هنالك ارتباط عميق بيننا في "الحدث" وبين اللون الأحمر، يجمعني وطارق عمرو، المدير العام لصحيفة "الحدث"، هذا التفاهم حول حب هذا اللون بدرجاته المختلفة، حتى أننا عندما كنا نعمل معاً في وقت سابق في صحيفة الحياة الجديدة هو كمدير عام للصحيفة، وانا كعضو مجلس إدارة فيها، وحاولنا إدخال بعض التحسينات على أداء الصحيفة ولم نُفلح، كان أضعف الإيمان بالنسبة لنا أن حاولنا تغيير شعار الصحيفة إلى اللون الأحمر، وهو ما تم اعتماده لوناً لا قالباً في عملها.
وعندما تم تأسيس "الحدث" استشرته في اللون الأحمر، فلم يتردد في القول أبداً "إنه اللون الصحيح" بكل تأكيد، وذكر حكايةً عن أحد القادة الإيطاليين التي سمعها في إحدى زياراته العائلية إلى روما بأنه كان يجبر أفراد جيشه على ارتداء اللون الأحمر في حروبه وهو ما كان سببا في اعتقاده أنه أفلح في توحيد إيطاليا.
فاللون الأحمر هو لون النصر، أو لون الحظ، ولون الوحدة في تحقيق الهدف.
والغريب أني قرأت اليوم دراسة لطيفة، كانت سببا في كتابتي هذا المقال؛ تفيد بأن اللون الأحمر هو لون الفائزين. هذه النتيجة توصل إليها باحثان بريطانيان في علم الإنسان، تقول إنه عند تساوي منافس مع خصمه في اللياقة البدنية والمهارات فإنه من المرجح فوز اللاعب الذي يرتدي اللون الأحمر.
الدراسة طريفة جدا، عززت إيماني بأن الأحمر هو لون الحظ والنجاح، على أقل تقدير هكذا تعتبره الحضارة اليونانية لونا مهماً جالباً للحظ ولونا لعلو الشأن عند الحضارة الهندية.
وفي مرحلةٍ ما، كنتُ متشككةً بشأن اختيار اللون، فسألتُ والدي، عنه: أليس لون جهنم؟ فأجاب، نعم، الصحافة هي جهنم، جهنم الوقت، والأعصاب، والسياسة، واللغة، والتفاصيل، والدقة، والحروب المعلنة والخفية، والسبق والسباق، والشقاق والاتفاق، والسؤال والمساءلة، والقلوب ينظرُ إليها بالمقلوب، وحجبُ المعلومةِ وشجبُها، وتقصي الحقيقةِ وقصَها، وتقصيرِ المسافات وتوضيح المشكلات، وإمساكُ غابةٍ من الأشجار تحت القلم، والتحليقُ فوق بساط الريح حين يكون الصحفي بضمير صريح مستريح.
لكن والدي الذي يحفظ القرآن، أردف قولاً إن لون جهنم لم يذكر أنه أحمر، فالأحمرُ لون ذكر لمرة واحدةٍ في سورة فاطر في قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ". والجدد (بضم الجيم) البيض والحمراء، ترى بعض التفسيرات أنها المسالك أي الدروب والطرق، وتفسيرات أخرى ترى أن الجدد هي الصخور التي يكون بعضها أبيض وبعضها أحمر.
والأحمرُ سببه انتشارُ عنصر الحديد مع معادن أخرى كالنحاس والرصاص.
الرصاص،
المليئةُ به سماؤنا لم يصل الأمل فينا بعد؛
فالأحمر تحت أقدامنا
أقدامنا نمشي بها فوق أرضنا
أرضنا التي يحملها دمُهم الأحمرُ شهداؤنا،
شهداؤنا رحلوا في سبيل تثبيت الحقيقة،
الحقيقة التي نبحث، وسنظلُ نبحث لهم عنها.
تلك هي مهنتنا وهذا هو لوننا.