قيلَ إن زهرةً حمراء بريّة نبتت على قبر الملك النعمان بن المنذر أشهر ملوك الحيرة عندما داسته أقدام الفيلة، إذ رفض الانصياع لملك الفرس بتسليمه نساء العرب، فكانت معركة ذي قار، ولهذا نسبت الأزهار إليه وصار اسمها " شقائق النعمان" أيْ مثيلاتُ الملك النعمان بن المنذر لما تتصف به الزهرة من تاجيّة وحمرة الدم القاني.
ومن يومها صارت الشقائق، شقيقة النديّة والكرامة، ورمز الحكايات الفارقة.
أذكُرُ أن زهرة منها نبتت ذات ربيعٍ في أطراف قسم (٥) من معتقل مجدو، وكان أحد الفتيان - إذ خُصص ذلك القسم للأشبال حينها - يرعاها ويقضي جلّ وقته في تأمُّل الزهرة الغضّة، ويفيض عليها بعاطفة الطفل المقيّدة بالسياج والأسوار العالية، حتى أنّه كان يقسم للدلالة على صدق حديثة بالزهرة الجنّة !
ذات ظهيرة، وكان الفتى ينتظر موعد الإفراج عنه وقد تأخّر استدعاؤه استعدادا للإفراج، عاد لخيمته قلقاً يحمل الزهرة بيده، وقد خصفها بعد أنْ رآى فيها صورة السهول والتلال خارج الأسوار، وعلَّق عليها آماله الصغيرة فراح ينتف أوراقها في لعبة الحظِّ المخادع القَلِق : " بَرَوِّح .. ما بروّح .. بروِّح ما بروِّح " !
للزهرةِ مكانتها الأصيلة في التراث والأدب العربيين، ولها مكانتها العالية في الوجدان الفلسطيني، وقد نبتت في أغنياتنا الوطنية، وطبّبنا بها جراحنا الغائرة برحيل الشهداء، حيث رافقت أجسادهم في الجنائز اللامتناهية في هذا الدرب النازف.
وقلنا لأبنائنا في وصفها: هي حمراء من فَرْط الحبّ وغزارة الدم.
ما دفعني للكتابة عن شقائق النعمان هو اسمها الجَمْع، فالدارج أن نشير إلى زهرتها بكلمة الشقائق وليس الشقيقة، وإن كان للشقيقة معنى يدُلُّ على أن الزهرة ولدت لنا من الرحم ذاته والأرض ذاتها، إلا أنّ طبيعتها الفطريّة تأبى أن تكونَ وحيدة فما أن تنبلج واحدةً من رحم الشتاء حتى تندفق الشقائق دفعة واحدة على مدّ البصر، كما هي عادة أشقائها الشهداء والأسرى المضربين عن الطعام، ما أن يخطو أحدهم خطوته حتى يتبعه آخر وآخر إلى المالانهاية !
للمفارقة: لا يَتْرُك اللص عاداته، حتى شقائق النعمان لم تسلَم من الاحتلال فنجده يُعلِن الشقائق زهرته الوطنيّة، ويزوّر لونها !!