دبت الحيوية في المدن والبلديات الفلسطينية الأسبوع الماضي، وخاصة قبل ثلاثة أيام سبقت إغلاق باب الترشح وتشكيل القوائم النهائية المتنافسة في انتخابات المجالس البلدية، وتسليمها للجنة الانتخابات المركزية المشرفة على العملية الانتخابية.
مئات القوائم تضم آلاف المرشحين وصلت اللجنة، مستوفية الشروط التي حددت لسلامة الترشح وأهلية المرشح ؛ بانتظار يوم الاقتراع في تشرين الأول القادم.
الاهتمام كان عاليا، وربما مبالغا فيه بتشكيل القوائم من طرف الأحزاب والقوى السياسية. ولكن الصبغة العشائرية والعائلية والحمائلية كانت الظاهرة الأبرز في هذه المعركة. وامتدت جلسات التفاوض على أسماء المرشحين والتوافق على تسمية أعضاء القائمة حتى ساعات الفجر، ولم تنقطع الهواتف عن الرنين وطالت المكالمات الهاتفية حتى تعطلت الأعمال من السهر والتهاتف.
كلٌ يريد أن يكون رئيسا أو عضوا في المجلس البلدي، ويبحث عن مكان متقدم ومضمون في القائمة المفترضة وإلا سيبحث عن قائمة ثانية يشارك فيها، فيجر وراءه عائلته أو بعضا منها، وهكذا تعددت القوائم وبات لكل مجلس بلدي أربع أو خمس قوائم متنافسة على أصوات بلدة لا يتعدى عدد الناخبين فيها بضع مئات.
كلٌ يريد أن يكون رئيسا للقائمة أو عضوا في المجلس البلدي ليخدم حزبه وأهله وعشيرته وعائلته وحمولته، ولكن الأهم من ذلك الحفاظ على مكانة وتراث العائلة الخاص في البلدات التي أصبح لها مجالس بلدية عوضا عن مجالسه القروية السابقة.
غابت البرامج الانتخابية عن معظم القوائم، ولم تحمل هذه القوائم غير اسم طنان رنان قد يكون بعيدا عن واقع وطبيعة هذه الانتخابات الخدماتية في الأصل.
وبرزت العائلات والحمائل والأفخاذ بقوة، ووجدت من ينفخ فيها لأمر ما في نفس يعقوب شعارها "أنا وأخي على ابن عمي..."، وقول الشاعر"وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد".
والحالة هنا تعددت فيها القوائم بأعداد العائلات والحمائل والأحزاب والقوى، وتآلف بعضها في قائمة عله يضمن حصة في المجلس البلدي.
الأحزاب والقوى السياسية وحدت أعضائها ومناجريها ملتزمين بعائلاتهم وحمائلهم وأفخادهم أكثر من التزامهم بالحزب أو التنظيم، ولسان حالهم يقول هذه انتخانات خدماتية تخص قريتنا أو بلدتنا أو مدينتنا أكثر مما تخص حزبنا وتنظيمنا فأهل مكة أدرى بشعبها.
قليلة هي البلدات التي استطاعت أن تُجمع على قائمة توافقية واحدة تضم مختلف العائلات والحمائل والأفخاذ، وهي بذلك ضمنت تمثيلا متوافقا عليه من الجميع في المجلس البلدي، وبذلك تجنبت هذه البلدات التنافس القبلي والعشائري والحمائلي الذي يُقصي في معظم الحالات الكفاءات وذوي الخبرات عن المجالس البلدية. ولكي تتجنب الانتخابات البلدية القادمة هذه الأعداد الكبيرة من القوائم وما تضم من أعضاء بالآلاف لابد من فرض رسم على كل مترشح وكل قائمة وكل ترشح هدفه إرهاق العملية الانتخابية، أو المماحكات التنظيمية والعائلية، يسترده الفائزون بعد الاقتراع ومن حصلت قوائمهم على نسبة معينة تظهر جديتهم وتنافسهم الشريف في هذه العملية.
تجربة الترشح للانتخابات البلدية أضفت حيوية على الشارع، وحركت المياه الراكدة في المدن والبلدات، وهذا مايقدره ويحترمه الجميع، وينتظر أن تستكمل بانتخابات برلمانية ورئاسية شاملة وجامعة لكل أطياف وقوى وأحزاب شعبنا المناضل الصابر الذي يستحق أن يؤخذ رأيه كل أربع سنوات في أولئك الذين يمثلونه ويقودون مسيرته في هذه الظروف الدقيقة والصعبة.