ترجمة الحدث- أحمد أبو ليلى
كتب السفير الأميركي الأسبق في العراق وأفغانستان زلماي خليل زاده، مقالا في مجلة بوليتيكو قال فيه بأن أحد المسؤولين السعوديين الكبار أسرّ له بأن بلاده تدعم التطرّف حول العالم، لافتاً في الوقت ذاته إلى نظرة سعودية أكثر إيجابية اتجاه إسرائيل.
وفي مقاله قال خليل زاده، الذي زار السعودية مؤخراً، إنه التقى العديد من المسؤولين السعوديين، الذين أكدوا له هذا الأمر وتحدثوا بشأن خطط إصلاحية في المملكة العربية السعودية، وكيفية وقفهم لدعم التطرف، وتحسين العلاقة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وفيما يلي نص المقال مترجماً:
في رحلتي الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية، كان في استقبالي اعتراف مذهل. في الماضي، عندما رفعنا قضية تمويل المتطرفين الإسلاميين مع السعوديين، كل ما وصلنا إليه كان النفي. هذه المرة، في أثناء الاجتماعات مع الملك سلمان، وولي العهد الأمير نايف، ونائب ولي العهد محمد بن سلمان وعدد من الوزراء، اعترف أحد كبار المسؤولين السعوديين لي، "نحن نضللكم". وأوضح أن الدعم السعودي للتطرف الإسلامي بدأ في 1960، وفي وقت مبكر كرد على الناصرية، الأيديولوجية السياسية الاشتراكية التي خرجت من تفكير الرئيس المصري جمال عبد الناصر والتي هددت المملكة العربية السعودية وأدت إلى حرب بين البلدين على طول الحدود اليمنية. سمح هذا التكتيك لهم لاحتواء الناصرية بنجاح، وخلص السعوديون إلى أن الإسلام يمكن أن يكون أداة قوية مع فائدة أوسع.
بموجب سياسة جديدة وغير مسبوقة من الصدق، أوضحت القيادة السعودية أيضا لي أن دعمهم للتطرف كان وسيلة لمقاومة الاتحاد السوفياتي، في كثير من الأحيان من خلال التعاون مع الولايات المتحدة، في أماكن مثل أفغانستان في 1980. في هذا الأمر أيضا، كما قال، أثبتت تلك السياسة نجاحها. وفي وقت لاحق تم انتهاجها ضد الحركات الشيعية المدعومة من إيران في المنافسة الجيوسياسية بين البلدين.
لكن مع مرور الوقت، يقول السعوديون، تحول دعمنا للتطرف ضدنا، وتفاقم إلى تهديد خطير للمملكة وإلى الغرب. كانوا قد خلقوا وحشا بدأ بالتهامهم. وأضاف "اننا لم نعترف بذلك حتى بعد 11-9 لأننا كنا نخشى أن يتخلوا عنا وأن يعاملوننا كعدو"، هذا ما اعترف به مسؤول كبير في السعودية وأضاف "وكنا في حالة إنكار."
لماذا هذه الصراحة الجديدة؟ أولا، أنه من العدل أن نسأل إلى أي مدى تريد أن تصل السياسة الجديدة حقا. من الواضح أن هناك بعض التساؤلات حول ما إذا كانت بعض الجماعات السنية المتطرفة، مثل حركة النصرة في سوريا، ما تزال تحصل على المال السعودي. ولكن كما أوضح السعوديون لي، هو نهج سعودي جديد، فالصراع مع الماضي هو جزء من الجهود التي تبذلها القيادة لبناء مستقبل جديد لبلدهم، بما في ذلك برنامج الإصلاح الاقتصادي على نطاق واسع.
في تفكيرهم الحالي، يعتبر السعوديون التطرف الإسلامي واحدا من التهديدات الرئيسية التي تواجه المملكة- أما التهديد الآخر فهو إيران. وبالنسبة لإيران، هناك استمرارية. أتذكر عندما طلب مني الملك عبد الله أن أنقل إلى الرئيس جورج دبليو بوش في عام 2006 انه في حاجة لقطع "رأس الثعبان" ومهاجمة إيران وإسقاط النظام. القيادة الجديدة، مثل أسلافهم، يلومون ايران لعدم الاستقرار في المنطقة والعديد من الصراعات مستمرة.
القيادة السعودية الجديدة، وبعبارة أخرى، يبدو أنها خفضت مستوى الأيديولوجية لصالح التحديث. قال مسؤول سعودي كبير صراحة أن المملكة تنتهج "الثورة تحت غطاء التحديث" أي أن التحديث كان المحرك الأساسي لسياسة السعودية.
