورها الذي اعتاد على منتجاتها. واعتمد جيمس إي بيرك، رئيس مجلس إدارة الشركة، وضع استراتيجية تتمتع بالشفافية الكاملة وسياسات استباقية لحماية صحة وسلامة المسهتلكين لدى شركته، دون النظر إلى التكلفة التي قد تنطوي على الأمر.
وقامت الشركة بتحمل المسؤولية كاملة عن منتجاتها في المرحلة الأولى، وقامت بتحذير الجمهور بعدم استهلاك أي من أشكال تايلينول بعدما توقفت عن انتاجها، وتعاونت مع الشرطة والسلطات الصحية ووسائل الإعلام بشكل كامل واتخذت مواقف استباقية. قام بيرك برفع مستوى المقابلات الإعلامية، وواجهت الشركة إعلانات التحذير من الخطر، إضافة لإنشاء خط ساخن مع الجمهور للاستفسار وطلب المعلومات.
وعلى الرغم من التأكد بوجود عدد قليل من الصيدليات في شيكاغو، قرر بيرك، مخالفاً آراء مستشاريه الاقتصاديين وإداريي الأغذية والعقاقير بإطلاق حملة لجمع جميع الكبوسلات التي أنتجتها الشركة في البلاد، ما يقدر ب 31 مليون زجاجة من الدواء، ما يقدر ثمنها بمائة مليون دولار. كانت الحملة عبارة عن استبدال علب الدواء القديمة بجديدة غير ملوثة مع خصم كبير في السعر، ما جعل الشركة تحظى بثقة المستهلك من جديد.
وانتشر حينها فريق إدارة الأزمات مزامنةً مع الجهود المبذولة للسيطرة على الضرر، وبدأ وضع خطة لإعادة التأهيل الاستراتيجي على المدى الطويل، هؤلاء الموظفين كانوا بمثابة مصادر معلومات لأسرتهم، جيرانهم، والمجتمع الطبي ككل.
وفي خلال شهر، تم إدارة الأزمة بابتكار زجاجة فريدة من نوعها تضمن عدم تلوث الكبسولات وبسعر منخفض، وكان إطلاقها في مؤتمر صحفي بدعم كامل من الإعلام والعلاقات الموجهة إلى جميع أصحاب الشأن والعمال والجمهور والمجتمع، والنتيجة كانت التاريخ الذي صنعته هذه الشركة، وصناعة اسمها الذي لم يكن بتلك القوة بعد إدارتها لهذه الأزمة بنجاح، إضافة لزيادة المبيعات بشكل كبير، وأصبحت فيما بعد إجراءات السلامة في الشركة معياراً لصناعة الأدوية.
السؤال هنا، ما هي العبر والدروس التي يمكن الاستفادة منها من أزمة تايلينول للشركات المعنية؟ في الحقيقة يجب التخطيط لحل الأزمات قبل وقوع الأزمة، رغم أن هناك أزمات فردية لا يمكن التكهن بها، وتحمل المسؤولية كاملة، كما يجب تثبيتها بالقول والفعل والندم، والاهتمام بصحة الزبائن والتعامل معهم برفق وحنان ورفاهية تامة، والتعاون مع السلطات الحكومية والصحية، كذلك اتخاذ تدابير ملموسة لتصحيح جميع القصور. وأيضاً التواصل مع التغيرات بنشاط وشفافية، والتواصل مع العاملين وإشراكهم الجهود في العلاقات العامة، والقيام فوراً بوضع خطة لإعادة التأهيل الإستراتيجي طويلة الأمد، والتي توفر الأمان للشركة ومنتجاتها.
بعد التدابير التي اتخدتها شركة "جونسون وجونوسن – جي جي" قبل 34 عام، يمكن للشركات الواقعة في أزمات حالية أن تتجاوز- أو على الأقل تخفيف الصعوبات التي يواجهونها وإعادة تأسيس المصداقية بين المسهتلكين.