السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

حق النساء في الميراث ضائعٌ لأجل غير مسمى

2014-04-29 00:00:00
حق النساء في الميراث ضائعٌ لأجل غير مسمى
صورة ارشيفية

مشاكل الميراث في فلسطين أكبر وأعقد من الدول العربية المجاورة  

محام دعا لمساواة المرأة مع الرجل بالميراث فهدد بالقتل

د. قفيشة: أتوقع أن تكون ردة الفعل المجتمعية عنيفة إذا ما طرح موضوع المساواة في الميراث بشكل جدي 

 

رام الله- عبير إسماعيل 

تهديدات بالقتل واحتجاجات ومطالبات بطرده من الجامعة وتبرؤ عائلته من أقواله، كل ذلك واجهه المحامي وعميد كلية الحقوق في جامعة الخليل، د. معتز قفيشة، بسبب مقال نشره بمناسبة اليوم العالمي للمرأة في الثامن من آذار الماضي، دعا فيه إلى مساواة المرأة مع الرجل خاصة فيما يتعلق بالميراث.

هذه المقالة سببت جدلا واسعا خاصة في مدينة الخليل، مسقط رأس المحامي قفيشة، لدرجة أنها أصبحت مادة دسمة لخطب الجمعة في المساجد، إضافة لإطلاق دعوات من عدد من العائلات والأهالي تطالب بالتبرؤ من المحامي من قبل عائلته، وذلك بحجة أنه خالف الدين بما سرده في مقاله خاصة عندما دعا بضرورة مساواة المرأة بالرجل في مسألة الميراث. 

كتابة المقالة مرتين للتوضيح

من جهته، يقول د. معتز قفيشة في تعليقه على ما حدث: «بداية المقال الذي نشر في يوم المرأة العالمي يتحدث بشكل عام عن المساواة بين الطرفين، لكن وبعد أن سمعت الكثير من التعليقات والانتقادات حول جزئية المساواة بشأن الميراث اضطررت لأن أكتب المقال مرة أخرى لأشرح فيه أكثر أسباب مطالبتي بمساواة الأنثى بالذكر بشأن الميراث».

ويضيف قفيشة في حديث خاص مع الـ «حدث»: «كان هدفي الأساسي من كتابة مقالتي، هو توجيه دعوة للسلطة الفلسطينية بتبني نظام الـ «قِسام» حول قسمة التركات والذي كان معمولاً به خلال فترة الحكم العثماني، واستبداله بالنظام الحالي الذي يأكل فيه القوي حق أخته أو حتى حق أقاربه الذكور الضعاف في الميراث».

ويشير عميد كلية الحقوق في الجامعة الخليل في مقالة حول هذا النظام قائلاً: « القسام كان عبارة عن دائرة من دوائر المحاكم في فلسطين، وهو مختص بتقسيم التركات. فبعد وفاة أي شخص يأتي القسام، دون تدخل من الورثة، ويقوم بحصر أموال المتوفي ومنع تصرفهم بالتركة حتى يتم توزيعها ونقل ملكيتها بشكل رسمي إلى جميع المستحقين. فلا يستطيع رجل أن يحرم أخته أو زوجة أبيه أو إخوته الصغار، كما نفعل اليوم في عدد من الدول العربية والإسلامية ومنها فلسطين، من الميراث بحجج واهية وتبريرات للذات في أكل المال الحرام.”

المرأة تعطي مثل الرجل ولها الحق مثله

وفي تبريريه لضرورة المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، يرى قفيشة بأن المرأة في وقتنا الحالي لا تأخذ حصتها وحقها في الرعاية من معيلها، سواء الزوج أو الأب أو الأخ، وذلك بسبب طبيعة التغييرات الاجتماعية والاقتصادية، لذلك فهي بحاجة إلى حصة أكبر من الميراث بما يتناسب مع احتياجاتها، خاصة وأن هناك أسر تعيلها نساء.

