تَلوحُ في الأُفُق بوادر اضطرابات قد تمتد إلى مُواجهة من شأنها أن تُهدّد الُّلحمة القائمة على سِلْم اجتماعي– اقتصادي نجحنا في الحفاظ عليه حتى في أحلك ظروف القهر المُمَنهج الذي لا تٌزال تُمارسه بِحقنا آخر قوة احتلال عسكري على مُستوى البشرية جمعاء. وليس سِرّاً أن نجاحنا في تحقيق أكبر قدر من التماسك في تلك اللُّحمة لا يزال مستنداً إلى ركائز أبرزها مستوى مُتقدم من التضامن الاجتماعي والسِّلم الأهلي الناتجين عن تعرُّضنا، ولو بدرجات متفاوتة، لِسَلب قَسري لِمُقدراتنا وحقنا في تقرير المصير.
المواجهة القادمة مٌغايرة لما سَلَف أو قد يأتي مما قد "لا يُبقي ولا يَذَر"، جبهة قد تنطلق شَرارتها بِفِعل سوء تقدير بالغ لمدى جَسامة العواقب التي يمكن أن تترتّب مستقبلاً على تغييب دور القانون في تنظيم وتعزيز متانة واحدة من أهم مُكونات النسيج الاقتصادي- الاجتماعي الفلسطيني، ألا وهي العلاقة بين العاملين وأصحاب العمل، وعلى وجه التحديد ما يتعلق بآلية تسوية مستحقات نهاية الخدمة للقوى العاملة (في مختلف القطاعات التي تندرج ضمن اختصاص قانون العمل ساري المفعول) عن فترة ما قبل سريان قانون الضمان الاجتماعي المنتظر.
تَتَفاقم حِدة القلق من الوُقوع في المحظور بِفِعل ما تم تداوله مؤخراً من أنباء غير رسمية عن وجود مسودتين (حكومية وتشريعية) لقانون الضمان الاجتماعي، خاصةً من حيث عدم اكتراث ممثلي الشعب وصانعي السياسات على حد السواء بمسألة وضع ضوابط تحول دون اندلاع مواجهات طاحنة على جبهات عدة، ومن بينها تلك التي لا تزال كامنة في الفصل الحادي عشر (مادة 116، فقرة 1–ب) من القانون المذكور، والتي سبق أن تم تناولها عبر منابر أعلامية[1] عدة كجزء من رؤية هادفة إلى الحفاظ على استقرار سوق العمل؛ وذلك من خلال التنويه بكل موضوعية إلى أن نزع فتيل الاضطرابات التي قد تصل لدرجة الحرب الضروس لن يتأتى إلا من خلال اعتماد آلية تراعي حقوق العاملين ومقدرات أصحاب العمل في مكافأة نهاية الخدمة بما لا يتعارض مع الحدود التي رسَّمها قانون العمل رقم 7 لسنة 2000، وبما لا يَترك أي من الطرفين رهينة "اتفاق تسوية" قد يفرض على أي منهما من قبل الطرف الآخر. يجب ألا ننسى أن واجب مختلف السلطات، وعلى رأسها التشريعية والتنفيذية، يُحتِّم عليها إرساء ضوابط لتنظيم العلاقة بين أطراف العمل وِفقَ أُسس تُراعي عدم إيقاع أي إجحاف بحقوق العاملين ومُقدرات أصحاب العمل على حد السواء.
لِننزَع الآن فتيل الحرب القادمة بدلاً من أن نُبَدِّدَ ما تبقّى من مواردنا مستقبلاً في تضميد جراحنا؛ ذلك أجدى لنا من أي تراشق مستقبلي بشأن تَحَمُّل وتحميل المسؤوليات و/أو إلقاء اللائمة على دور للإحتلال في مُواجهة داخلية قد تٌقوض استقرار سوق العمل لدرجة يمكن أن تتسبَّب بكسر -لا مجرد تعطيل- عجلة الاقتصاد، وصولاً إلى الوقوع لا قدر الله في محظورات قد تُلحِق بنا وَيلات أتَتْ على الأخضر واليابس في دول شقيقة، رغم ما قد يرشح عن اختلافات على مستوى ساحات وعرّابي تلك الحُروب. لِنَنزَع الآن فَتيل الحرب القادمة على هذه الجبهة وعلى مختلف الجَبَهات...