الحدث- الأناضول:
يُصوّب الغزّي رجب السنداوي (36 عاما) كرة السلة نحو شباك صغيرة دائرية ترتفع عن الأرض ثلاثة أمتار، وينجح في إصابة هدفه بدقة متناهية، وذلك بعد أكثر من وثبة عالية، ومراوغة ناجحة كان فيها "كرسيه المتحرك" بمثابة القدمين.
ولم تنجح "الإعاقة" في هزم إرادة السنداوي وهو يستعد للقفز مرة أخرى بكرة السلة.
ويقول السنداوي لوكالة الأناضول، وهو يواصل الوثب بالكرة من على كرسيه المتحرك، إن "هذه الرياضة تحتاج إلى القوة البدنيّة، والمناورة بين اللاعبين إلا أن تحليه بالعزيمة حولّه إلى أمهر لاعبي كرة السلة"، على حد قوله.
ويتجّمع السنداوي أسبوعيا برفقة 12 لاعبا يعانون من إعاقة حركية، في ساحة للتدريب وسط مدينة غزة، في أجواء تنسيهم واقعهم الصعب كما يشير محمد مصلح، مدرب الفريق.
ويقول مصلح، في حديث لوكالة الأناضول، إنّ "هذا الفريق شكلّه نادي السلام الرياضي لذوي الاحتياجات الخاصة في قطاع غزة".
ويشير إلى أن "نادي السلام، والمختص برعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، قرر أن تكون رياضة كرة السلة ضمن اهتمامات النادي للتأكيد على أن أصحاب الإعاقة يمتلكون من الإرادة ما يؤهلهم لمنافسة الأصحاء".
ويضيف مصلح، وهو يُلقي بتعليماته وتوجيهاته الذين بدوا في قمة انسجامهم، أن "هذا الفريق يتفوق على نفسه بشكل لا يُصدّق، ويلعب كرة السلة باحتراف".
وعن أمنياته للفريق، يقول مصلح: "نتمنى أن نرفع علم فلسطين في المحافل الدولية، وبطولات ذوي الاحتياجات الخاصة، فالفريق احتل المراكز الأولى على فرق محلية، كما نظمنا مباراة مؤخرا ضد فريق من الأصحاء في إطار دمج المعاقين في المجتمع، وقادتنا إرادة اللاعبين إلى الفوز بها".
ويوضح أن "أصحاب الإعاقة الحركية يمارسون كرة السلة كما لو كانوا محترفين"، مشيرا إلى أنهم يلعبونها وفق مواصفاتها العالمية، وترتفع شباك السلة عن الأرض ثلاثة أمتار، وتُطبق كل قوانين المراوغة والقفز بين اللاعبين.
ويتمنى مصلح أن "يتم دعم هذه الفئة محليا ودوليا، وتقديم ما يلزم للاعبين من الكراسي الرياضية الخاصة، وغيرها من اللوازم الفنية".
وكأي لاعب يمشي على قدمين، بدا مهند الجرجاوي (21 عاما) وهو يقترب من تسجيل هدف، وإدخال كرة السلة إلى شباكها.
وبخفة واضحة، وثب الجرجاوي عن كرسيه المتحرك وهو يسدد كرته نحو الشباك.
ويقول الجرجاوي، الذي يعاني من بتر في ساقه اليمنى جراء إصابته بشظايا صاروخ إسرائيلي في الحرب على قطاع غزة عام 2012، إنّه يجد في هذه الرياضة "متنفسا" ينسيه إعاقته وما خلفته من آلام جسدية ونفسية.
ويضيف الجرجاوي لوكالة الأناضول إن "اللاعبين في نادي السلام الرياضي أغلبهم ممن أصيبوا في الحربين الإسرائيليتين الأخيرتين".
وشنت إسرائيل عمليتين عسكريتين على غزة مؤخرا، الأولى بدأت في 27 ديسمبر/ كانون الأول 2008، وأطلقت عليها عملية "الرصاص المصبوب"، والتي أسفرت عن مقتل وجرح آلاف الفلسطينيين.
وشنت إسرائيل عملية عسكرية ثانية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، تحت اسم "عامود السحاب" أسفرت عن مقتل وجرح العشرات من الفلسطينيين.
ويتابع الجرجاوي حديثه قائلا "رغم هذه الجراح، إلا أننا قررنا هزيمة هذه الإعاقة، وشكلنا هذا الفريق الذي يحلم بالسفر خارج قطاع غزة، وتسجيل الأهداف والنقاط العالمية، ورفع اسم فلسطين عاليا".
أما عمرو الغرباوي، 28 عاما، أحد لاعبي الفريق، فيقول للأناضول إنّ "رياضة كرة السلة انتشرت في غزة مؤخرا بين صفوف أصحاب ذوي الاحتياجات الخاصة، لما تتمتع به من إثارة ومرح".
ويضيف لوكالة الأناضول إن "لدينا حلم، وهو أن نحلق في فضاء هذه الكرة إلى الخارج، وأن نمثل فلسطين دوليا، ولكن نحن بحاجة إلى دعم متواصل، وأمكنة رياضية خاصة".
وبالرغم من بلوغه الستين إلا أن فتحي النحال أخذ يتنقل بخفة بكرسيه المتحرك، كما لو كان يسير على قدمين.
وما أن يسجل هدفا حتى ترتفع صيحات الفرح والتهليل، في رسالة تترجم إرادة الفلسطينيين كما يشير النحّال في حديثه لوكالة الأناضول.
ويقول النحال "نحن نتحدّى ظروف الإعاقة، والحصار المفروض على قطاع غزة، ونتمنى أن نواصل هذه المسيرة لنتفوق دوليا وعالميا".
ويعيش 1.8 مليون فلسطيني في قطاع غزة واقعا اقتصاديا وإنسانيا صعبا، في ظل تشديد الحصار الإسرائيلي منذ قرابة 8 سنوات، والمتزامن مع إغلاق الأنفاق الحدودية من قبل السلطات المصرية.
وبحسب إحصائية لـ"الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني" فإن عدد ذوي الاحتياجات الخاصة في قطاع غزة البالغين أكثر من 18عاماً يصل لنحو 27 ألفا، منهم 17 ألفا يعانون من إعاقة حركية.