ويشرح المحامي ذلك في مقاله بالقول: «الرجل يأخذ ويعطي؛ هو يأخذ حصة أكبر من الميراث وهي تأخذ، في المقابل، الطعام والمهر والمؤخر والسكن والعلاج واللباس والتعليم والحماية ضد الآخرين. أي أن الرجل يدفع ثمن الزواج والمواصلات والخبز والحليب والخضار الفواكه واللحم والساندويشات ودجاج الكنتاكي والفساتين والديّة إذا ارتكبت المرأة جريمة. وقد تكون نفقة الرجل على كل هذه الأشياء أكبر من حصته في الميراث، أي أن المرأة تأخذ أكثر. إذن لا خلاف بأن المرأة تأخذ أكثر، لأنها ربما تحتاج أكثر. لكن في وقتنا الحاضر، لا تأخذ المرأة ما يجب أن يدفع لها. لذلك يجدر، على الأقل، أن تتساوى مع الرجل في الميراث...».

سحب المقال بسبب التهديد

وبعد كل ما حصل له، اضطر د. قفيشة، إلى سحب مقاله بسبب موجة الانتقادات الحادة التي تعرض لها، نافياً أن تكون عائلته تبرأت منه بسبب المقال قائلاً: «نشرت عائلتي فيديو تبرؤوا فيه من أقوالي فقط، مطالبين بالعدول عما كتبت لما يبدو بأنه ضد الدين الإسلامي، لكنني بعد أن شرحت لهم بالتحديد ما أقصد قاموا بسحب هذا الفيديو. لكن ومع ذلك وبسبب ما اثير ضدي في الخليل، قمت بسحب مقالي نتيجة الضغط الشعبي الذي تعرضت له والتهديدات بالقتل، إضافة لأن عددا من وجهاء الخليل حضروا لجامعة الخليل مطالبين بطردي منها واتهموني بأنني أساهم في تربية جيل على تعاليم تخالف الدين الإسلامي».

دعوة لن تتكرر

هذا وتعتبر هذه المبادرة أو الدعوة من قبل رجل اولاً، ومحام ثانياً، وعميد كلية حقوق ثالثاً، بادرة مشرقة وأمل كبير للنساء وللمؤسسات النسوية التي تبحث دائما عن شريك ينادي بصوتها ويدعو لحقوقها، خاصة فيما يتعلق بموضوع حساس كالميراث.

لكن مثل هذه الدعوة التي خرجت من رجل وجوبهت بحرب شرسة دعته للتراجع عنها وربما عدم تكرارها، لا يبشر أبداً بأن تكون هناك مساع جدية وحقيقية لإنصاف المرأة في حقها، ليس في مساواتها بالرجل بل في منحها حقها في الميراث كما أوردته الشريعة والدين!

وحول ذلك يعلق المحامي قفيشة بالقول: «اذا ما طرح موضوع المساواة في الميراث بشكل جدي في البلد وتبنته جهات ومؤسسات معينة، اتوقع ان تكون ردة الفعل عنيفة جداً ومن الممكن أن تصل لحد المظاهرات، فحتى ولو انضممنا للاتفاقيات الدولية الداعية لإنصاف المرأة، فإننا سنتحفظ على بنودها، تماما كباقي الدول العربية، خاصة ما هو متعلق بالميراث وبضرورة مساواتها بالرجل، لذلك لن تكون هناك إرادة سياسية من قبل السلطة الفلسطينية للمضي قدماً في هذه الخطوة».

النساء أعداء أنفسهنّ

ويعد موضوع حصول المرأة على ميراثها، من أبرز القضايا الشائكة التي تنتهك فيها حقوق المرأة في بلادنا، ومن أكثرها جدلاً منذ عقود، فما هو متعارف لدينا بأن تقوم المرأة بالتنازل عن حقها الشرعي لصالح أخوتها أو أولادهم أو غيرهم من الورثة الذكور، الأمر الذي ولد فكرة او قناعة لدى النساء أنفسهن بأن مطالبتهن لحقهن في الميراث لا يجوز، لما قد يتسبب في عداوات أو قطيعة بين الأخوة!

ميراثها نصف مليون وترفض المطالبة به

هذا الأمر لمسناه وبشكل واضح لدى السيدة حليمة سعيد (52 عاماً) وهي من إحدى قرى غرب مدينة رام الله، فهي ورغم أزمتها المالية الحادة، حيث تعاني من مرض سرطان الثدي وهي بحاجة لمسكنات طوال الوقت، خاصة أنها تركت عملها بسبب وضعها الصحي، إضافة لأنها سيدة تعيش لوحدها وبدون معيل، وليس لديها أبناء ولا زوج، إلا أنها لا تطالب بحقها في الميراث.

