"بشرفك دكتور عنا حرية؟! يعني فيني احكي الي بدي اياه؟" كتبت إحدى الزميلات معقبة، أو متسائلة، وربما هازئة، على حوار دولة د. رامي الحمد لله رئيس الوزراء مع الزميل الصحفي ناصر اللحام، قبل يومين.
بعيداً عن تصنيف ما ورد على صفحة الزميلة من سؤال مشروع تماماً، أظن وليس كل الظن إثم، أنه لمن الجدير بنا أن نتوقف أمام مثل هذا السؤال، لنتفحصه بشكل موضوعي لا تتلبسه المواقف المسبقة، وعلى قواعد يمكننا الاحتكام إليها، رغم أن الأمر قد يبدو معقداً بعض الشيء، إن حاولنا النظر إليه من جانب واحد، بينما يخف هذا التعقيد لو نظرنا إليه بنظرة شاملة ومنصفة لأنفسنا أولاً.
البعض منا حينما نأتي على سيرة الحريات، يحاول جاهداً أن يأخذنا باتجاه كذبة "الحرية في الغرب" تلك التي لا أراها ولا أعترف بها بشكل شخصي، لأسباب عدة، أقلها أن أحداً على سطح هذه البسيطة لا يمكنه أن يتحدث بحرية عن الهولوكوست مثلا، تحت ادعاء معاداة السامية، ولنا أن نلحظ ما يسمى الإسلاموفوبيا الذي يسيطر على أدوات الإعلام الغربي من وقت إلى آخر، ناهيك عن معاملة العرب في الغرب بشكل عام بوصفهم إرهابيين حيناً ومواطنين درجة عاشرة أحياناً. ما يعني أن محاولات البعض تسويق الحرية الغربية كنموذج يحتذى به، هي محاولات أعتقد أنها بحاجة ماسة إلى مراجعة دقيقة.
وأما وضع الإقليم، وبرغم أنه امتداد الفضاء الجغرافي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي الطبيعي لنا، إلا أننا أيضا لا يمكن أن نتوقف أمامه بجدية، لأسباب لسنا بحاجة لشرحها، بل يكفي القول إنها لم تحمل يوما شكلا واضحاً من مفاهيم الحرية، وهو ما يدفعنا مباشرة للحديث عن وضعنا الداخلي بهدوء يوضح لنا الكثير مما نحن عليه في حقيقة الأمر.
علينا أولاً أن نتعامل مع الأمر بتمييز يمكنه أن يفك معالم الاشتباك بين النسبي والمطلق في مثل موضوع الحريات تحديداً، فلا يوجد ما يسمى بالحرية المطلقة، ولو عدنا لما ورد في وثيقة عهد الشرف الصحفي الدولي الذي وضعته لجنة حرية الإعلام، وأقره التقرير الاقتصادي والاجتماعي لهيئة الأمم المتحدة عام 1959، تحت عنوان "أخلاقيات مهنة الصحافة والتكوين القانوني للصحفي" المبحث الرابع لوجدناه يقول: "تتطلب المزاولة الشريفة للمهنة الصحفية الإخلاص للمصلحة العامة، لذلك يجب على الصحفيين أن يتجنبوا السعي وراء منفعتهم الشخصية، أو تأييد المصالح الخاصة المتعارضة مع المصلحة العامة أيا كانت الأسباب والدوافع، فالافتراء والتشهير المتعمد والتهم التي لا تستند إلى دليل وانتحال أقوال الغير كل ذلك يعد أخطاء مهنية خطيرة".
وبالعودة للسؤال الأساس، هل توجد لدينا حرية؟ فالإجابة الأقرب تؤكد أن لدينا نسبة جيدة من حرية الرأي، تصاحبها معالجة عشوائية من قبل السلطة في التعاطي معها، فلا هي مانعة مثل هذه النسبة بشكل كامل، ولا هي قادرة على التعامل معها بذكاء يحفظ ماء وجهها، ويظهر ما تملك من نسبة متقدمة في مجال الحريات، ولو توقفنا هنا أمام تصريحات د. رامي الحمد لله في لقاءاته الأخيرة حول هذا الموضوع، وهو يعبر عن عدم وجود صحافة تدافع عن الحكومة وانجازاتها، لانتبهنا إلى أن العقدة لا تكمن في وجود حرية من عدمها، وإنما تكمن في ضعف الآداء الرسمي تحديداً في التعبير عن ذاته.
إن الحرية لا تعني السب والقذف، كما أنها لا تتوقف عند ما ندعي أو نطرح، وإنما يجب أن تصل بنا إلى ما نمارس من فعل يتطابق وما نقول، يسهم في بناء مجتمع متماسك صحي، وهنا مربط الفرس الأهم الذي يدفعنا للعمل بشكل جدي لاقتناص المزيد من مساحات الحرية الفاعلة المسؤولة، لا الحرية المنفلتة من عقالها، وهذا يتطلب فهماً أكثر عمقاً من جانب السلطة بأن عوامل الحرية ليست ترفاً ولكن ضرورة ليس فقط لأصحابها، وإنما لكامل المشروع الوطني بكافة معالمة السياسية والاجتماعية، علماً بأن الحرية حق وليست مطلب.