في حيفا أطفال عرب ويهود من جميع أنحاء المدينة يتعايشون ويلعبون معا ستة أيام في الأسبوع في الروضة ثنائية اللغة. وأسماؤهم مكتوبة على الرسوم وعلى الحقائب المدرسية وعلى الملصقات باللغتين العبرية والعربية: بوعاز إلى جانب نور، إلى جانب يوسف. وتسري القاعدة ثنائية اللغة أيضا على كتب الأطفال وعلى الموسيقى المسموعة في الروضة. وقبل تناول الطعام يتم التبريك باللغتين العربية والعبرية. وقد أغلق باب التسجيل للعام الدراسي في روضة الأطفال ثنائية اللغة في حيفا بحسب مدير الروضة موران أوفك في غضون نحو عشرة أيام. ويتعلم فيها 44 طفلا عربيا ويهوديا تتراوح أعمارهم بين عام واحد وأربعة أعوام، أي أكثر من ثلاثة أضعاف العدد منذ افتتاحها العام الماضي. مربيات الأطفال ومساعداتهن في الروضة عربيات ويهوديات، ويحاول أوفك دمج عدد أكبر بقليل من مساعدات المربيات العربيات، سعيا لتقوية اكتساب اللغة العربية في وسط تسوده اللغة العبرية.
هناك إقبال شديد على رياض الأطفال التابعة لجمعية «يد بيد». حيث أبدت خلال التسجيل المبكر نحو 550 عائلة رغبة في أن يتعلم أطفالها في إطار يهودي- عربي مشترك. ومن بين أولياء الأمور هناك من يهتمون بالروضة لأسباب ايديولوجية، بينما يرتبط غيرهم بالأفكار التربوية وبالإطار الحميم، وهناك من يختارون الروضة لسبب بسيط هو أنها قريبة من منازلهم.
ويقول جوزيف أطرش، أحد أولياء أمور أطفال الروضة: “بالنسبة لي، هذا شيء طبيعي جدا. حيث نعيش معا في مدينة مشتركة، ونستخدم الحدائق العامة بصورة مشتركة. فيجب أن تكون الرياض المشتركة المعيار المتّبع. إننا لا نشغل أنفسنا طوال الوقت بالنزاع العربي اليهودي”.
وتشرح أدوة شاي قرارها إرسال ابنها إلى الروضة بالرغبة في “شيء آخر بالنسبة لابني. أن تكون العربية لغة الكيف والمتعة، لغة التعايش والحياة المشتركة. يسهل علينا نسبيا فعل هذا الأمر، حيث نرتاد بعد الظهر نفس الحدائق العامة والأمهات اللواتي نلتقيهن لا يتحدثن عن النكبة فقط بل يتحدثن في أمور أخرى.»
ويقول أوفك: “إن التربية ثنائية اللغة التي تجري في مرحلة مبكرة نسبيا، تؤدي حتما إلى طرح تصور متعدد الثقافة، وتبنّي عدة وجهات نظر حول الواقع من حولنا، الذي يجد السبيل للتشديد على التشابه الوطني والديني والطبقي أو الطائفي- ومحاربة التباين. وتجد هذه المقاربة تعبيرا لها في روضة الأطفال على سبيل المثال، في الاحتفال بالأعياد اليهودية والإسلامية والمسيحية. ويشكل الحوار أساس العملية التربوية عندنا».
جمعية “يد بيد” التي أنشأت المؤسسات التعليمية ورياض الأطفال ثنائية اللغة، قامت أيضا بإنشاء مدرسة “جليل” التي تأسست في 1998، وهي بين المدارس الأولى التي تقوم بتفعيل إطار ثنائي اللغة.
وتقدم المدرسة خدمات للتلاميذ في التجمعات السكنية بمجلس مسغاف الإقليمي وبلدية سخنين ومجلس شعب المحلي، وجرت فيها تجربة دمج مماثلة لروضتي الأطفال في حيفا ويافا.
وتؤمن حبيبا نر- دافيد بالتعايش. وابنها هو أحد التلاميذ اليهود الذين يتعلمون في الصف الأول في مدرسة “جليل”. وقد نشرت نر-دافيد قبل نحو أسبوعين مقالا في موقع الإنترنت ثنائي اللغة الشعبي “دغرينت” – الذي يشكل أيضا الموقع الاجتماعي لسكان الجليل، وملتقى ومركزا للمعلومات والعمل بالنسبة للمجتمع الجليلي. وكتبت في مقالها عن جهودها الرامية إلى إقناع مزيد من أولياء الأمور باختيار التربية ثنائية اللغة، رغم اعتقادها بأن هذا قرار غير سهل نظرا لأن الانتقال من روضة الأطفال إلى الصف الأول صعب بما فيه الكفاية حتى دون التعرض لبيئة ثنائية اللغة.
أما نوعا تسوك، التي يتعلم ابناها في المدرسة المذكورة، فترى أن التلاميذ يحصلون هنا على أشياء لا يمكن قياسها، مثل تطوير التسامح والقدرة على حل نزاعات. « إنني أعتقد بصفتي والدة بأن النظرة المركبة إلى الواقع تشكل هدية»
ويخلص مدير عام جمعية «يد بيد» شولي ديختر إلى القول إن « المدرسة ثنائية اللغة يجب أن تكون ذات قوة هائلة لتفلح في جذب أبناء الشبيبة الذين تتوفر لديهم دوائر هوية قوية الى هذه الدرجة، ونحن نشهد نجاح حدوث ذلك.
(ملخص تقرير صحافي من صحيفة «هآرتس»)