وتقدر قيمة حق السيدة حليمة في ميراثها، بما يقارب الـ5 دونمات من الأراضي، أي ما يعادل الـ500 ألف دولار أمريكي، إلا أنها في الوقت نفسه لا تفكر أبداً بالمطالبة بحقها بدعوى أن ذلك يتنافى مع العادات التي تربت عليها.

وتقول السيدة في مقابلة أجرتها صحيفة «الحدث» معها: «لم اتجرأ يوماً على طرح هذا الموضوع مع العائلة، رغم أنني بحاجة ماسة للمال، خاصة وأنني اضطررت لترك عملي كمراسلة في إحدى الدوائر الحكومية،نظرا لتردي حالتي الصحية، فأنا في المراحل الأخيرة من مرض السرطان».

وتبرر السيدة حليمة عدم رغبتها في المطالبة بحقها، بعدم ترك أية مشاعر كره أو عداوة مع إخوتها قائلة: «اعلم بأنني أملك عدداً من دونمات الأراضي، لكنني اذا طالبت اخوتي بها فستكون لهذه الخطوة عواقب وخيمة، ففي تاريخ عائلتي لم تطلب أية سيدة حقها بالميراث، وأنا لا أريد ان اغضب احداً مني، ففي النهاية ما سآخذه سيذهب من جديد لهم بعد وفاتي، خاصة وأنه لا يوجد لدي أولاد».

تراجعت عن حقها خوفاً على حياتها 

على جانب آخر، وفي قصة كانت بطلتها امرأة أرادت أن تأخذ حقها من ميراثها، قامت السيدة سعاد عبد الله رزق، وهي من إحدى قرى جنوب نابلس، بالحصول على حصر لإرثها من المحكمة الشرعية، ومن ثم شرعت بالإجراءات القانونية لأخذ حصتها من ميراث أهلها، حيث قامت بتوكيل محام لمتابعة حصولها على إرثها بعد أن رفض اخوتها إعطاءها حقها، لكن النتيجة كانت بأن واجهت تهديدات من قبلهم ومن قبل أولادهم.

وتسرد السيدة سعاد تفاصيل ما حصل معها في مقابلة مع الـ «حدث» قائلةً: «لقد اغتربت عن فلسطين لمدة 10 سنوات، وحالياً أنا المعيل الأساسي لأولادي بعد أن توفي زوجي قبل الـ3 سنوات ونصف، لذلك قررت بأن أحصل على نصيبي من الميراث الذي خلّفه والدي، لما سيساعدني ذلك في تربية أولادي، فكانت رحلتي طويلة، حيث توجهت للمحكمة الشرعية وحصلت على حصر للإرث مكنني من معرفة ما لديّ، وعندما طالبت اخوتي بميراثي رفضوا تماماً مدعين بأن الوقت غير مناسب».

وتشير السيدة سعاد بأن اخوتها عرضوا عليها مبلغاً من المال مقابل «التخارج» من الورثة، أي التنازل عن حقها إلا أنها رفضت مضيفةً: «بعد ان حصلت على حصر الإرث اكتشفت بأن حصتي تقدر بحوالي الـ230 ألف دولار امريكي ما بين عقار وأراضٍ، لكن أخوتي عرضوا علي مبلغ الـ70 ألف دولار فقط، وهو ما يخالف الشرع والدين والعقل أيضاً، فما كان مني إلا ان لجأت للقانون وحصلت بالفعل على حق بالبيع عن طريق المشاع، لكن صدمت عندما وجدت اخي الكبير وابنه امامي في مقر البلدية، متهجمين علي كونني سلمت قرار تنفيذ حصولي على ميراثي».

