الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

"البسطة" مهنة متعبة وأرباحها قليلة لكنها المنقذ الوحيد للعاطلين عن العمل

2016-09-08 04:07:28 PM
بسطات

الحدث – رائد أبو بكر

بأعلى صوته ينادي مهند فريد على بضاعته، واضعا على مقدمة بسطته بعض الحاجيات لعرضها على الجمهور، أحيانا يمسح الغبار وأحيانا أخرى يحمل قطعة لعرضها على المارة ويدعوهم إلى الاقتراب لشراء ما تحتويه البسطة من العاب وإكسسوارات، بصعوبة أخذنا من وقته بضع دقائق للحديث معه ليقول "هذه فرصتي، فالأعياد موسم لا يتكرر إلا مرتين في العام، واعمل بجد لكسب بعض الشواكل، وغير ذلك يكون الربح قليل".

 

مهند ابن مدينة جنين عاطل عن العمل وجد في البسطة ضالته بعد فقدانه التصريح ومنعه من العمل في شركة للبناء والمقاولات في مدينة حيفا، وكان يجني منها شهريا ما يقارب 7 آلاف شيكل، مشيرا إلى انه قدم مرارا لاستصدار تصريح للعمل في الداخل المحتل لكنه وجد  الأبواب مغلقة أمامه وافتتح بسطته  في شارع أبو بكر الذي يشكل شريان الحركة التجارية في مدينة جنين.

 

قصة مهند شبيه بقصص مئات الشبان العاطلين عن العمل، منهم من منع من العمل في الداخل المحتل، ومنهم خريج جامعة لم يجد له وظيفة عمل في البسطة حتى لا يكون عالة على أهله.

 

حتى اللحظة لا توجد إحصائية رسمية عن عدد البسطات والعربات المتنقلة في مدينة جنين، لكن الملاحظ في الآونة الأخيرة تزايد عددها وأصبحت ملاذا لكل محتاج، ورب أسرة، وخريج جامعة، يبحث عن منقذ لعائلته التي تكتوي بآثار الظروف الصعبة التي يمر بها الاقتصاد المحلي في المحافظة.

 

سوق مدينة جنين يعتمد بشكل أساسي من الناحية الاقتصادية على حركة تسوق فلسطينيي الداخل، الذين يشكلون عصب وشريان الاقتصاد والتجارة المحلية في المحافظة، في ذات الوقت تشهد مدينة جنين نهضة عمرانية وتوسعا وامتدادا وصل لأطراف المدينة، لكن ورغم ذلك إلا أن أصحاب البسطات والباعة المتجولين الحركة الاقتصادية بالنسبة لهم فيها تذبذب ومد وجزر.

 

يقول زهير سليمان، رغم اعتماد المحافظة على تسوق فلسطينيي الداخل إلا أنه أحيانا يخسر صاحب البسطة، وخاصة إن كان يبيع الفواكه والخضار، إما برمي بضاعته أو بيعها بأبخس الأثمان، وأحيانا أخرى تكون نسبة الربح قليلة.

 

مستوى حركة ودخل البسطات والعربات المتنقلة يرتبط كثيرا بفلسطينيي الداخل وتسوقهم من جنين، لكن بشكل عام، من خلال رصد واقع العاملين في هذا القطاع "البسطات والباعة المتجولين"، يتبين أن نسبة الفائدة والربح أمام ساعات العمل الطويلة والشاقة، متذبذبة، وغالبيتهم يتعرضون للخسارة أو الربح القليل.

 

وعودة إلى زهير، الذي يبيع الحلويات الشعبية على عربة متجولة، يقول "استيقظ مع آذان الفجر، أجهز الحلويات ومع شروق الشمس أسعى للبيع، ولا أعود إلى البيت إلا عند بيع ما اعرضه، وأحيانا أبقى حتى الساعة العاشرة مساءا".

