زجت محكمة العدل العليا بنفسها، من حيث لا تدري، في أتون الخلافات المستعصية بين حركتي فتح وحماس على كل شيء تقريبا، عندما قررت "وقف قرار مجلس الوزراء بإجراء الانتخابات المحلية مؤقتا، وتعيين جلسة في21/9/2016 للنظر في الدعوى المتعلقة بعدم توفر الظروف الملائمة لإجرائها"، ما يعني إلغاءً عمليا لعقد هذه الانتخابات. من ناحية أخرى، فقد أسدت المحكمة بقرارها معروفا لا يقدر بثمن لطرفي الصراع، ومن لم يحالفهم الحظ والتحالفات، لتضمن لهم فوزا أكيدا بمقاعد في المجالس المتنافسة. وأعتقد أن الأطراف الأساسية عملت ما في وسعها، كل بطريقته للوصول إلى هذه النتيجة.
بعيدا عن مدى واقعية الظروف التي تحيط بإجرائها، وما أضافه القرار من تذمر وشرذمة داخل الأطر الحركية في فتح، لقناعة معظم هذه الأطر بعدم جاهزيتها لتأمين الحد الأدنى من كرامة الفوز في الضفة الغربية، والحد الأقصى من تأكيد شرعية الشرعية في الشارع الغزي، في ظل سيطرة نظام الأمر الواقع، والمد الدحلاني هناك، فقد كان قرار المحكمة بمثابة هدية من السماء للمتناحرين من قوى وفصائل، يعفيهم من مرارة تذوق واقع الهزيمة كل بطريقته، ويمنع انكشاف أوزان بعضهم في صندوق الاقتراع.
لقد جانب قرار المحكمة الصواب، وأخفق وزير الحكم المحلي في استقراء الواقع، والعودة لمجلس الوزراء لاستصدار القرارات المناسبة في مواجهة التطورات على الأرض، مما يؤشر لغيابه عن الصورة أو عدم إدراكه لمغازي ما يجري من تدخل حركة حماس في غزة، وتذمر ضمن أطر حركة فتح، وشطط لجنة الانتخابات في حرمان قوائم كاملة من خوضها لعيب في سلامة أوراق أي مرشح في أي قائمة، بدلا من إقصاء المرشح والإبقاء على القائمة.
أولا. أخطأ وزير الحكم المحلي بعدم المسارعة واقتراح إجراء الانتخابات بالتدرج عندما بدأت تظهر على السطح بوادر التلاعب في مسيرة الترشيح والترشح، حيث يعلم الوزير جيدا أن لمجلس الوزراء كامل الصلاحية بإجرائها في بعض المواقع دون غيرها حيث تنص الفقرة 2 من القرار في قانون رقم (8) لسنة 2012 م بشأن تعديل قانون انتخاب مجالس الهيئات المحلية رقم (10) لسنة 2005 م، على أنه "في حال تعذر إجراء انتخابات المجالس ....، يجوز لمجلس الوزراء إصدار قرار بإجراء الانتخابات على مراحل وفق ما تقتضيه المصلحة العامة". وقد تم إجراء الانتخابات على عدة مراحل عام 2005، واستثناء قطاع غزة من انتخابات عام 2012.
ثانيأ: أخطأت لجنة الإنتخابات المركزية بالتعاطي مع أي هيئة قضائية غير منضوية تحت مظلة مجلس القضاء الأعلى في رام الله، حيث أن التوافق على حكومة التوافق، ينسحب على كافة المؤسسات العامة ومؤسسات الدولة.
ثالثا: أخطأت محكمة العدل العليا بعدم إضفاء صفة الاستعجال القصوى على هذه القضية، بتعيين جلسة الاستماع في موعد متأخر جدا بالنسبة للعملية الانتخابية (21/9/2016). وأخطأت أيضا بإسناد قرارها إلى مبررات غير مستندة إلى القانون، ومنها مبررات سياسية (عدم مشاركة القدس) وحزبية خاصة بتداعيات الانقسام (قانونية القرارات في قطاع غزة حول الاعتراضات ...) وتفسير خاطئ لقانون الانتخابات المحلية (إن الأصل أن تتم الانتخابات في جميع أرجاء الوطن)، وتخوفا من اتخاذ قرارات قضائية (... تكون موضع جدل ونقاش، وحفاظا على السلم الأهلي والمصلحة العامة).
باعتقادي أنه من الأولى أن تصدر المحكمة في جلستها المقبلة ردا للطعون؛ حفاظا على ما تبقى من أمل بتداول السلطة عبر صندوق الاقتراع، وأن يبادر مجلس الوزراء لإصدار قرار التدرج، بدءاً بجميع المجالس التي كان من المفروض أن تفوز بالتزكية، وأن تبدي لجنة الانتخابات المركزية مرونة في التفاعل مع هذه القرارات.
طبعا لا يفوتني التنويه الى أن للقرار تبعات إدارية ومالية لم تكن في الحسبان، وسيكون الخاسر الأكبر ماديا لجنة الانتخابات المركزية، وجميع المرشحين الذين اضطرو لاستخراج براءة ذمة بأثمان كبيرة على كل منهم.
*عضو المجلس الثوري لحركة فتح