فؤاد شحادة
دخل الفلسطينيون موسوعة جينيس من أبواب عديدة، ثبتت حضورهم المميز على الصعد الثقافية والإبداعية، وعرّفت العالم على الخصائص التي طمست عن الشعب الفلسطيني، وبرهنت بما لا يدع مجالا للشك عن جدارة الشعب الفلسطيني بوطن ودولة، ما دامت اسهاماته الحضارية والإبداعية إلى هذا الحد.
إلا أن دخول الحقوقي فؤاد شحادة لهذه الموسوعة العالمية كأطول مزاول لمهنة المحاماة في التاريخ، لابد وأن يشكل إضافة نوعية للرصيد الفلسطيني في المجال الحضاري والإنساني ، ولابد من أن يطرح سؤالا يتعين على العالم كله الإجابة عليه، إلى متى يستمر السكوت عن استمرار واستفحال أطول احتلال عَبَرَ قرنين من الزمن لشعب انجب كوكبة هامة من المبدعين والمتفوقين على المستوى العالمي.
إن فؤاد شحادة الذي دخل وأدخل فلسطين معه إلى موسوعة جينيس لابد وأن يثير سؤالا أنسانيا وهو "كيف يكون أكبر حقوقي في التاريخ منتميا إلى شعب محروم من أبسط حقوقه؟"
انتخابات حسمت قبل أن تبدأ
بالنسبة لي وأخال كثيرين يشاطرونني الرأي بأن المجتمع الفلسطيني نجح عند تسليم آخر قائمة للمترشحين إلى المجالس المحلية ، بعد أن فُرض على الفلسطينيين سجالا سياسيا لا لزوم له، وكأن الانتخابات المحلية مجرد سباق بين سيارتين متعبتين، واحدة تحمل اسم فتح والثانية تحمل اسم حماس.
ورغم الأصوات العالية التي ارتفعت وربما لا تزال؛ لتأجيل الانتخابات تحت ذرائع شتى، إلا أن مجرد إنجازها وبصرف النظر عن نتائجها هو نجاح نوعي يفتقد لمثله مشروعنا الوطني، حين أخضعنا الانتخابات لأجندات الفصائل والقوى ، ولم يُثبَّت كمنهج دائم ودوري وكأساس لنظام سياسي مأمول، ولو دخلنا حالة التأجيل أو الإلغاء لأي سبب كان، فهذا هو الفشل بعينه، فحين لا نستطيع إجراء انتخابات محلية وهي الأبسط حين يجري الحديث عن انتخابات عامة رئاسية وتشريعية، فمن سيصدق بعدئذ أننا نستطيع إقامة دولة ونظام سياسي حديث يحكمها ويحميها.
المصالحات الداخلية
كان العالم مشغولا بالمصالحة التاريخية بين الفلسطينين والإسرائيلين، وأنفق كثيرا لاتمامها، وكانت النتيجة أن مشروع المصالحة التاريخي تحول إلى ساحة اقتتال مركب بين الإسرائيليين الذين اختلفوا عليه مناصفة، وأعدموا رئيس وزرائهم قصاصا وانتقاما وهو يغني للسلام، وانقسم الفلسطينيون عليه حد الوقوف على حافة حرب أهلية لولا عناية الله التي حقنت دماء الفلسطينيين، إلا أن القوى السياسية باصطراعها قسمت الوطن الواحد إلى وطنين، وسلطتين، فانشغل العالم أيضا بمصالحة الفلسطينيين مع بعضهم البعض دون نتيجة تذكر، والأرجح أن الاختلاف تعمق، والانقسام تمادى، والمصالحة صارت وهماً لا أمل في تحققه.
وبعد ذلك نزلنا درجة على السلم لينشغل العالم بمصالحة بين فتح وفتح، واختلف المتدخلون حسنوا النية والقصد من أين يبدأون في هذا الأمر، وها هم يبحثون ويحاولون وليس لهم مني وممن هم مثلي، إلا دعوات مخلصة بالنجاح والتوفيق، وبعد هذا النزول الفادح على السلم، نحتاج الآن إلى صعوده ثانية فلعل وعسى أن نرى فتح وقد نبذت خلافاتها، وتوقفت عن اصطراعها المرير على اللاشيء، ثم نصعد درجة أخرى لنرى فتح وحماس وقد اتحدتا في حركة وطنية واحدة موحدة، ونرى غزة وقد تعانقت من جديد مع الضفة بعد أن ترفع الحدود من وراء إيريز، وتلغى قوائم الممنوعين من السفر، ثم نصعد درجة أخرى لنفتح ملف المفاوضات مع إسرائيل لعلنا نتفادى عوامل الفشل الذريع الذي منينا به كي نرى ضوءاً في نهاية النفق.
هل نحتاج إلى ساحر كي يرفعنا من قاع السلم إلى رأسه؟ هذا هو السؤال، وبيدنا وليس بيد غيرنا الإجابة المقنعة عنه.