الحدث - الخليج اون لاين
في ظل الواقع السياسي المعقد، وحملات المقاطعة العالمية المستمرة، تعتمد اسرائيل لتعزيز اقتصادها على تطوير القطاع التكنولوجي، وتصدير الصناعات والخدمات، وهو ما يجعلها عرضة أكثر من أي دولة تعتمد على الصناعات التقليدية للهجمات الإلكترونية، التي، وإن كانت غير ظاهرة للعيان، تعتبر تكلفة صدّها والوقاية منها تحدياً جديداً وجديّاً للاقتصاد والشعور بالأمن.
مراحل في النشأة
بعد تعرّض المؤسسات الاسرائيلية والبنى التحتية للعديد من الهجمات الإلكترونية الخارجية والداخلية على مدار الـ 15 سنة الأخيرة، واقتصار الرد الإسرائيلي على الصد اللحظي للهجمات دون وجود خطة استراتيجية للوقاية، برزت الحاجة إلى تشكيل أجسام رسمية- سياسية وأمنية- تعمل على وضع السياسات والخطط الاستراتيجية للوقاية من الهجمات وتحديد أبجديات الصد.
وعليه؛ افتتح في بداية عام 2012 "المقرّ الإلكتروني الوطني" الأول في اسرائيل، وهو تابع بشكل مباشر لمكتب رئيس الحكومة، وتتجلى مهمة هذا المكتب الأساسية في بناء مفاهيم الأمن الإلكتروني والإشراف على تطبيقها، إضافة للتنسيق وعقد شراكات مع جميع الجهات المرتبطة بالمجال، سواء كانت محلية أو دولية، إلى جانب تقديم الاستشارات والتوصيات لأصحاب القرار لسن قوانين واتخاذ قرارات حول الأمن الإلكتروني، وتقديم مشاريع لبناء بنية تحتية تكنولوجية وتأهيل موارد بشرية للعمل في المجال.
وبناء على ذلك، لوحظ في السنوات القليلة الأخيرة السعي الإسرائيلي لتوجيه الإسرائيليين نحو الفروع التكنولوجية في الجامعات والمعاهد التطبيقية، عن طريق تقديم منح سخيّة للمميزين منهم، إلى جانب إنشاء وحدة "الجيش الإلكتروني" في المؤسسة العسكرية والسعي لتحسين ظروف الخدمة فيها لثني الجنود عن الانتقال للشركات التكنولوجية الخاصة بدلاً من العمل بوظيفة ثابتة في المؤسسة العسكرية.
وفي هذا السياق يذكر أنه في عام 2015 قرر رئيس أركان الجيش، غادي آيزنكوت، إنشاء وحدة "سايبر" مستقلة تقود عمليات الحماية والهجوم الإلكتروني بالجيش، وأن يكون مقرّها مستقلاً بالقرب من بئر السبع جنوبيّ فلسطين المحتلة، إلى جانب إقامة كتيبة حماية إلكترونية داخل قسم الاتصالات في الجيش، وإجراء تغييرات هيكلية في قسم الاستخبارات.
قانون الحماية الإلكترونية
إلى جانب ذلك، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة "معاريف" العبرية، شباط الماضي، فإن الحكومة الاسرائيلية والمقر الإلكتروني يعملون على سن "قانون الحماية الإلكترونية"، وذلك على خلفية زيادة هجمات القرصنة والتقديرات حول ارتفاعها أكثر فأكثر في السنوات القادمة وتحولها لواقع معاش.
وبموجب القانون المقترح ستفرض قيود على كلّ الشركات الخاصة والحكومية فيما يخص معايير الأمان المتبعة في النظم التكنولوجية المستخدمة فيها، إضافة لوجود قيود جديدة على تصدير التكنولوجيا، إذ ستجبر الشركات على الحصول على موافقة وزارة الأمن، وبطبيعة الحال، تقلق هذه الخطوة الشركات الخاصة والمؤسسات، مثل البنوك التي ترى في القانون مجالاً لانتهاك خصوصية العمل وأسراره.