ومثل هذه الحادثة، دفعت بسعاد إلى التوقف مبدئياً عن إجراءاتها للحصول على ميراثها مضيفةً: «سأعود الشهر المقبل للولايات المتحدة، واتفقت مع اخوتي بأن نتباحث بأمر الورثة هذا الصيف، فأنا اريد حقي ولا أريد في الوقت نفسه أي ضرر يلحقني أو يلحق اولادي، لكن في حال لم نتفق سأعود مجدداً وآخذ حقي بالقانون».

حق بالشرع وباطل بالمجتمع

قد لا يختلف اثنان بأن الميراث حق للمرأة تماماً كالرجل، فهو وارد بالقرآن والسنة، لكن مجتمعياً ومنذ عقود طويلة تحرم المرأة من ميراثها بداعي أنها ليست بحاجة له طالما هناك من ينفق عليها، سواء أكان زوجا أو أخاً، مما جعل هذا الأمر متأصلا في عقول أجيال كثيرة، وأصبح ينظر للمرأة التي تطالب بحقها في الميراث على أنها تتحدى العادات والتقاليد، وأي تحد!

ومن جانبها، ترى القاضية الشرعية، خلود الفقيه، بأن المشكلة التي تواجه النساء في هذا الموضوع هي مشكلة اجتماعية بشكل أساسي، إضافة لمشكلة أخرى تتعلق بالنزاع على السلطة.

وتقول القاضية الفقيه في حديث خاص مع الـ «حدث»: «إن فكرة النزاع على السلطة هي قديمة جداً، وتتمثل بان من يملك مالاً أكثر ويسيطر على أملاك العائلة يصبح هو صاحب المال الأساسي والزعيم بينهم، لذلك تأصلت فكرة حرمان النساء من ميراثهنّ والذي أصبح يؤيده للأسف النساء انفسهنّ».

وتؤكد القاضية الشرعية، بان على كل النساء التأكد بان حقهن في الميراث هو حق شرعي والهي، وما هو غير ذلك فهو مخالف للدين والشرعية، فلكل سيدة نصيبها من ميراثها وهو حق لها وحدها. 

دور محدود صغير 

وفيما يتعلق بدور المحكمة الشرعية في هذا الموضوع، وأين يبدأ وأين ينتهي تقول القاضية الفقيه: «بالنسبة للمحاكم الشرعية الفلسطينية، فهي للأسف لها دور بسيط في موضوع الميراث، فعملها هو إصدار حصر للإرث وبيان الأسهم الشرعية في تركة المورث، بمعنى إخراج كم هو نصيب الزوجة او الابن او البنت وغيره، وتقديم هذا الحصر لهم ليعرف كل ذي حقٍ حقه، بعد ذلك يأخذ صاحب العلاقة البيان ويذهب للتنفيذ وهناك تكون بداية المشاكل الكبيرة التي تحدث بالعادة». 

وترى القاضية بأن مشاكل الميراث في فلسطين هي أكبر وأعقد من الدول العربية المجاورة، مرجعةً ذلك لكون معظم الأراضي غير مسجلة بأسماء أصحابها، ففي السابق كان الأغلب يتجنب تسجيل كامل ممتلكاته باسمه تهرباً من دفع الضرائب.

 لكن هناك مشكلة أخرى تواجه النساء المطالبات بميراثهنّ في فلسطين وهو ما تسرده القاضية بالقول: «أغلب النساء يتعرضن للحرج والمواجهة في حال طلبنّ ارثهنّ، خاصة اللواتي يتزوجن خارج قراهن وبلداتهن، فأغلب الحالات وعندما تطلب تلك النساء ميراثهن لا يقبل أحد من افراد بلدها او قريتها بالشهادة معها أو الوقوف لجانبها، على اعتبار أنها أصبحت غريبة ولن يشهدوا ضد اخوتها الذين بالنسبة لهم هم ابناء بلدهم».

التخارج بحصة أقل

من المواضيع المعقدة أيضا في هذا المجال والتي تشكل خطورة على حق النساء في ميراثهن، هو خروج النساء من التركة مقابل مبلغ مالي قليل، الأمر الذي تظلم فيه النساء كثيراً.

وحول ذلك تقول القاضية: «ما يتم بالغالب، هو أن يطرح أخوة أو ذوي الوارثة فكرة إعطائها مبلغاً من المال مقابل التنازل عن حقها بالورثة والخروج منها، وهي بالعادة تكون أقل بكثير من الحصة الأساسية».

