الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

"صبرا وشاتيلا" وطه - رولا سرحان

2016-09-15 01:14:17 PM
رولا سرحان

 

"يا نادية انزلي، يا نادية انزلي"، ما يزال هذا الصوت بلهجته اللبنانية عالقاً في رأسي إلى الآن.

 

كان عمري حينها 4 سنوات.

 

كنتُ أنظر من بلكونة منزلنا في حي الفكهاني في بيروت إلى جارنا طه، اللبناني الرفيع ذي الشارب والشعر الأسودين الكثيفين، وهو يصيح ويصرخ.

 

كم كان خائفاً.

 

لم أكن لأفهم حينها لماذا كان خائفاً يصرخ بأعلى صوته ينادي أمي "يا نادية انزلي، قربوا قربوا على المدينة الرياضية."

 

لم أعرف، ولم أفهم لماذا كان على أمي أن تغادر المنزل حينها، ومن هم الذين "قربوا".

 

كان طه يسكن في البيت المقابل لمنزلنا، في السادسة صباحاً، بدأ يطرق باب البيت بقوة شديدة مخيفة.

 

كنا وحدنا في المنزل؛ أنا وأمي وشقيقتي الصغرى وعمرها عام واحد.

 

والدي كان قد خرج من لبنان راحلا مع كل من رحلوا من منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت إلى تونس.

 

صرخ جارنا مفزوعاً، "عم بيدبّحوا بالفلسطينية، بدي أنزل أجيبلك تاكسي لتطلعي من المنطقة".

 

في كل عام وقبل أيام، وما أن يحل شهر أيلول، حتى أنتظر مرور تاريخ السادس عشر منه، كأن عبئا ما على صدري ما يزالُ واقفاً ويتربع.

 

صوتُ جارنا طه ما يزالٌ حياً في رأسي، يقرع كالجرس العتيق، يذكرني بمشاهد متقطعة في كل مرة تحل فيها ذكرى مذبحة صبرا وشاتيلا.

 

نزلنا من منزلنا إلى التاكسي أمي خائفة تحمل أختي، وأنا تجرني بيدها.

 

قال طه: "وصّلها وين ما بدا"

 

أمي الخائفة كانت تنهمرُ الدموع على خدها، وسائق سيارة الأجرة يسألها "وين أوديك".

 

وأمي لا تجيب.

 

أخبرتُ سائق التاكسي "على بيت سيدو"

 

وقلتُ له: "بيت سيدو في فيردان، ودينا هناك."

 

نزلنا من سيارة الأجرة دخلنا منزل جدي المليء، كان الجميع يشاهد التلفاز، ويتابع الأخبار، بدأت حينها الصور والأنباء تتوالى عن قيام جيش الاحتلال باقتحام المخيم بعد أن طوقته قوات جيش لبنان الجنوبي بقيادة العميل لحد، وبتعاون من قوات الكتائب اللبنانية.

 

لدي كتاب مصور، أخفيه في منزل أهلي القديم حتى لا تطاله يدي.

 

فيه صور صحفية توثيقية عن المجزرة.

 

صورٌ لنساء بُقرت بطونهن، أخريات يولولن ويصرخن، ويندبن.

 

أطفالٌ دمهم يسيحُ فوق أجسادهم التي خرجت روحهم منها.

 

36 ساعة متواصلة والمذبحة مستمرة، أكثر من 3000 فلسطيني، خروجوا من دمائهم إلى مكان في التاريخ لنظل نتذكرهم.

 

نتذكرهم بكل استحياء، فلم نفعل لهم شيئا.

 

لم نحاسب قتلتهم على مجزرتهم البشعة.

 

لم نعد نحيي ذكراهم وطنيا. 

 

أرواحهم الغضبى، ستظل تحوم حولنا، لا ترتاحُ. تسكن أجسادنا كما تسكن الأشباح البيوت الفارغة.

 

"أنقاضُ شاتيلا مرت بنا فجرا

والريحُ في صبرا تطفي القناديلا".