وبحسب تقرير نشره مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، في أيلول، ففي نيسان من عام 2016 بدأت "السلطة الإسرائيلية للحماية الإلكترونية" عملها رسميّاً، ومهمّتها هي إدارة وتشغيل وتنسيق جميع جهود الحماية على المستوى القومي في مجال السايبر، لصالح الحماية الكاملة والمستمرة للفضاء الإلكتروني لدولة الاحتلال، والتعامل مع التهديدات المتزايدة التي ضربت سابقاً منظومة الاتصالات والكهرباء، واخترقت مواقع رسمية، ووصلت إلى السجلّات الداخلية لوزارات الاحتلال.
ووفقاً للتقرير، توصلت السلطة الجديدة لاتفاق تنسيقي مع جهاز الاستخبارات "الشاباك" بهدف الاعتماد على المعلومات الاستخباراتية الواردة من الشاباك، وتوظيفها بخدمة السلطة الجديدة، وللحؤول دون تحوّل سلطة الحماية الإلكترونية إلى جهاز استخباراتيّ جديد.
تاريخ حافل من الهجمات
وبالحديث عن هجمات القرصنة التي تعرضت لها اسرائيل فلا بد من ذكر قضية "الإخوة الضريرون بدير"، وهم 3 إخوة مكفوفون من فلسطينيي الداخل، قاموا- عام 2000- باختراق جميع شبكات الاتصالات الإسرائيلية، ومن بينها إذاعة جيش الاحتلال وموقع المخابرات، في عملية وصفت بأنها أكثر عمليات الاختراق تعقيداً في تاريخ الاحتلال، إذ درست التحقيقات أكثر من 40 ألف ملف، وآلاف التسجيلات الصوتية، وجمعت مئات الشهادات.
وبحسب تقرير صدر عام 2013 عن المنتدى الإسرائيلي لأمن المعلومات، في عام 2006 سرقت قاعدة البيانات الخاصة بمديرية الإسكان على يد أحد موظّفي وزارة الرفاه الاجتماعي، ومن خلال ذلك كشفت جميع البيانات الخاصة بالإسرائيليين، بالإضافة لمعرفة صلات القرابة بشكل مفصل، إذ إن قاعدة البيانات احتوت على محرك بحث متطور.
وفي العام نفسه اخترق مواطنون مغربيون مئات المواقع الإسرائيلية التابعة لشركة الاتصالات "نت فيجن"، مثل موقع مستشفى رمبام الشهير، وبنك العمّال الإسرائيلي، وبنك عسكري آخر، إضافة لمواقع شركات تأمين.
وفي عام 2007 تعرض موقع القناة الإسرائيلية العاشرة لاختراق تركي، تكرّر 3 مرات في العام نفسه، ولكن استهدف بالمرات التالية مواقع شركات التأمين، تاركاً رسائل تهديد معادية للاحتلال.
وفي عام 2008 نفذت هجمات قرصنة متبادلة بين قراصنة إسرائيليين ولبنانيين وإيرانيين، الأمر الذي بدا وكأنه حرب إلكترونية حقيقية استمرت عدة أشهر.
وفي عام 2011، سرق قراصنة الهوية الرقمية لجهاز الموساد الإسرائيلي بعد اختراق قاعدة البيانات الخاصة بالشركة الهولندية المزودة بالهويات الرقمية للموساد ولجهاز الاستخبارات الأمريكي، وللكثير من المواقع المهمة والحساسة بالنسبة لدولة الاحتلال.
يذكر في السياق نفسه قيام القرصان المعروف باسم "أنونيمس" بتدمير عدد كبير من المواقع الرسمية التابعة لحكومة الاحتلال، مثل مواقع الجيش والموساد والشاباك ووزارة الصحة ووزارة القضاء ومديرية الأراضي ووزارة الإسكان والداخلية.
ومجدداً في عام 2012 نشبت "حرب إلكترونية"، وهجمات قرصنة متبادلة بين إسرائيليين ولبنانيين وإيرانيين وسعوديين، وفي إطار ذلك اخترقت مواقع مهمة، مثل موقع شركة الطيران الإسرائيلية- العال- والسينما وصحيفة هآرتس العبرية والبورصة الإسرائيلية للسندات.
لكن، بالنظر إلى البيانات التي يقدمها التقرير، يتضح أن للقرصنة التركية الدور الأساسي في الهجمات الإلكترونية على دولة الاحتلال الإسرائيلي، فمنذ عام 2007 حتى 2010 نفذت 6 هجمات قرصنة كبيرة من تركيا، وغالبيتها كان بهدف تسجيل موقف معاد للاحتلال وداعم للقضية الفلسطينية.