وحول دورها كقاضية شرعية وسيدة في الوقت نفسه في هذا الموضوع تقول: «المحكمة الشرعية منعت قضية التخارج، فيجب أولاً تقدير قيمة التركة وحصة الأنثى في الميراث ومقارنتها مع المبلغ المطروح عليها للتخارج، إضافة لذلك أقوم أنا بدوري، وهو أمر غير ملزم للقضاة، بتخصيص جلسة خاصة ومغلقة مع كل سيدة تنوي التخارج من تركتها، وذلك للتأكد من أنها ترغب في ذلك حقاً، كما أعمل على توعيتها، فالكثير من النساء خاصة من الأجيال الكبيرة لا يعلمنّ حقوقهنّ أبداً».

الحل: عمل حصر ارث تلقائي بعد الوفاة

من الحلول المقترحة لتجنب ظلم النساء في ميراثهنّ، والذي اقترحته المحكمة الشرعية بالشراكة مع وزارة الداخلية، هو تنفيذ مشروع يقضي بحصر الارث مباشرة بعد وفاة أي شخص، إلا أن هذا المشروع اصطدم بعقبات كبيرة وهو ما تشرحه القاضية بالقول: «لدينا مشكلة كبيرة في تسجيل الأراضي وتطويبها، الأمر الذي يضمن وجود سند ملكية للمورث ويوضح للوارثين حصتهم منها، إلا أن ذلك بحاجة لمبلغ مالي كبير لتنفيذه ومزيد من الوقت». 

وعي زائد وحق ضائع

مما لا شك فيه، أن هناك زيادة مطردة في عدد النساء اللواتي يطالبن بحقهن في الميراث، ويعزى ذلك لعدة أسباب منها زيادة الوعي والظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها المجتمع الفلسطيني بشكل عام والمرأة بشكل خاص.

فمن جانبها، ترى المحامية والمدير العام لصندوق النفقة الفلسطيني، فاطمة المؤقت، بان أغلب الدراسات تشير بأن النساء في فلسطين لديهم الوعي الكافي بحقوقهن في هذا الموضوع، إلا أن بعض العوامل تحول دون حصولها على حقها الشرعي، من أهمها الثقافة الاجتماعية السائدة والتي تمنح الذكر كامل السلطة والقدرة على التحكم.

وتضيف المؤقت في مقابلة خاصة مع الـ «حدث»: «رغم كل هذه العوامل الصعبة، إلا ان النساء بدأن في السنوات الأخيرة بالمطالبة بإلحاح بحقهنّ، ويعود السبب في ذلك للأوضاع الاقتصادية، خاصة مع تزايد أعداد النساء اللواتي يعلنّ عائلاتهنّ، وهؤلاء بأمس الحاجة للحصول على إرثهنّ، إضافة لذلك هناك غياب واضح للدعم الاجتماعي والاقتصادي من العائلة النووية للنساء، بسبب التغييرات التي حصلت على التركيبة المجتمعية، فالنساء حالياً خاصة ممن لا يعملن لا يجدن من يساهم في النفقة عليهن أو على أطفالهنّ، مما دفع بالكثير منهنّ للمطالبة بحقهم الشرعي في الميراث». 

تكاليف عالية للحصول على الإرث 

على صعيد آخر، تشير المؤقت بأن هناك معيقات أخرى قد تؤخر حصول المرأة على ميراثها، ليس لها علاقة بالتركيبة الاجتماعية أو الذكورية، تتمثل في التكاليف المالية لتنفيذ حصر الإرث والحصول عليه. 

وحول المعيقات الأخرى تضيف: «في حال حصلت المرأة على حصتها من الإرث، فإن لذلك تبعات مالية أخرى، منها أعمال تسجيل الممتلكات وتقسيم المال الشائع ودفع أتعاب للمحامين، الأمر الذي يدفع بالكثير منهنّ لتأجيل تنفيذ ذلك او التوقف عن المطالبة بحقهن، أو حتى التفاهم مع الورثة للتخارج من التركة بمبلغ مالي يكون أقل من حصتها الأساسية، تجنباً لكل هذه التعقيدات الإدارية والتنفيذية».