 

الخمسيني أبو محمد بائع خضار متجول يقول "بعد أن منعني الاحتلال من العمل في الداخل المحتل، بحثت عن عمل في أسواق الضفة الغربية، ولم أجد فرصة تناسبني حيث أعاني من ديسك في العمود الفقري، وعلى هذه العربة أوفر لقمة عيشي، فانا أعيل سبعة أنفار"، مشيرا إلى انه كان سابقا يعمل في مجال البستنة مع شركة إسرائيلية، يتقاضى 150 شيكلا في اليوم،  أما اليوم كما يقول "إذا ربحت من وراء هذه العربة 50 شيكل بعد تجوال ما يقارب 15 ساعة تغمرني الفرحة، فأنا أقطن في بيت مستأجر ولي أولاد في المدارس يحتاجون إلى مستلزمات يومية لا استطيع حرمانهم منها".

 

في زاوية أخرى في سوق جنين، وتحت أشعة الشمس الحارقة، والرطوبة العالية التي تشهدها مدينة جنين، يضع سمير، في العشرينيات من عمره، على رأسه قبعة كبيرة ليقي رأسه، والعرق يتصبب من جبينه،  وينادي على بضاعته المكونة من بعض الألعاب البسيطة، يقول لنا "تخرجت من إحدى الجامعات الفلسطينية تخصص إدارة أعمال قبل خمس سنوات، قدمت العديد من طلبات التوظيف في المؤسسات الحكومية والخاصة والأهلية، ولأني شخص فقير لا سند لي أي واسطة، بطبيعة الحال لن أتوظف، فأصبحت اخجل من والدي الذي تكفل  بمصروفي اليومي حيث يعمل معلما في إحدى مدارس مدينة جنين، في بعض الأحيان ارفض اخذ المصروف منه واخرج من البيت لا املك شيكلا واحدا، أسير في الشوارع محتارا أفكر وأتساءل لماذا التحقت بالجامعة ما دام الوضع هكذا"، وقام بتزييف كلمات أغنية الراحل عبد الحليم حافظ وبقي يكررها مع لحنها  "لو أني اعلم خاتمتي ما كنت درست"، وختم حديثه معنا بالقول، "وكانت خاتمتي أن اجلس إلى جانب هذه العربة أبيع ما تراه".

 

أبو حسين يعمل على بسطة للنثريات منذ 13 عاما، يقول "تمر علينا أيام صعبة، لكن عند دخول فلسطينيي 48 ينشط سوقنا، مقابل ذلك إذا اعتمدنا على أهالي المحافظة تصبح الحركة ميتة، لان الناس لا يشترون إلا احتياجاتهم فقط"، إلى جانبه أبو سليمان والذي أشار "انه يبيع الأحذية بثمن بخس، بهدف التنافس"، موضحا أن ما يقوم به من تنزيلات على أسعار بضاعته للتخفيف من نسبة الخسارة، مبينا، أن كثرة البسطات في سوق جنين سببت في التقليل من نسبة الأرباح، وقال "حتى لا اخسر ابخس الثمن".

 

وتابع حديثه لكن بنبرة غضب "لي صديق  يبيع الفواكه يعاني من حركة شراء ضعيفة متمنيا أن يجمع رأس المال فقط لتلافي الخسارة التي تتكرر معه بشكل دائم، فجميع من يعمل على البسطات والعربات المتنقلة يعملون في ظروف شاقة، وساعات عمل طويلة، وبالمقابل نتعرض للخسارة ولا يوجد من يعوضنا".

 

محمود عبد القادر يؤكد انه لم يعد قادرا على الوفاء بالتزاماته، وتسديد ثمن البضاعة، ومستوى الربح مقابل نفقات عائلته المكونة من 9 أنفار يعتبر خسارة دائمة، وكلما ازدادت البسطات يقل الربح، وقال "لا يوجد عمل آخر في جنين، تعبت وأنا ابحث عن عمل حتى حاصرتني الديون"، متأملا أن يتحسن الحال، ويجد فرصة عمل أفضل.

 

صديقه الذي يقف على بسطته الى جانب عبد القادر، رفض البوح عن اسمه، قال، "الاحتلال أغلق أبواب العمل أمامنا، ويرفض منح التصاريح، ولا يوجد مصانع ومؤسسات تستوعبنا، ونحتاج إلى مال لتوفير متطلبات الحياة الصعبة، وكان آخر حل أمامي فتح بسطة صغيرة أعتاش منها، لكن الدخل محدود اجني طوال النهار فقط 30 شيكل، وأحيانا 50 شيكل وهذا لا يوفر لنا متطلبات العيش فما نريده حلا للعيش بكرامة".