ولكن هل يمكن أن ينجح هذا النهج، بينما لم يتغير سوى الشيء القليل في سياسة بلد ما تزال تدار وفق نظام حكم استبدادي مطلق من قبل آل سعود؟ أكبر الأمور التي تظل مجهولة هي إغراءات الماضي- سواء أكانت قيادة السعودية موحدة خلف البرنامدج الجديد أو ما إذا كان أولئك الذين استفادوا من النظام القديم يحاولون إفشال أجندة الإصلاح، وبالتالي زعزعة استقرار البلاد. المعارضة يمكن أن تأتي من المؤسسة الدينية القوية، والتي قد تعارض افتتاح مراكز الترفيه، وإصلاح المؤسسات الدينية، بل حتى محدودية التعليم المختلط وزيادة مشاركة الإناث في القوى العاملة.
كانت هناك العديد من برامج الإصلاح التي أعلنت من قبل في المملكة العربية السعودية، إلا أنها لا تساوي شيئا. أيضا، التحديث يقوض دعائم اثنين من دعائم الشرعية السياسية السعودية، الأول تأييد المؤسسة الدينية الوهابية والثاني المؤسسة التقليدية التي تستند إليها أي حكومة ملكية. كما يخلق التحديث عدم يقين اقتصادي لتلك الفئة المستفيدة من عدم كفاءة النظام الحالي، وقد تكون النتيجة اضطرابات السياسية. ويبقى السؤال مفتوحا حول ما إذا كان الشعب السعودي قد تم إعداده بما فيه الكفاية على جميع المستويات ذات الصلة من حيث التعليم والمهارات للمنافسة في الاقتصاد العالمي، لأنهم سيحتاجون للقيام بذلك في اقتصاد حديث.
إذا لم يكن كذلك، قد تنشأ توترات اجتماعية واضطرابات بين أولئك الذين ليسوا على استعداد للمنافسة.
***
لم تكن هذه هي رحلتي الأولى إلى المملكة العربية السعودية. لقد ذهبت إلى هناك في 1980، عندما كنت أعمل في وزارة الخارجية. وأصبحت أكثر معرفة بالقيادة السعودية خلال مهمتي كسفير في العراق من 2005 إلى 2007. وزرت المملكة في كثير من الأحيان وبنيت علاقات ودية مع الملك عبد الله وغيره من كبار المسؤولين.
لسنوات عديدة، كنت معتاداً أن المسؤولين السعوديين غامضين وغير واضحين. الآن، هنالك محاورون واضحون بأسلوب يشبه رجال الأعمال في طريقة نقاشهم لماضيهم وخططهم المستقبلية. خلال العقود الماضية، كان انطباعي أن السعوديين لا يبذلون جهداً كبيرا في العمل. الآن هنالك فريق من المتعلمين تعليما عاليا، ووزراء شباب يعملمون 16- 18 ساعة متواصلة لتنفيذ خطة تحويل البلاد. الخطة هي من بنات أفكار محمد بن سلمان وتركز على كل الجبهات المحلية والإقليمية، سلمان ووزراؤه ينضحون التزاماً وطاقة.
عبر الدول الإسلامية ذات الأغلبية كان هناك صراع مستمر بين التحديث والإسلام. وتعتبر الرياض التحديث وسيلة تتمكن السعودية من خلالها، وبعد طول انتظار، من مواجهة وهزيمة التطرف وتعزيز قطاع خاص ديناميكي والسيطرة على التحديات الاقتصادية التي تلوح في الأفق.
ويشمل البرنامج السعودي:
- قيودا جديدة على قدرة الشرطة الدينية لاعتقال المعارضين.
- تطهير المتطرفين من الحكومة وبذل المزيد من الجهود لمراقبة تأثيرها في المؤسسات الأمنية.
- تعيين القادة الدينيين الجدد لمواجهة التطرف الإسلامي على أسس لاهوتية.
- تحويل رابطة العالم الإسلامي- ذراع السعودية الرئيس لدعم الحركات الإسلامية في الخارج- عن طريق تعيين زعيم جديد واتخاذ قرار بوقف دعم المدارس الإسلامية في الخارج.