ولحل هذه الإشكالية، تقترح المحامية والمدير العام لصندوق النفقة الفلسطيني، «بأن يتم توفير برنامج دعم ومساندة قانونية من قبل الحكومة أو المؤسسات النسوية، والذي يخفف الأعباء المالية الواقعة على من تريد أن تأخذ حقها الشرعي في الميراث، لكن أعتقد بأن هذه الفكرة وتنفيذها قد تأخذ سنوات طويلة، خاصة وأن حق المرأة في الميراث ما يزال غير معترف به وغير مساند وبالتالي فسيبقى حقاً ضائعا».

مشاريع توعية كثيرة دون جدوى فعلية

هناك عدد من المؤسسات النسوية قد عملت على تنفيذ مشاريع لزيادة وعي النساء بحقهم في الميراث، حقق البعض منها زيادة طفيفة في وعي النساء بحقهن بالميراث، لكن أيّا منها لم يستطع أن يحدث تغييراً جذرياً في هذا الموضوع، ويعود السبب في ذلك لغياب الإرادة السياسية وغياب الأجهزة التشريعية القانونية والتنفيذية الفعّالة، إضافة لضعف الإمكانيات المالية.

ومن المؤسسات التي عملت على هذا الموضوع، مؤسسة “أدوار” في مدينة الخليل، التي ترأسها المديرة العامة لمؤسسة ادوار للتغيير الاجتماعي السيدة سحر القواسمة، والتي تشرح عن المشروع بالقول: “عملنا لمدة عاملين على مشروع “حق المرأة في الميراث”، والذي انتهى العام الماضي وذلك بالشراكة مع عدد من مؤسسات المجتمع المدني، كان هدفنا الأساسي هو توعية النساء بضرورة مطالبتهن بحقهن بالميراث، والتركيز على الجهات الدينية والمحاكم الشرعية في الوقت نفسه، والتي تساعد على تثبيت هذا الحق».

وتضيف القواسمة في حديث خاص مع الـ «حدث»: «لقد لاقى هذا المشروع صدى جيدا في مدينة الخليل، فالكثير من النساء قصدونا لمعرفة حقوقهن القانونية، كما أننا عملنا مع جهات الاختصاص خاصة الجهات التنفيذية، وذلك للمساهمة في تسهيل حصول كل سيدة على حقها الشرعي في الإرث»

وترى القواسمة، بأن هذه المشاريع والمبادرات وإن كانت لا تحقق نقلة نوعية أو إنجازاً في هذا الموضوع، إلا أنها ساهمت بشكل كبير في زيادة وعي النساء، كما جذبت إليها الكثير من الذكور المناصرين لها من بينهم رجال دين قائلةً: “كان لنا تأثير كبير على الرجال والنساء، فعلى سبيل المثال تم تسليط الضوء على هذه القضية في البرنامج الصباحي الذي يبثه المفتي الشرعي لمحافظة الخليل، محمد ماهر مسودى، والذي تطرق أكثر من مرة لهذا الموضوع، إضافة لذلك زاد عدد المحاميين الذي أصبحوا يساندون حق النساء في الميراث، إضافة لزيادة عدد  المؤسسات الحقوقية التي تتعامل معنا لتحقيق تغير في المجال مثل «الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان».

لا حل دون توقيع الرئيس

 

ومع كل هذه المبادرات والمشاريع، لا ترى مديرة مؤسسة «أدوار» أي أفق لحل جذري لهذه القضية إلا بوجود إرادة سياسية واضحة قائلةً: «لقد شكلت لجنة وطنية وطرحت مشرع قانون معدل للأحوال الشخصية، والذي يتطرق لموضوع الإرث وكافة حقوق المرأة المسلوبة في بلادنا، إلا أن الأمر الآن معلق عند الرئيس محمود عباس، فهو يرفض على التوقيع عليه بسبب الانقسام الحاصل، فالقيادة الفلسطينية في رام الله تخشى من رفض حماس في غزة لهذا المشروع، الأمر الذي يعني مزيداً من الانقسام، وذلك بحجة أن ذلك لا يتماشى مع الدين وهو أمر غير مبرر أبداً».