وعلى الصعيد الاقتصادي، وضع القادة الجدد خططا للتحول الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط. وتركز رؤية 2030 وبرنامج التحول الوطني 2020 على تقليص البيروقراطية الهائلة في البلاد والحد منها وفي نهاية المطاف إلغاء الإعانات، وتوسيع القطاع الخاص بما في ذلك جذب الاستثمارات من الخارج من خلال أن تصبح أكثر شفافة وخاضعة للمساءلة وإلغاء الحظر.
انها تعتزم تحويل شركة النفط العملاقة أرامكو التابعة لها، بما في ذلك طرح أسهمها للاكتتاب العام لجمع ما يقدر بـ 2 تريليون دولار لصندوقها الاستثماري، مع فكرة أن الدخل من استثماراتها يمكن أن يقلل من الاعتماد على عائدات النفط. ولتشجيع المزيد من المال السعودي الذي ينفق في الداخل، فإن الحكومة ستفتتح أماكن للترفيه في المملكة وتعتزم جذب أسماء كبيرة من الولايات المتحدة وقد تم بالفعل التوقيع على اتفاق مع ستة جهات. انها تخطط لزيادة عدد النساء في القوة العاملة. لقد زرت مدينة الملك عبد الله، وهي المدينة الجديدة المخطط لها والتي يجري بناؤها من قبل القطاع الخاص. هنا، سيتوجه الرجال والنساء معا لحضور الدروس الجامعية، وسيكون هناك مرافق هامة للشركات الأجنبية التي يتم إنشاؤها وفق مواصفات الشركات العالمية المهتمة.
وتبدو الحصيلة الثانوية لتركيز السعوديين على داعش وإيران هي أن تكون هناك وجهة نظر أكثر استنارة من قبل الرياض تجاه إسرائيل. إسرائيل والمملكة العربية السعودية تتشاركان مفهوما مماثلاً فيما يتعلق بإيران وداعش، وأن العداء القديم ليس من الضروري أن يحول دون مزيد من التعاون بين البلدين للمضي قدما. لقد ذكر السعوديون وبطريقة مباشرة وغير عادية أنهم لا يعتبرون إسرائيل عدواً، وأن المملكة ليست لديها أي خطط طوارئ عسكرية موجهة ضد إسرائيل. لقد أكدوا على ضرورة تحقيق تقدم في القضية الفلسطينية، ولكن كانت لهجتهم حول هذا الموضوع وبشكل ملحوظ أقل عاطفية مما كانت عليه في الماضي. كانت الأولوية واضحة لهزيمة داعش وتحقيق التوازن بين ايران من موقع قوة.
على بعض المستويات، فإن آفاق الإصلاحات المخطط لها في المملكة العربية السعودية تبدو واعدة اكثر مما هو عليه الحال في معظم أجزاء أخرى من الشرق الأوسط. المملكة العربية السعودية لديها احتياطيات النفط ولا تنشغل في الصراع: تلكما اثنتان من المزايا الهامة.
تركت زيارتي قناعة بأن قطاعات رئيسية من القيادة السعودية جادة بشأن خطط التحديث ويتم السعي إلى تحقيقها بقوة ومهنية.
هناك، كما قلت، الكثير من الأسباب لأكون متشككا من النجاح في نهاية المطاف. ومع ذلك، فإن نجاح جهود الإصلاح يعني أن المملكة العربية السعودية ستصبح أكثر قوة من ذي قبل، ما سيمكنها من لعب دور أكبر في الديناميات الإقليمية بما في ذلك في تحقيق التوازن بين ايران وربما التفاوض حول إنهاء الحروب الأهلية في المنطقة. ومن شأن تغيير حقيقي في سياسة المملكة العربية السعودية في دعم المتطرفين الإسلاميين أن يكون نقطة تحول في الجهود الرامية إلى إلحاق الهزيمة بهم. ونظرا لدور المملكة، يمكن لنجاح السعودية أن يقدم نموذجا لبقية العالم العربي والإسلامي السني حول كيفية تحقيق الاصلاح والنجاح. والتي يمكن في المقابل، أن تساعد في إطلاق إصلاح مطلوب بشدة. المنطقة والعالم لديها مصلحة في نجاح السعودي، وينبغي لها أن نفعل ما في وسعنا لتشجيع وتقديم الدعم لهم في هذا الطريق الجديد.
*زلماي خليل زاد هو سفير الولايات المتحدة السابق في أفغانستان والعراق والأمم المتحدة. وهو مؤلف كتاب "المبعوث: من كابول إلى البيت الأبيض، رحلتي من خلال عالم مضطرب"، من مطبعة سانت مارتن. وقد تم ترتيب هذه الرحلة من قبل معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.